من وسائل الإعلام ( الإنترنت )

منذ 2023-07-09

إن الإنترنت له الجوانب المُفيدة والخيِّرة؛ حيث هو أداة للمَعرِفة، ووسيلة لنشر الدعوة الإسلامية في جميع أصقاع الكرة الأرضية، والحصول على المعلومات الهائلة خلال مدة قصيرة، وقد يتحوَّل إلى أداة شريرة، تُدمِّر الدِّينَ والخُلُق.

لقد تطوَّرت أجهزة الاتصال تطوُّرًا كبيرًا في نهاية هذا القرن الذي قارَب على الانتهاء، حتى توصَّلت بوساطة الاتصال عن طريق الحاسِبات الآلية إلى ما يُسمَّى بالإنترنت [الشبكة العالمية للمعلومات]؛ بحيث يَستطيع الفردُ وهو جالس في غرفته أن يتَّصِل بالعالم، ويَحصُل منه على المعلومات التي يُريدها، بل يستطيع أن يَعقِد مؤتمرًا عالميًّا يُشارِك فيه زملاؤه، ومن يهتمُّ بمسألته مِن بقاع العالم كافة.

 

هذه الوسيلة الجديدة العظيمة في فوائدها، الخطيرة في مضارِّها، هي موضوع دراستِنا الميسَّرة هذه.

 

نشأته:

• كان أول اتصال يَجري بين جهازَي حاسوب قام به البروفيسور ليونارد كلينروك عام 1969م، فكان أول رسالة إلكترونية من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس إلى معهد الأبحاث في جامعة ستانفورد في مدينة سان فرانسيسكو.

 

• وأول مَن استخدم هذه التقنية الجديدة هي وزارة الدفاع الأمريكية [البنتاغون]؛ وذلك بربط حاسباتها بعضها مع بعض لتبادُل المعلومات العسكريَّة.

 

• وفي عام 1979م ظهرت اليوزنت [Usenet]، وهي الشبكة التي تُعنى بتبادُل الأخبار والأحداث.

 

• وفي عام 1982م نشأت شبكة المؤسَّسة القوميَّة للعلوم في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، التي قامت بربط المؤسَّسات التعليميَّة والعسكرية ومراكز البحوث بعضها مع بعض.

 

• وفي عام 1989م كانت بداية الإنترنت وتطوير الشبكة العالميَّة للمعلومات، التي تَضُم معلومات هائلة، مَفتوحة لجَميع مُشتركي الإنترنت.

 

واليوم وبعد 30 عامًا تقريبًا على أول اتصال عن طريق الحاسوب، هناك 200 مليون من البشر يرتبِط بعضُهم ببعض عن طريق شبكة هائلة، تُعَدُّ أسرع وسيلة للاتصالات، وتبادُل الصور والمعلومات، وعلى هذه الشبكة يتمُّ يوميًّا ملايين الرسائل الإلكترونية، أما عن عدد الوثائق التي تُخزَّن في الإنترنت كمصدر للمَعلومات، فتُعَدُّ بالملايين يوميًّا، ومن المتوقَّع أن تَصِل إلى ثمانية مليارات وثيقة خلال عام 2002م، وأكثر من 100 مليار في نهاية ذلك العقد، أما الإنفاق عليها، فيتعدَّى 330 مليار دولار خلال العامين المُقبلَين.

 

وخلال عام 1989 - 1996م تطوَّرت تقنية الإنترنت، وازداد عدد المُشترِكين إلى أكثر من أربعين مليون مُشترِك، وقد يَصِل إلى مئات الملايين خلال السنوات القادمة.

 

الخِدمات التي يؤديها الإنترنت:

1- في مجال المعلومات العِلميَّة والتعليميَّة:

يَستطيع مُستخدمو الإنترنت الحصول على معلومات هائلة مِن المعلومات العِلمية والتعليمية التربوية، بل يَستطيعون الحصول على آخر ما توصَّلت إليه مراكز الأبحاث العلمية في الجامعات والمؤسَّسات العِلميَّة والتقنية، والموسوعات العلمية مثل دائرة المعارِف البريطانية والأمريكيَّة، والقواميس الإلكترونيَّة.

 

وقد سعَت الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة إلى ربط جميع شبَكات المدارِس والجامعات والمكتبات وقواعد المعلومات؛ بحيث يَستفيدُ منها الطلبة في جميع المُستويات التعليميَّة.

 

2- البريد الإلكتروني:

وهو الوسيلة لتبادُل الرسائل المكتوبة أو الصور أو الملفَّات المختلفة بين الناس في أنحاء العالم كافة، وتتمُّ هذه العملية خلال جزء من الثانية.

 

3- نقل الأخبار وتلقِّيها:

حيث يستطيع الفرد أن يتلقَّى صفحات من أخبار الصحف والمجلات، فضلاً عن تبادُل الآراء حول المواضيع ذات الاهتِمام المُشترَك.

 

4- نقل وتحميل الملفات:

حيث يُمكِن عبر الإنترنت نقل البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وعرضُها وتخزينها من الأغاني والأفلام السينمائية، دون رقيب، أو حدود.

