الصلوات تكفر ما بينها

منذ 2023-07-04

قَالَﷺ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهَا»

روى مسلم عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: كُنْتُ أَضَعُ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه طَهُورَهُ فَمَا أَتَى عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يُفِيضُ عَلَيْهِ نُطْفَةً، وَقَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ انْصِرَافِنَا مِنْ صَلَاتِنَا هَذِهِ -قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهَا الْعَصْرَ- فَقَالَ: «مَا أَدْرِي أُحَدِّثُكُمْ بِشَيْءٍ، أَوْ أَسْكُتُ» ؟».

 

فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ خَيْرًا فَحَدِّثْنَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

 

قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهَا»[1].

 

معاني المفردات:

يُفِيضُ عَلَيْهِ نُطْفَةً: أي يسكب عليه ماءً، وأصله من القَطْر، يقال: نطفَ الماء إذا قَطَر.

 

ومراده لم يكن يمر عليه يوم إلا اغتسل فيه، وكانت ملازمته للاغتسال محافظة على تكثير الطُّهر، وتحصيل ما فيه من عظيم الأجر الذي ذكره في حديثه.

 

مَا أَدْرِي أُحَدِّثُكُمْ بِشَيْءٍ، أَوْ أَسْكُتُ؟: أي ما أدري هل ذكري لكم هذا الحديث في هذا الزمن مصلحة أم لا، ثم ظهرت مصلحته في الحال عنده صلى الله عليه وسلم، فحدَّثهم به لِمَا فيه من ترغيبهم في الطهارة وسائر أنواع الطاعات، وسبب توقفه أولًا أنه خاف مفسدة اتكالهم، ثم رأى المصلحة في التحديث به.

 

إِنْ كَانَ خَيْرًا فَحَدِّثْنَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَاللهُ ورَسُولهُ أَعْلَمُ: أي إن كان بشارةً لنا، وسببًا لنشاطنا، وترغيبنا في الأعمال، أو تحذيرا وتنفيرا من المعاصي والمخالفات فحدثنا به؛ لنحرص على عمل الخير والإعراض عن الشر، وإن كان حديثا لا يتعلق بالأعمال، ولا ترغيب فيه ولا ترهيب فالله ورسوله أعلم.

 

كَتَبَ اللهُ: أي فرضه.

 

وفي رواية للبخاري ومسلم قَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: وَاللهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا، وَاللهِ لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا».

 

قَالَ عُرْوَةُ: الآيَةُ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}  [البقرة: 159][2].

 

لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ: أي لولا أن الله تعالى أوجب على من علم علما إبلاغه لما كنت حريصا على تحديثكم.

 

روى مسلم عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ، أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ»[3].

 

معاني المفردات:

فَأَسْبَغَ: أي أَتَمَّ، وأكمل.

الْمَكْتُوبَةِ: أي المفروضة.

 

روى مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ»[4].

 

معاني المفردات:

بِطَهُورٍ: أي بماء يتوضأ به.

فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا: أي يأتي بفرائضه، وسننه.

 

وَخُشُوعَهَا: أي بإتيان كل ركن على وجه هو أكثر تواضعا وإخباتا، وخشية القلب وإلزام البصر موضع السجود، وجمع الهمة لها، والإعراض عما سواها.

 

مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً: أي ما لم يعملها.

 

وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ: أي التكفير بسبب الصلاة مستمر في جميع الأزمان لا يختص بزمان دون زمان.

 

روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ»[5].

 

معاني المفردات:

كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ: أي من صغائر الذنوب.

مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ: أي ما لم تقصد.

 

ما يستفاد من الأحاديث:

1- فضيلة إتمام الوضوء وإحسانه، والمحافظة على الصلوات الخمس، حيث إنها سبب لمغفرة الذنوب.

 

2- التحذير من كتمان العلم.

 

3- من اقتصر في وضوئه على طهارة الأعضاء الواجبة وترك السنن والمستحبات كفَّر الله ذنبه، وإن كان من أتى بالسنن أكمل وأشد تكفيرًا.

 

4- كبائر الذنوب إنما تُغفر بتوبة خاصة، أو رحمة الله.

 

5- المحافظة على الصلوات الخمس سبب لمغفرة الذنوب ما لم تُرتَكب كبائر الذنوب.

 


[1] صحيح: رواه مسلم (231).

[2] صحيح: رواه البخاري (160)، ومسلم (227).

[3] صحيح: رواه مسلم (232).

[4] صحيح: رواه مسلم (228).

[5] صحيح: رواه مسلم (233).

__________________________________________________________
الكاتب: د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني