فوائد من كتاب أدب الطلب ومنتهى الأرب للإمام الشوكاني

منذ 2023-07-21

من مصنفات العلامة الشوكاني رحمه الله كتابه الموسوم بـــ: "أدب الطلب ومنتهى الأدب" قال العلامة صديق حسن القنوجي رحمه الله: أبان فيه طرق التعلم والتدرج فيه, وهو كتاب لم يؤلف قبله مثله

   

             

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن العلماء المتأخرين العلامة محمد بن علي الشوكاني المتوفى عام (1250هـ) رحمه الله, والشيخ له مصنفات كثيرة, أثنى عليها أهل العلم, قال العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله: له الكتب النافعة, وقال العلامة صديق حسن القنوجي رحمه الله: صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها, وقال: له المؤلفات الجليلة الممتعة المفيدة في أغلب العلوم. وقال الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك رحمه الله: صاحب التصانيف النفيسة. وقال الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ رحمه الله: له كتب ورسائل في التوحيد نفيسة, فيها نفس الدعوة الإصلاحية, وله في ذلك بعض أخطاء وكبوات جواد.

وقد أوصى العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله, بكتبه, في كتابه القيم النافع: "حلية طالب العلم" قال رحمه الله: وعليك بالكتب المنسوجة على طريقة الاستدلال, والتفقه في علل الأحكام, والغوص على أسرار المسائل, ومن أجلها كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, وتلميذه ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى وعلى الجادة في ذلك من قبل ومن بعد كتب...وكتب الحافظ الشوكاني رحمه الله تعالى

من مصنفات العلامة الشوكاني رحمه الله كتابه الموسوم بـــ: "أدب الطلب ومنتهى الأدب" قال العلامة صديق حسن القنوجي رحمه الله: أبان فيه طرق التعلم والتدرج فيه, وهو كتاب لم يؤلف قبله مثله, نفيس جداً. وقال محقق الكتاب الأستاذ طارق عبدالواحد علي:  كتابه القيم...هذا الكتاب النفيس.

 هذا وقد اخترت بعضًا من فوائد كتابه, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

أول ما يجب على طالب العلم: أن يُحسن نيته, ويُصلح طويتة, ويتصور أن هذا العمل الذي قصد له والأمر الذي أراده هو الشريعة التي شرعها الله سبحانه لعباده, وبعث بها رسله, وأنزل بها كتبه, ويجردُ نفسه عن أن يشوب ذلك بمقصد من مقاصد الدنيا, أو يخلطه بما يكدره من الإرادات التي ليست منه, كمن يريد به الظفر بشيءٍ من المال, أو يصل به إلى نوع من الشرف, أو البلوغ إلى رئاسة من رئاسات الدنيا, أو جاه يُحصّلُه به, فإن العلم طيب لا يقبل غيره, ولا يحتمل الشِّركة, والروائح الخبيثة إذا لم تغلب على الروائح الطيبة, فأقلُّ الأحوال أن تساويها, وبمجرد هذه المساواة لا تبقى للطيب رائحة, والماءُ الصافي العذبُ الذي يستلذّهُ شاربه كما يكدره الشيءُ اليسير من الماء المالح, فضلًا عن غير الماء من القاذورات يُنقصُ لذته مجرد وجود القذاة فيه ووقوع الذباب عليه, هذا على فرض أن مجرد تشريك العلم مع غيره له حكم هذه المحسوسات, هيهات ذاك, فإن من أراد أن يجمع بين طلبه العلم بين قصد الدنيا والآخرة, فقد أراد الشطط, وغلط أقبح الغلط, فإن طلب الدنيا من أشرف أنواع العبادة وأجلها وأعلاها, وقد قال الله سبحانه: {﴿ فاعبُد اللهَ مُخلصًا لهُ الدين ﴾} [الزمر:2] فقيد الأمر بالعبادة بالإخلاص الذي هو روحها.

  • لا ينال من أراد الدنيا بالدين إلا وبالًا وخسرانًا:

جرت عادة الله في عبادة....إنه لا ينال من أراد الدنيا بالدين إلا وبالًا وخسرانًا, عاجلًا أو آجلًا, خصوصًا من كان من الحاملين لحجة الله, المأمورين بإبلاغها إلى العباد, فإن خيره في الدنيا والآخرة مربوطة بوقوفه على حدود الشريعة, فإن زاغ عنها زاغ عنه.

  • من تعكست عليه أموره من طلبة العلم:

إن لحسن النية, وإخلاص العمل تأثيرًا عظيمًا في هذا المعنى, فمن تعكّست عليه بعض أموره من طلبة العلم, أو أكدت عليه مطالبه, وتضايقت مقاصده, فليعلم أنه بذنب أُصيب, وبعدم إخلاصه عُوقب, أو أنه أُصيب بشيءٍ من ذلك محنةً له وابتلاءً, لينظر ربه كيف صبره واحتماله, ثم يُفيض عليه بعد ذلك من خزائن الخير ومخازن العطايا ما لم يكن بحسبان, ولا يبلغ إليه تصوره, فليعضّ على العلم بناجذه, ويشُدّ عليه يده, ويشرح به صدره, فإنه لا محالة واصل إلى المنزل الذي ذكرنا, نائل للمرتبة التي بيّنّا.