 

5- المُحادَثة:

من خِدمات الإنترنت المُحادَثة والحوار كلاميًّا وخطيًّا في اللحظة نفسِها؛ حيث تسمَح هذه المُحادَثات للعلماء ورجال الأعمال وطالبي الوظائف والمتخصِّصين بعقد مؤتمرات ولقاءات مع أكثر من شخصيَّة، وهم في أماكن مُتباعِدة؛ فمثلاً قد تتم هذه المحادثات واللقاءات بين أشخاص من أوروبا وأمريكا والبلاد العربية في آن واحد.

 

فوائد الإنترنت:

من خلال الخدمات التي يؤديها الإنترنت والمذكورة آنفًا، يتلمَّس الفرد المسلم الفوائد الكبيرة لهذه الوسيلة.

 

وكما رأينا أن فوائد الإنترنت لا تخصُّ فئةً مُعيَّنة، أو فردًا مُعيَّنًا؛ بل تَعُمُّ جميع فئات المُجتمَع.

 

• فالعلماء والباحِثون يُوفِّر لهم الإنترنت المصادِر العِلميَّة المُتعدِّدة في جميع أنحاء العالم، ويُوصِّل لهم ما يرغبُون مِن معلومات وهم يَجلِسون في غرفِهم قراءةً وكتابة، دون أن يُتعبهم في السفر إلى تلك المراكز العِلمية أو الجامعات، ويضع تحت أيديهِم الموسوعات والمعاجم والمكتَبات في العالم أجمع.

 

• ورجال الأعمال والاقتصاد يَحصُلون عبر الإنترنت على كل ما يرغبون من الأسعار العالميَّة والشركات والمؤسَّسات والموادِّ التجارية فيما بينهم.

 

• ورجال التعليم والطلبة يضَع الإنترنتُّ أمامهم كل ما يتعلَّق بالتعليم والتربية والمواد الدراسية، والمناهج العالميَّة في جميع المواد العلميَّة؛ كالطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والرياضيات، مع الإجابة على جميع الأسئلة التي تَجِدُّ على الساحة العِلمية.

 

• ولرجال الإعلام قدَّم الإنترنت الأخبار العالمية، والمقالات السياسية، وجميع الصحُف العالميَّة.

 

الإنترنت والدعوة إلى الله:

من المعلوم لكل مسلم أن الأمة الإسلامية هي أمة الدعوة إلى الإسلام وما تُنادي به من خير وسلام وعدالة؛ ﴿  {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}  ﴾ [آل عمران: 110].

 

وهذه الدعوة واجبة على كل مسلم ومُسلمة، وعلى الأمة الاستفادة من أي وسيلة مُتاحة لها في كل زمان ومكان.

 

ومِن هذه الوسائل:

وسائل الإعلام كافة مرئيةً ومَسموعةً ومقروءة، وآخر هذه الوسائل شيوعًا في العالم هي شبكة الإنترنت العالميَّة، التي تميَّزت باستقلاليتِها عن الدول، وعدم استطاعة أحد التحكُّم بها وبما تَبثُّه من أفكار وآراء وسياسات، وتميَّزت بخدماتها الكبيرة، وضخامة المعلومات التي تحتويها وتنقُلها من مكان إلى آخَر.

 

والإنترنت وسيلة حيادية مُقنِعة، بعيدة عن الإثارة وردود الأفعال والانفعالات التي تُرافِق الآراء المعاكسة التي تتخلل الدعوة المباشِرة للأفراد والجماعات.

 

فالفرد مهما كان اتجاهه وأفكاره بل ديانته وعقيدته يجلس وهو مُرتاح نفسيًّا في غرفته، يَستعرِض الأديان والفِرَق والدعوات عامة، ويَستعرِض حُجَجها وقناعاتها بهدوء وبسُرعة، فيَختار ما يشاء وباقتِناع تامٍّ.

 

من هذا المُنطلَق على المسلمين الاستفادةُ من هذه الوسيلة الفاعلة لعرضِ العقيدة الإسلامية الصافية على الملايين من مُستخدِمي الإنترنت[1]، وبخاصة إذا عَلِمنا أن أكثر مُستخدمي الإنترنت مِن الطبقات العليا في المُجتمع عِلميًّا، كأساتذة الجامعات وكبار التربويين والإعلاميِّين وقادة الرأي في المُجتمعات، فإذا وصلتهم دعوة الله، وتأثَّروا بها، كانوا مكسبًا كبيرًا ومؤثِّرًا في مُجتمعاتهم بعد ذلك.

 

أوجه الضرر من الإنترنت:

ما ذكرناه من ضرر على الأسرة في مجال الرائي (التلفاز) يتحقَّق في مجال الإنترنت، بل يزداد ضررًا على الأطفال والشباب من الجنسين في البيت المسلم.

