صلوا عليه وسلموا تسليما

منذ 2023-09-01

الصلاة على المختار كنز عظيم من كنوز الخيراتِ، وباب واسعٌ من أبواب المبرّات، ومصدر هائل للأجور والحسنات، ولو علم المسلم ما جعل الله فيها من الخير والفضائل والثمرات ما فتر لسان عن مداومة الصلاة والسلام عليه

أمر الله لتعظيم نبيه وتعزيره وتوقيره، وإجلاله واحترامه وتقديره، أمر لا يخفى على مؤمن ومسلم، وكل من تصفح كلام الله وكتابه ووحيه أدرك ذلك وعلم كيف أن الله جل في علوه قد أثنى على رسوله ونبيه، وحبيبه ووليه، وصفيه ونجيه، وأجلَّه في كتابه، ووقره في خطابه، فما ناداه قط باسمه المجرد وإنما {يأيها النبي}، {يأيها الرسول}، وكيف أنه أقسم بحياته ـ ولم يقسم في كتابه بحياة بشر سواه ـ قال ابن عباس: ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، ولا رأيته أقسم بحياة أحد غيره. 

واشتق الله له من اسمه، وربط ذكره بذكره، فلا يكاد يذكر الله تعالى إلا ويذكر النبي معه.
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه  **  إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشــق له مــن إســمه ليجـــلــه  **  فذو العرش محمود وهذا محمــد

وإن من تمام التقدير وكمال التكريم والتوقير، هذا الأمر الذي بدأ الله فيه بنفسه وثنى بملائكة قدسه، وأمر به المؤمنين من خلقه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].


قال البخاري رحمه الله: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، وقال ابن عباس: (يصلون يبرِّكون) أي: يباركون. قال ابن كثير في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}[الأحزاب: 56]: المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عبادَه بمنزلة عبده ونبيه وحبيبه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمَر تعالى أهل العالم السفليّ بالصلاة عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين.

 

كنز الخيرات:
الصلاة على المختار كنز عظيم من كنوز الخيراتِ، وباب واسعٌ من أبواب المبرّات، ومصدر هائل للأجور والحسنات، ولو علم المسلم ما جعل الله فيها من الخير والفضائل والثمرات ما فتر لسان عن مداومة الصلاة والسلام عليه.. عليه الصلاة والسلام.


وإن من أعظم تلك الفضائل وأزكى تلك الثمرات، ما رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي «من صلّى عليّ واحدة صلى الله عليه عشرًا».
يا ألله.. تصلى على النبي مرة فيصلي عليك رب العزة عشر مرار، وتصلى على النبي مرة في الأرض فيصلى الله عليك عشر مرات في السموات العلى!!


وإذا أردت أن تصلّي عليك الملائكة فأدِم الصلاة على النبيّ، فقد صح عنه أنه قال: «ما من عبد يصلي عليّ إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي عليّ، فليقلّ العبد من ذلك أو يكثر».

 

درجات ومحو سيئات:
كثيرة هي سيئاتنا، ووفيرة هي خطيئاتنا والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب لمحو السيئات، وكسب الحسنات ورفع الدرجات؛ روى الإمام أحمد والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحُطّ عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات»(رواه أحمد والنسائي)، وفي رواية: «كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورُدّ عليه مثلها».
اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

تكفى همك ويغفر ذنبك:
الهموم والغموم سبب الشقاء في الدنيا، والمعاصي والذنوب سبب الشقاء في الآخرة، فمن أراد أن يزيل الله عنه هم الدنيا وشقاء الآخرة فليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. روى الإمام الترمذي والحاكم عن أبيّ رضي الله عنه أنه [قال للنبي: إني أكثِر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال:
«ما شئت»، قال: قلت: الربع؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير»، قال: قلت: الثلث؟ قال: «ما شئت، فما زدت فهو خير»، قال: قلت: النصف؟ قال: «ما شئت، فما زدت خير لك»، قال: قلت: الثلثين؟ قال: «ما شئت، فما زدت خير لك»، قال: قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذًا تكفى همّك ويغفر لك ذنبك».
اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

طريق الشفاعة:
يوم القيامة يوم عظيم الأحوال شديد الأهوال، كثير الفظائع تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، يشيب من هوله الولدان، يغضب فيه الله غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، يبحث فيه جميع الخلق عن أحد يشفع لهم عند خالقهم، وأعظم الناس شفاعة يومئذ المرسلون، وأعظمهم جميعا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول الله له
«يا محمد سل تعط واشفع تشفع» ..

فمن أراد أن يشفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم المهيب فليكثر من الصلاة والسلام عليه.. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً»(رواه الترمذي)، وصحّ عنه أنه قال: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة» (رواه مسلم).