  • عالي الهمَّة والمطالب العالية:

ينبغي لمن كان صادق الرغبة, قوي الفهم, ثاقب النظر, عزيز النفس, شهم الطبع, عالي الهمة, سامي الغزيرة, ألا يرضى لنفسه بالدون, ولا يقنع بما دون الغاية, ولا يقعد عن الجد والاجتهاد المبلِّغين له إلى أعلى ما يُراد وأرفع ما يستفاد, فإن النفوس الأبية والهمم العلية لا ترضى بدون الغاية في المطالب الدنيوية, من جاهٍ أو مال, أو رئاسة, أو صناعة, أو حرفة....وإذا كان هذا شأنهم في الأمور الدنيوية, التي هي سريعة الزوال, قريبة الاضمحلال, فكيف لا يكون ذلك من مطالب المتوجهين إلى ما هو أشرفُ مطلبًا, وأعلى مكسبًا, وأرفع مرادًا, وأجلُّ خطرًا, وأعظم قدرًا, وأعود نفعًا, وأتمُّ فائدة وهي المطالب الدينية, مع كون العلم أعلاها وأولاها بكل فضيلة, وأجلها وأكملها في حصول المقصود, وهو الخير الأخروي.

فأكرم بنفس تطلبُ غاية المطالب في أشرف المكاسب, وأحبب برجل أراد من الفضائل ما لا تدانيه فضيلة, ولا تساميه منقبة, ولا تقاربه مكرمة.

على العاقل أن يعلم...أن أعظم ما يريده الله منه, ويقربه إليه, ويفوز به عنده أن يشغل نفسه ويستغرق أوقاته في طلب معرفة هذه الشريعة التي شرعها الله لعباده, وينفق ساعاته في تحصيل هذا الأمر الذي جاءت به رسل الله إلى عباده, ونزلت به ملائكته, فإن جميع ما يريده الله من عباده عاجلًا وآجلًا, وما وعدهم به من خيرٍ وشرٍّ قد صار في هذه الشريعة.

فأكرم برجلٍ تاقت نفسه عن أن يكون عبد بطنه إلى أن يكون عبد دينه, حتى يناله على الوجه الأكمل, ويعرفه على الوجه الذي أراده الله منه, ويرشد إليه من عباده من أراد له الرشاد, ويهدي به من استحق الهداية.

  • أسباب الخروج عن الإنصاف والوقوع في موبقات التعصب:

السبب الأول: النشوء في بلدٍ تميز أهله بالتعصب المذهبي.

السبب الثاني: حُبّ الشرف والمال.

السبب الثالث: الجدال والمراء.

السبب الرابع: التعصب للقرابة.

السبب الخامس: صعوبة الرجوع إلى الحق بعد اعتقاد خلافه والقول به.

السبب السادس: أن يكون الذي معه الحق صغير السن, أو قليل العلم والشهرة.

السبب السابع: تزين الشيوخ لطلبتهم والعكس.

السبب الثامن: الاعتماد على قواعد عقلية تخالف الكتاب والسنة.

السبب التاسع: الاعتماد على كتب المُتعصبين.

السبب العاشر: المنافسة بين المتقاربين في الفضل والمنزلة.

  • انتقام الله جل وعلا من الظالم:

من عجيب ما أشرحه لك, أنه كان في درس بالجامع...في صحيح البخاري, يحضره من أهل العلم...جماعة...فسمع ذلك وزير رافضي من وزراء الدولة, وكانت له صولة وقبول كلمه بحيث لا يخالفه أحد, وله تعلق بأمر الأجناد...حتى أغرى جماعة من الأجناد...بالوصول إليّ لقصد الفتنة....

ثم إن ذلك الوزير أكثر السعاية إلى المقام الإمامي هو ومن يوافقه على هواه, ويطابقه في اعتقاده من أعوان الدولة, واستعانوا برسائل بعضها من علماء السوء, وبعضها من جماعة من المقصرين الذين يظنهم من لا خبرة له في عداد أهل العلم.

وحاصل ما في تلك الرسائل: أني قد أردتُ تبديل مذهب أهل البيت عليهم السلام, وإنه إذا لم يتدارك ذلك الخليفة بطل مذهب آبائه, ونحو هذا من العبارات المفتراة, والكلمات الخشنة, والأكاذيب الملفقة.

ولقد وقفت على رسالة منها لبعض أهل العلم ممن جمعني وإياه طلب العلم, ونظمنا جميعًا عقدُ المودة وسابق الإلفة, فرأيته يقول فيها مخاطبًا لإمام العصر: إن الذي ينبغي له ويجب عليه: أن يأمر جماعة يكبسون منزلي, ويهجمون على مسكني, ويأخذون ما فيها من الكتب....