 

والسؤال هو: كيف يكون الإنترنت أكثر ضررًا وخطرًا؟

1- في مجال ما يُسمَّى بالترويح:

من المعلوم أن شبكة الإنترنت مفتوحة للجميع في أي وقت وفي أي مكان دون قَيد أو شرط؛ لذلك كَثُرت فيها الأفلام الجنسيَّة الرخيصة، والعروض اللاأخلاقيَّة، التي لا تحكمها قيَم دينيَّة أو أخلاقية أو اجتماعية، واطِّلاع أفراد الأسرة على هذه العروض يُساعد على فسادهم أخلاقيًّا، وابتعادهم عن دينِهم وعقيدتهم.

 

2- في مجال الغزو الفِكري:

عرْض الأفكار والعقائد من خلال الإنترنت والتي لا حصرَ لها؛ حيث عرف اليهود والنصارى والهندوس والقاديانيون والبهائيون... إلخ ميزةَ الإنترنت هذه، وحجَزوا مواقع وصفحات لعرض أفكارهم، وقد أشارت الإحصاءات إلى أن المواد الدينيَّة تحتلُّ مساحات واسعة وأكبر من أي مواد أخرى، وأنها تحظى بإقبال كبير من الناس عليها؛ وهذا مما يؤدي إلى بلبلة أفكار الشباب، وممَّن ليس لدَيهم حصانة كافية من العلم الشرعي والثقافة الإسلاميَّة المتينة، وبخاصة أن كثيرًا من المُجتمعات أنشأت ما يُسمَّى بمقاهي الإنترنت؛ حيث يتوافَر للمُستخدِم ما يطلبُه من أفلام أو مواقع فكريَّة وثقافية وأغانٍ وموسيقا وبرامج لا حصر لها.

 

3- من الناحية الأمنية:

ويتحوَّل الإنترنت إلى وسيلة خطيرة جدًّا من الناحية الأمنية؛ وذلك بصفته شبكة عالميَّة مفتوحة لجميع الناس في أي زمان ومكان، وذلك بالدخول إلى أجهزة الحاسب المشتركة في الإنترنت.

 

وقد تكون هذه الأجهزة تابعةً لأجهزة الدولة المُتعدِّدة، حتى ولو كانت المعلومات المُخزَّنة في الحاسوب (مشفرة) ولا يدخل إليها إلا برقم سرِّي، فقد يُتَوَصَّلُ إلى هذا الرقم السري بوسيلة ما، فضلاً عن سهولة نقل المعلومات التجسُّسية من مكان إلى آخَر دون أن يكتشِفَ أصحابها.

 

وهكذا نجد أن الإنترنت له الجوانب المُفيدة والخيِّرة؛ حيث هو أداة للمَعرِفة، ووسيلة لنشر الدعوة الإسلامية في جميع أصقاع الكرة الأرضية، والحصول على المعلومات الهائلة خلال مدة قصيرة، وقد يتحوَّل إلى أداة شريرة، تُدمِّر الدِّينَ والخُلُق.

 

فهو إذًا سلاح ذو حدَّين؛ إن استخدمْناه للخير أعطانا الخير الوفير، وإن استخدمناه للشرِّ نشر الفسادَ في الأرض.

 

وبما أننا لا نَستطيع إيقاف نموِّه وتطوُّره وتسارُعه في الدخول إلى كل مكان في الأرض؛ فعلينا الاستفادة من وجهه الخيِّر في سبيل الخير والصلاح، وتجنيب أبنائنا وشبابنا وجهه القبيح الشرِّير؛ وذلك بتحصينهم عقديًّا وفكريًّا وأخلاقيًّا، ومتابعة ذلك مِن قِبَل الرعاة في الدولة والمُجتمَع والأُسرة.

 

وتقع على الآباء مَسؤولية كبيرة جدًّا في حياتنا المعاصِرة في هذا المجال وفي غيره، كما ذكرنا آنفًا حين التحدُّث عن الرائي (التلفزيون) وتأثيراته النفسية والاجتماعية على الأطفال وأفراد الأسرة عامة[2].

 


[1] بلغ عدد المستخدمين للإنترنت أكثر من ثمانين مليون نسمة هذه الأيام.

[2] للتوسُّع في معرفة كل ما يتعلق بالإنترنت؛ انظر:

1 - إياد عبدالرحيم سلام: الإنترنت أداة العصر، مجلة الثقافية (تَصدُر عن المكتب الثقافي السعودي في بريطانيا)، العدد 21، السنة السادسة.

2 - أهمية الإنترنت في الدعوة إلى الله؛ نشرة الباحثون، العدد الثامن، السنة الثانية 1419هـ.

3 - الدكتورة زهراء محمد إدريس: الإنترنت وعالم علمي تكنولوجي اقتصادي اجتماعي سِحري أخاذ، مجلة أخبار النفط والصناعة، العدد 23، آذار 1988م.

4 - منال عبدالمحسن ناصف: معك على الإنترنت، المجلة العربية، العدد 259، شعبان 1419هـ.

5 - أسامة الحسيني: الشبكة الكمبيوترية العالمية (الإنترنت)، مكتبة ابن سينا للنشر والتوزيع، القاهرة 1996م.

____________________________________________________
الكاتب: د. فهمي قطب الدين النجار