الجندر خطر يهدد القيم الأخلاقية والفطرة السليمة

منذ 2023-09-20

هذه النظرية بمفهومها تبيح الشذوذ الجنسي والدعوة إلى الزنا وعدم الحياء منه وإخفاءه، بل فعله علنًا والتفاخُر فيه وإلغاء مصطلح العيب العرفي والحرام الشرعي باعتباره أحد الحقوق لكل إنسان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذكورة والأنوثة هي إرادة إلهيَّة تكوينية، وهي من مستلزمات الفطرة السليمة، وهي سنة من سُنن الله تعالى في الخلق والتكوين، فقد خَلَق الله سبحانه وتعالى الإنسانَ زوجين: ذَكَرًا وأُنثى.

 

والزوجية سُنَّة عامة مطردة، لا يشذُّ عنها عالم الإنسان، أو عالم الحيوان أو عالم النبات، قال سبحانه وتعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}  [الذاريات: 49]، وقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}  [يس: 36].

 

وهي الأسلوب الذي اختاره الله تعالى للتكاثُر واستمرار الحياة وعمارة الأرض تحقيقًا لعبادته وحده لا شريك له، بعد أن أعَدَّ كلا الزوجين وهيَّأهما للقيام بهذا الدور العظيم وهذه الغاية السامية، بحيث يقوم كل منهما بدور إيجابي في تحقيق هذه الغاية، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}  [الحجرات: 13]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}  [النساء: 1]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}  [النحل: 97].

 

فهذه الزوجية الرائعة تمتدُّ، وتعمُّ وتشمل الوجودَ المادي، والوظائفَ الفسيولوجية، والبيولوجية والفيزيائية للمخلوقات؛ وصولًا إلى أرْقى شكل من أشكال الوجود في هذا الكون الذي يتربَّع عليه الإنسان بمنظوماته القِيميَّة والاجتماعية والثقافية التي تلقَّاها من الخالق العظيم ربِّ العالمين سبحانه وتعالى.

 

فدِينُ الله تعالى الإسلام قد أقَرَّ بالفروق بين الذكر والأنثى من حيث الخلقة والطبيعة، يترتب على هذا اختلاف في الأدوار المجتمعية التي تتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة، فهناك أدوار خاصة بالرجل لا تستطيع المرأة القيام بها؛ لأنها تتنافى مع طبيعتها، وهناك أدوار خاصة بالمرأة لا يستطيع الرجل القيام بها، وهناك أدوار مشتركة يمكن للمرأة أن تقوم بها كما يقوم بها الرجل، وقد أبان القرآن عن تلك الفروق الأصيلة في أصل الخلقة، كما في قوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}  [آل عمران: 36].

 

وقد ورد النهي في صحيح البخاري عن رسول الله صلى عليه الصلاة والسلام عن التشبُّه بين الجنسين، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ، والمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَالِ» ، وفي رواية: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المُخنَّثين من الرجال، والمترجِّلات من النساء» ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه في سنن أبي داود قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبسُ لبسةَ المرأة، والمرأة تلبسُ لبسةَ الرجل».

 

مفهوم الجندر:

ومفهوم (الجندر) الذي يروِّج له دُعاة الرذيلة ويقصدون به النوع الاجتماعي، هو عبارة عن إلغاء تلك الفروق؛ وتخرجهما عن أصل الخلقة والفطرة؛ أي: إن الذكورة والأنوثة عبارة عن نوع واحد، بمعنى أن الإنسان يُولَد كإنسان فقط، والفرق بينهما فقط في الدور الاجتماعي وليس البيولوجي أصل الخلقة، فيمكن للذكر أن يكون أنثى وبالعكس، أو يكون أحيانًا جنسًا ثالثًا، وهو ما يسمُّونه بالمثلية وهو الشذوذ الجنسي، قال تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}  [الروم: 30].

 

والجندر: مصطلح غربي حادث، لم يُعرَّف حتى الآن تعريفًا دقيقًا وحاسمًا، وهو على خلاف الأعراف البحثية والعلمية، التي تَعارَف العلماء على وضع التعريفات والبناء عليها، وسبب عدم وضع تعريف واضح لهذا المصطلح لما يحمل في داخله من مضامين خطيرة، وقد رفضت الأمم المتحدة أن تعطي له تعريفًا محددًا؛ لأن مضامينه خطرة إذا عُرفت وكُشفت فسترفضه المجتمعات المتحضرة، وحتى يبقى مصطلحًا مراوغًا وفضفاضًا، يُخفي الأهداف الخبيثة الحقيقية من ورائه.

 

فالمصطلح يشير لجنس ثالث ليس بالذكر وليس بالأنثى، وإنما هو جنس ثالث تحدده الأعراف الاجتماعية، والاختيارات الإنسانية، وليس هناك اعتبار لأعضائه الجنسية! ويسعون إلى إلغاء دور الأمومة للمرأة والسماح بحرية الشواذ نساءً ورجالًا، فتصبح كلمة (الجندر) بدلًا من الرجل والمرأة، وكلمة الشريك بدلًا من الزوج، وكلمة الشراكة أو الاقتران بدلًا من الزواج والأسرة،وهذا والله أعلم سبب إبقاء هذا الكلمة بدون تعريف.