فلما وقفت على ذلك قضيت منه العجب, ولولا أن تلك الرسالة بخطه المعروف لديّ لما صدقت, وفيها من هذا الزور والبهت والكلمات الفظيعة شيء كثير.

وعند تحرير هذه الأحرف قد انتقم الله منه, فشرّده إمام العصر إلى جزيرة من جزائر البحر مقرونًا في السلائل بجماعة من السوقة وأهل الحِرف الدنيئة, وأهلكه الله في تلك الجزيرة. { ولا يظلم ربك أحدًا}  [الكهف:49]

لم أجد أهل ملة من الملل ولا فرقة من الفرق الإسلامية أشدّ بهتًا وأعظم كذبًا وأكثر افتراءً من الرافضة فإنهم لا يبالون بما يقولون من الزور كائنًا ما كان ومن كان مشاركًا لهم في نوع من أنواع الرفض وإن قلّ كان فيه مشابهة لهم بقدر ما يُشاركهم فيه

  • لا أمانة لرافضي

لا أمانة لرافضي قط على من يخالفه في مذهبه, ويُدين بغير الرفض, بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصة تلوح له, لأنه عنده مُباح الدم والمال, وكل ما يظهره الرافضي من المودة فهو تقية, يذهب أثرها بمجرد إمكان الفرصة, وقد جربنا هذا كثيراً, فلم نجد رافضيًا يخلص المودة لغير الرافضي وإن آثره بجميع ما يملكه...وتودد إليه بكل ممكن, ولم نجد في مذهب من مذاهب المبتدعة ولا غيرها ما نجده عند هؤلاء من العداوة لمن خالفهم, ثم لم نجد عند أحدٍ ما نجده عندهم من التجرؤ على شتم الأعراض المحترمة, فإنه يلعن أقبح اللعن ويسبُّ أفظع السبِّ كل من تجري بينه وبينه أدنى خصومة...وأقلُّ خلاف, ولعل سبب هذا والله أعلمُ أنهم لما تجرؤا على سبِّ السلف الصالح هان عليهم سب من عداهم.

جرب هذا...فقد جربناه وجربه من قبلنا فلم يجدوا رافضيًا يتنزه عن شيءٍ من محرمات الدين كائناً من كان, ولا تغترّ بالظواهر, فإن الرجل قد يترك المعصية في الملا ويكون أعفّ الناس عنها في الظاهر, وهو إذا أمكنته فرصة انتهزها انتهاز من لا يخاف نارًا ولا يرجو جنة...وقد رأيتُ منهم مؤذناً  كان يؤم الناس في بعض مساجد...وله سمت حسن وهدى عجيب ولازمة للطاعة, وكنتُ أُكثر التعجب منه كيف يكون مثله رافضيًا ؟ ثم سمعتُ بعد ذلك عنه بأمور تقشعر لها الجلود, وترتجفُ منها القلوب.

  • التصنيف الذي يستحق أن يقال له: تصنيف:

التصنيف الذي يستحق أن يقال له: تصنيف, والتأليف الذي ينبغي لأهل العلم الذين أخذ الله عليهم بيانه, وأقام لهم على وجوبه عليهم برهانه, هو أن ينصروا فيه الحق, ويخذلوا به الباطل, ويهدموا بحُججه أركان البدع, ويقطعوا به حبائل التعصب, ويوضحوا فيه للناس ما نزل إليهم من البينات والهدى, ويُبالغوا في إرشاد العباد إلى الإنصاف, ويجببوا إلى قلوبهم العمل بالكتاب والسنة, وينفروهم من اتباع محض الرأي وزائف المقال وكاسد الاجتهاد.

  • أصل الرافض إلحاد وزندقة:

أصل الرفض إلحاد وزندقة, ولا غرو, فأصلُ هذا المظهر الرافضي مظهرُ إلحادٍ وزندقة, جعله من أراد كيدًا للإسلام سترًا له, فأظهر التشيع والمحبة لآل رسول اله صلى الله عليه وسلم استجذابًا لقلوب الناس, لأن هذا أمر يرغب فيه كل مسلم, وقصدًا للتغرير عليهم, ثم أظهر أنه لا يتم القيام بحق القرابة إلا بترك حق الصحابة, ثم جاوز ذلك إلى إخراجهم _ صانهم الله_ عن سبيل المؤمنين.

ومُعظم ما يقصده بهذا هو الطعن على الشريعة وإبطالها, لأن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين رووا للمسلمين علم الشريعة من الكتاب والسنة, فإذا تم لهذا الزنديق _ باطنًا _ الرافضي  _ظاهرًا _ القدح في الصحابة وتكفيرهم والحكم عليهم بالردة بطلت الشريعة بأسرها, لأن هؤلاء هم حملتها الراوون لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا هو العلة الغائية لهم, وجميع ما يتظهرون به من التشيع كذب وزور.

                    كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