فله لــواء الحمد غير مدافع  **  وله الشفاعة إذ يكون كليما
يا أيها الراجون منه شفاعـة  **  صلوا عليه وسلموا تسليمـا 


اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

شرف ورفعة:
شرف وأي شرف، ورفعة وأي رفعة أن يذكر اسم أحدنا عند رسول الله، وأن يسلم عليه وأن يرد عليه النبي السلام.. والصلاة على النبي سبب لعرض اسم المصلّي على النبيّ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«أكثروا من الصلاة عليّ، فإن الله وكّل لي ملكا عند قبري، فإذا صلى عليّ رجل من أمتي قال الملك: يا محمد، إن فلان ابن فلان صلى عليك الساعة»(صححه الألباني في الصحيحة)،

ومن اللطائف قول بعض أهل العلم أن هذا باب من أبواب البر بالوالد أن تكون سببا في أن يذكر اسمه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وصح عنه أنه قال: «إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام»(رواه أحمد والنسائي).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
«مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ»(رواه أحمد وأبو داود).
اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

كفارة المجلس:
كثيرة هي مجالسنا التي نلغو فيها، ونغتاب فيها ونقول ما لا ينبغي، وهي مجالس حسرات وتبعات يوم القيامة، ولا نجاة من هذا إلا بأن نذكر الله فيها ونصلى على نبيه؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام:
«ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله وصلاة على النبي إلا قاموا عن أنتن من جيفة»، وقال: «ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة ـأي: نقص وتبعة وحسرةـ، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم» وفي رواية: «ما قعد قوم مقعدًا لا يذكرون الله عز وجل ويصلون على النبي إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب».
اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

صيغ الصلاة:
قد ثبتت الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان صفة الصلاة عليه في الصحيحين وغيرهما، ومن ذلك حديث كعب بن عجرة أنه قال: [يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك.. فكيف نصلي عليك؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
«قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»(متفق عليه).

ومن ذلك حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»(رواه البخاري).

ومن ذلك قوله في حديث أبي مسعود الأنصاري لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم».


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» (قال البيهقي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح).

محاذير:
وكل صيغة وردت جاز أن يصلى بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اخترع بعض الناس صيغا فيها شرك ومخالفات شرعية فهذه لا يجوز الصلاة على النبي بها، وبعضهم اخترعوا صيغا استعملوها في أوقات مخصوصة ورتبوا عليها أجورا لم يدل عليها دليل، فإن جاز استعمالها مطلق الاستعمال فلا يجوز اعتقاد تخصيص وقت أو عدد أو ترتيب ثواب لم يرتبه الشارع.
وخير أمور الدين ما كان سنة .. وشر الأمور المحدثات البدائع.

 

مواطن وأزمنة:
والصلاة على رسول الله مستحبة في كل وقت من ليل أو نهار فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله:
«لاَ تَجعَلُوا قَبري عيدًا، وصَلُّوا عَلَيَّ، فَإنَّ صَلاَتَكُم تَبلُغُنِي حَيثُ كُنتُم»(صحيح أبو داود).

وقد ذكر العلماء مواضع يحسن بالمسلم ويستحب له فيها صلاته على رسول الله ـ وفي بعضها تجب ـ فمن ذلك ما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام فذكر من تلك المواطن: الصلاة عليه في آخر التشهد وكذا في التشهد الأول، وعند آخر القنوت، وفي صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية، وفي الخطب والعيدين والاستسقاء، وعند إجابة المؤذن، وعند الإقامة والدعاء، وعند دخول المسجد والخروج منه، وعلى الصفا والمروة، وعند الاجتماع في المجلس وقبل التفرق منه، وعند ذكره، وحال الوقوف عند قبره، وعند قيام الرجل من نوم الليل، ويوم الجمعة وليلتها، وعند الهمّ والشدائد وطلب المغفرة، وعند ـ سماع أوـ كتابة اسمه وإلقاء الدروس والتعليم والتذكير، وكل موطن يُجتمع فيه لذكر الله... إلى غير ذلك مما ذكره رحمه الله.

ومن أشهر المواطن التي أمرنا فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن نكثر الصلاة والسلام عليه فيها يوم الجمعة وليلتها: فعن أوس بن أوس قال: قال رسولُ الله: «إنَّ مِن أفضَلِ أيَّامِكُم الجُمُعَة، فَأكثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاة فيه، فَإنَّ صَلاَتَكُم مَعرُوضَةٌ عَلَي»، قال: قالوا: يا رسول الله، وكَيفَ تُعرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيكَ وَقد أرَمتَ؟! قال: يقولُ: بَلِيتَ ـ أي: صرت رميمًا ـ، قال: «إنَّ الله حَرَّمَ عَلَى الأرضِ أجسَادَ الأنبِيَاءِ»(أبو داود بإسناد صحيح).

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد ما أحاط به علمك، وخطه قلمك، وأحصاه كتابك.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد رمل الصحارى والقفار، وعدد ما أظلم عليه ليل أو طلع عليه نهار.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه صلاة دائمة حتى ترضى وحتى يرضى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.