طب نعمل قرعة ؟
حين سمعت أخبار اكتساح حزب النهضة الإسلامى لانتخابات تونس، كان أول شعور هو الفرحة الطاغية، ثم التفاؤل لأن تونس فأل خير بالنسبة لمصر، ثم الشعور الثالث بعجب لا ينقضى من هذا الدين الذى كلما قلت أنه انتهى وأن الناس قد أعطوه ظهورهم، فإذا بالمفاجأة، المفاجأة المذهلة ليست أن الإسلام موجود وحاضر، بل أنه مسيطر ومتجذر ومتغلغل فى الأفئدة، تونس كانت واحدة من أقبح علمانيتين فى الدنيا هى وتركيا، كان الإيشارب جريمة، والصلاة كبيرة، كانت مظاهر وشعائر الإسلام ممنوعة بالكلية، وظهرت أجيال كانت ملامحها وسلوكها يؤكد أن الإسلام لم يعد له تأثير عليها، ثم وياللهول، المفاجأة أنه ومع أول استحقاق انتخابى كانت النتيجة اكتساح، شىء يعجز المرء أن يصفه، شىء يجعل الإسلاميين فى كل مكان يعجزون عن التعبير عن فرحة عارمة ممزوجة بدهشة لذيذة، شىء يجعل العلمانيين يعضون من الغيظ أناملهم ويلطمون خدودهم ويشقون جيوبهم، لا شك أن صدمة العلمانيين وحسرتهم فوق الوصف فالمفاجأة كبيرة ومباغتة، من أين أتى الإسلاميون بكل هذه القوة؟ ما سر هذا الاكتساح؟ الخطاب العلماني بآلته الإعلامية الجبارة وسدنته وكهنته يبذلون أقصى جهدهم ثم لا يجنون إلا الحسرة ولا يعودون حتى بخفى حنين!!
من وجهة نظرى أن أقبح من يطأ أديم الأرض هم العلمانيون العرب، العلماني غير العربى قد يكون معذوراً فى علمانيته، العلمانية هى البديل الوحيد المتاح أمامه ليجد فيها نفسه، العلمانية لا تعارض شيئاً فى عقيدة أو حياة الغربى ولا تعاند شيئاً فى موروثه أو تقاليده، أما العلماني العربى الذى فتح عيناه على شريعة غراء وكتاب آسر معجز وسنة حانية شافية، هذا العلماني المخبول يعاند فطرته ويضاد طفولته ثم هو يقدم للجماهير التى يحاول أن يجعلها فى صفه يقدم لها خطاباً أقل ما يقال عنه أنه خطاب كوميدى، خطاب يقول لهذا الرجل البسيط أن كل ما تربيت عليه طول عمرك دعك منه الآن إلا من بعض المكياج الخفيف، العلمانيون الحمقى لم يتوقفوا لحظة أمام دروس واجبة من هزائمهم المستمرة أمام التيار الإسلامى، غل الهزيمة وحسد النفوس ومكابرة إبليس تجعل العلمانيين يتعامون عن حقيقة كالشمس فى رابعة النهار أنه لا مكان فى بلاد المسلمين لمن ينحى الشريعة وأنه وبرغم سنوات القهر للإسلام والإسلاميين فإن القهر والزمن لم يزيدا الجماهير إلا حنيناً للإسلام وهو التفسير الوحيد المنطقى أن النتيجة دائما باكتساح.
هول المفاجأة حجماً ومساحة إضافة إلى طبيعة النخب العلمانية من حيث كون تسعة وتسعين بالمائة من أفرادها أدعياء ليبرالية وحرية بينما هم فى الأصل فلول بامتياز، لا يمتلكون أى مواهب ولا أى مشروع يصلح لإنقاذ الوطن، كل هذا جعلهم لا يكذبون ولا حتى يتجملون فى ردة فعلهم على الاكتساح الإسلامى بل بدت البغضاء من أفواههم وأفعالهم وأقوالهم فجاءت فاضحة استبدادية بامتياز، الحرية تتعطل ويتم الكفر بها إذا كانت ستأتى بتيار لا يتبنى أطروحاتهم الغبية و ى تتأكد من هذا أسوق لك رد فعل العلمانيين فى تونس بعد إعلان فوز الإسلاميين بالأغلبية (لاحظ تطابق الحجج مع إخوانهم فى الضلالة فى مصر):
- الشعب جاهل بالرغم من أن أقل نسبة أمية فى العالم العربى موجودة فى تونس.
- التمويل السعودى وزادوا التركى والسودانى.
- المتاجرة بالدين و خداع الشعب مع العلم أن نسبة الأصوات التى حصل عليها النهضة خارج تونس 65% من أصوات المغتربين.
- جاهزية الإسلاميين وحدهم، كيف يكون جاهزاً المنفى والمسجون إلا إذا كان مؤيداً من السماء؟
- الإسلاميون قفزوا على الثورة، هل من عاش فى المعتقلات والمنفى يوصف بأنه محدث ثورة؟ مالكم كيف تحكمون؟
أرأيت إلى هؤلاء كيف أحرقوا كل براقع الحياء ومزقوا كل أوراق التوت ورضوا أن يسيروا أمام الناس بسوءات مكشوفة حسداً وغلاً، بل الذى لا يصدقه أحد أنهم يعتصمون الآن لإلغاء نتائج الانتخابات وتقول إحداهن: (واحد مهبول هو مش يحكمنى مش يكتب الدستور بتاعى دستور تونس اللى كتبه ناس عظام من 60 سنة).
طيب قولوا لنا إلى أى قانون تريدون الاحتكام؟ لم يبق إلا أن اقترح ما اقترحه أخى الدكتور محمد على يوسف الذى استفدت فى مقالي من مقاله عن ردة فعل العلمانيين فى تونس وقد جاء عنوان مقاله اقتراح ساخر: طب نعمل قرعة؟ اقتراح ساخر لكنه معجز فى تلخيص حقيقة المعركة.
خالد الشافعي
داعية مصري سلفي
- التصنيف: