"ولك بمثل"

منذ 2023-08-13

قال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِن عبْدٍ مُسْلِمٍ يَدعُو لأَخِيهِ بِظَهرِ الغَيْبِ إِلَّا قَالَ المَلكُ: ولَكَ بمِثْلٍ».

قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10]، وقال تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]، وقال تَعَالَى: إخْبَارًا عَن إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41]، وعَن أَبي الدَّردَاءِ رضي الله عنه أَنَّهُ سمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِن عبْدٍ مُسْلِمٍ يَدعُو لأَخِيهِ بِظَهرِ الغَيْبِ إِلَّا قَالَ المَلكُ: ولَكَ بمِثْلٍ»؛ (رواه مسلم).

 

المرادُ: أخوَّةُ الإسلامِ، لا أُخوَّةُ النَّسبِ، في غَيْبَةِ الأخِ المدْعوِّ له، وفي السِّرِّ، ودونَ أنْ يَعلَمَ به صاحبُه، وخَصَّ هذا النَّوعَ مِن الدُّعاءِ بالذِّكْرِ؛ لأنَّه أبْلَغُ في الإخلاصِ، وأدَلُّ على عُمقِ المحبَّةِ؛ لبُعدِه عن الرِّياءِ والأغراضِ المفسِدةِ، فإذا دَعا المسْلمُ لأخيهِ، قال المَلَكُ المُوكَّلُ به: «ولَك» أيُّها الدَّاعي، بِمِثْلِ ما دَعوْتَ به لأَخيكَ، وفي رِوايةٍ عندَ مُسْلمٍ: «قال الملَكُ الموكَّلُ به: آمينَ، ولكَ بمِثل»، فالملَكُ يُؤمِّنُ على الدُّعاءِ، ويَدْعو للدَّاعي بمِثلِ ما دَعا لأخيهِ؛ فالجزاء من جنس العمل.

 

وهذا أيضًا من الحثِّ على إحسانِ المُؤمنينَ بَعْضِهْم إلى بَعْضٍ، وفي الحديث: «وكونوا عبادَ الله إخوانًا».

 

والدعاء بظهر الغيب يدل دلالة واضحة على صدق الإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمِن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه» فإذا دعوت لأخيك بظهر الغيب بدون وصية منه كان هذا دليلًا على محبَّتك إياه، وأنك تحب له من الخير ما تحبه لنفسك.

 

كلنا يقول: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، وهذا دعاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم إذا قلتم ذلك، فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض».

 

قال ابن تيمية رحمه الله: أسرع الدعاء إجابة دعاء غائب لغائب.

 

ومن الدعاء المشهور: ((اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك... إلخ)) وقد أشكل على بعضهم قوله: ويذل فيه أهل معصيتك، ومن ذا الذي يسلم من جنس المعصية؟!


واللفظ المأثور في هذا الدعاء كما جاء عن طلق بن حبيب: ((اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا راشدًا تعز فيه وليَّك، وتُذِل فيه عدوَّك، ويُعمل فيه بطاعتك، ويُتناهى فيه عن سخطك)) [فينبغي الدعاء به، وبه يزول الإشكال]، د.عبدالرحمن البراك.

_________________________

مراجع المقال:

    • موقع الإمام ابن باز.


    • موقع الدرر السنية (الموسوعة الحديثية).


    • كتاب شرح صحيح مسلم، حسن أبو الأشبال.


    • شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين.

    ____________________________________________________________
    الكاتب: نورة سليمان عبدالله