 

تاريخ ظهور مصطلح الجندر:

وأول ما ظهر في حقل الدراسات الاجتماعية على يد الباحثة الإنجليزية (آن أوكلي) التي ألفت كتابًا سنة 1972م اسمه (الجنس والنوع والمجتمع)، حيث أعطت من خلاله المعنى الحرفي للجندر، وأول ذكر لمصطلح الجندر كان في مؤتمر السكان في القاهرة عام 1994م، حيث تكرر مصطلح الجندر لأول مرة (51) مرة، ثم بعد عام أقيم المؤتمر الرابع العالمي للسكان في بكين عام 1995م، الذي تكرر فيه هذا اللفظ (254) مرة، حيث خرج هذا المؤتمر بوثيقة ميثاق بكين (معاهدة سيداو)، وهذا المصطلح حين ذكر لأول مرة اعترضت عليه الوفود المشاركة سواء الوفود الإسلامية أو غير الإسلامية، فذكر أنه مصطلح يراد به الجنس، فتمت المطالبة بتغيير هذا المصطلح إلى المصطلح المتفق عليه وهو الجنس، فتم رفض الطلب من اللجنة المنظمة، ثم تبين بعد ذلك أن لفظ الجندر يُراد به أمر آخر يخالف الفطرة البشرية السليمة، قبل أن يكون فيه مخالفة للشريعة الإسلامية.

 

وقد عرفته مؤخرًا منظمة الصحة العالمية بأنه: (المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة على أنها صفات اجتماعية مركبة، أي: لا علاقة لها بالاختلافات العضوية والتركيب البيولوجي).

 

فتعتمد النظرية الجندرية النوع الاجتماعي لا الجنس البشري وعدم النظر إلى الرجل والمرأة من الناحية البيولوجية التي خلق الله النوعين عليها ذكرًا وأنثى، وأن الفروق الطبيعية بين الجنسين هي فروق مصطنعة غير حقيقية! ولذلك يستخدمون عبارة النوع الاجتماعي ولا يلتفتون إلى الجنس ذكرًا أو أنثى.

 

وكذلك تعتمد هذه النظرية الخبيثة على نشر المساواة التامة بين الرجل والمرأة بحجة أن الجميع هم جندر، وطالبوا بالمساواة حتى في الألفاظ ما بين الذكر والأنثى، وقاموا بإصدار نسخة منقحة للعهد الجديد من الكتاب المقدس، قاموا بإلغاء ضمائر التذكير والتأنيث فيه، كما أقاموا مؤتمرًا في اليمن في عام (1997م) بعنوان: جندرة اللغة.

 

إذًا فمصطلح الجندر في نظر دعاته، وهو تحرير المرأة من كل القيود التي فرضها المجتمع عليها! وهذه الدعوة لا تنطق بالمساواة بين الرجل والمرأة فقط، بل تصل لحد التماثل الحقيقي، وهذا ما يخالف الفطرة السوية التي خلق الله تعالى الإنسان عليها.

 

وهذه النظرية بمفهومها تبيح الشذوذ الجنسي والدعوة إلى الزنا وعدم الحياء منه وإخفاءه، بل فعله علنًا والتفاخُر فيه وإلغاء مصطلح العيب العرفي والحرام الشرعي باعتباره أحد الحقوق لكل إنسان، خاصة المرأة كما يدعون، وأن جسدَها ملكٌ لها تفعل به ما تشاء !ولهذا كانت الدعوة إلى تعليم الممارسة الجنسية في المدارس بمختلف أنواعها الطبيعية والشاذة؛ لذلك هم يحاربون القيم الاجتماعية؛ كالعفة والشرف التي تحفظ للمجتمعات تماسُكها، وعلى الإنسان ألَّا يكون حبيسًا لاختيار الله تعالى له من تحديد الجنس ذكرًا أو أنثى، بل التحرُّر من القيود الشرعية والأعراف الاجتماعية السليمة.

 

وقد حرَّم الإسلام تلك الرذائل، وعدَّها من أكبر الكبائر، ونهى المسلمين عن إتيانها، فقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}  [الإسراء: 32]، وقال سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}  [الأنعام: 151].

 

 

خطورة ثقافة الجندر:

إن خطورة ثقافة (الجندر) تكمن في ترويجها من قبل دعاتها تحت دعاوى خدَّاعة وبرَّاقة وتلاعب في الألفاظ، تجعل بعضهم ينخدع بها، تحت دعاوى حقوق الإنسان وحقوق المرأة، والمساواة بين الجنسين، وتمكين الشباب! ولهذا نحتاج إلى حملة توعوية ودعوية من النخب الشرعية والعلمية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني للتحذير من هذا الخطر الكبير، وبيان الأمور على حقيقتها، ليسهل على الناس الحكم عليها، بوازعهم الديني والعرفي والأخلاقي، وفطرتهم السليمة.

 

الحكم الشرعي للجندر:

ومما تقدَّم يتبين أن الحكم الشرعي لنظرية الجندر هو التحريم، ويأثم كلُّ مَن يُروّجُ لهذا المصطلح الخبيث، ويجب على الحكومات تشريع القوانين التي تحد من انتشار هذا الفكر المنحرف، وكذلك يجب على الهيئات والمجالس العلمية والشرعية ومنظمات المجتمع المدني توعية الناس وبيان خطر هذه المصطلح الغربي.

 

فالشريعة الإسلامية جاءت تؤكد على رفع الظلم عن المرأة التي كان يمارس عليها قبل الإسلام أو من قبل المجتمعات الجاهلة والمتخلفة، وبتكريمها أفضل تكريم، ودعاة الجندر يريدون منها أن تعود من جديد إلى مجرد سلعة لهواهم وإشباع رغباتهم الجنسية فقط، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}  [النساء: 27]، والله تعالى أعلم.