رحمة النبي الكريم ﷺ بالخلق أجمعين

منذ 2023-09-30

وهنا يقفز سؤال.. وإلى أين ستذهب هذه الرحمة؟  ومن ذا الذي سيسعد بها؟  وهنا يأتي الجواب من الخالق العظيم سبحانه وتعالى، جواب يقول..............ز

 عناصرُ الموضوع: 
=============

 أولًا: حصر الرسالة المحمدية في كونها رحمة. 

 ثانيًا: انتفاع الخلائق أجمعين برحمة النبي

 ثالثًا: الواجب العملي. 

                                المـــوضــــــــــوع: 
                            =============
ورد في الصحيح من حديث عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: « لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) طِيبَ نَفْسٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ"، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ..  فقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "أَيَسُرُّكِ دُعَائِي"؟ فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ، فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كل صلاة"»

أيها الإخوة الكرام: في سورة الأنبياء ورد الحديث بشيء من التفصيل عن عدد كبير من الأنبياء والرسل عليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم السلام..  
ورد الحديث عن موسى وعن هارون وعن إبراهيم ولوطاً ونوحاً وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذا الكفل ويونس وزكريا وعيسى بن مريم وخُتم حديثُ القرآن الكريم عن الأنبياء في سورة الأنبياء بقول الله تعالى {﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ ﴾} والمخاطب في الآية هو النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم 

{﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا ﴾} هذا الأسلوب في لغة العرب يسمى أسلوب حصر وقصر..  تبدأ العبارة بنفي ثم يتبع النفى استثناء {﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا ﴾} ومثالها في القرآن الكريم كثير ومنها قول الله تعالى { ﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦ ۗ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾} ومنها قوله عز من قائل {﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ ﴾}

وبناء على ذلك فالآية التي معنا {﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ ﴾} حصرت وقصرت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم في أنها ( رحمة)   {﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً ﴾}

وهنا يقفز سؤال.. وإلى أين ستذهب هذه الرحمة؟  ومن ذا الذي سيسعد بها؟ 
وهنا يأتي الجواب من الخالق العظيم سبحانه وتعالى، جواب يقول {﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ ﴾}

وما المقصود ب ( العالمين)؟ 
العالمين هم جميع (العوالم) جميع (الخلائق) من إنس، ومن جن، ومن نبات، ومن طير، ومن الهوام، ومن الأنعام، العاقل منهم وغير العاقل ... 

فكما استهدف الجميع برسالته، وكما شهدوا برسالته واستسلموا لدعوته، جعل الله تعالى للجميع نصيبا من رأفته ورحمته صلى الله عليه وسلّم.. 

أما المؤمنون: في زمانه وبعد وفاته وإلى قيام الساعة فقد جمعوا من رحماته النصيب الأوفر.. 

فهو سبب هداية المؤمنين، وثبات المتقين، وما من حسنة نعملها، وما من خير نفعله، وما من معروف نبذله، وما من خصلة من خصال الخير نأتي بها إلا ويرجع الفضل الأول فيها بعد الله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلّم.. 

من دلائل رحمته بنا أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «« أَعْتَمَ لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ الصَّلَاةَ يا رسول الله !! ..  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ( راوي هذا الأثر) فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الْآنَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا» »

ومن دلائل رأفته بنا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «« أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» »

ومن دلائل حبه ﷺ لأمته : أنه عاش حياة الزهد والكفاف الليالي ذوات العدد، رغم أن الله تعالى جعل له دعوة مستجابة حاله كحال جميع الأنبياء والرسل، إلا أن كل نبي تعجل فدعا بدعوته فدعا بها لنفسه أو دعا بها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها..
 إلا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلّم فقد خبأ دعوته عند ربه قال: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا»

أما الكافرون الذين عاصروه: فأصابهم أيضا الشيء الكبير من رحمته صلى الله عليه وسلّم 

قالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يا رسول الله : هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ 
فقَالَ عليه الصلاة والسلام : «( لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ.. قال: فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ ، فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ..  قال: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ؛ فَمَا شِئْتَ ؛ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )» .

ولما تكرر الأذى من ثقيف يوم حنين، الصحابة قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ. فقَالَ ﷺ « اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا »
 
ولمَّا أُصيبَ ﷺ في (أُحدٍ) قال له بعض الصحابة يا رسول الله ادعُ عليهم كما دعا نوح على قومه وكما دعا موسى فقالً: «" إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَّانًا وَلَا لَعَّانًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي دَاعِيَةً وَرَحْمَةً، اللهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" »

حتى المخلوقات في (العالم الآخر)  في عالم الجن قد كان لهم نصيب أيضا من رحمة النبي عليه الصلاة والسلام ثبت أنه التقى بهم في مكة وفي المدينة، وتلكم معهم في مكة وفي المدينة، ودعاهم إلى الإسلام، وقرأ عليهم القرآن قال الله تعالى في شأن المؤمنين منهم {﴿ وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا۟ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾}
قال الزبير بن العوام : هم الجن حين استمعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم كادوا يركب بعضهم بعضا ازدحاما عليه.. 

دائرة رحمة النبي ﷺ  بعدما أصابت الناس ( المؤمن منهم وغير المؤمن) اتسعت دائرة الرحمة واتسعت أكثر وأكثر حتى شملت ( العجماوات) أعزكم الله، وشملت (ما دونها).. 

أخرج أبو داود أن النبيَّ ﷺ دخلَ بستانا لرجلٍ مِن الأنصارِ، فإذا في البستان (جملٌ) فلمَّا رأَى (الجمل) النبيَّ ﷺ حنَّ وذرفتْ عيناهُ، فأتاهُ النبي ﷺ فمسحَ ظفراهُ (الجزء الي يعرق بين أذني البعير) فسكتَ، فقالَ ﷺ: “مَن ربُّ هذا الجملِ؟ لِمَن هذا الجملُ؟” 
فجاءَ فتًى مِن الأنصارِ فقالَ: لي يا رسولَ اللهِ، فقالَ لهُ: ” أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟! فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ ‏‏ وَتُدْئِبُهُ ” 

وعن ابن مسعودٍ قالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ، فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا، قال: وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟! قُلْنَا نَحْنُ حَرَّقْنَاهَا يا رسول الله فقَالَ ﷺ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ» .. 

الكل له حظٌ، الكل له نصيبٌ من رحمة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم، حتى ( الشيطان الرجيم)، كان له حظٌ ونصيبٌ من رحمة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم لكن الله تعالى انتزع من قلب (رسوله) ﷺ حظ الشيطان الرجيم ونصيبه.. 

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ( في بادية بني سعد) فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ لَأَمَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ (حليمة السعدية التي أرضعته) فَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ ﷺ» "

في سياق سورة النساء شكَّكَ ( المنافقون) في رحمة النبي ﷺ وشكَّكُوا في الخير الذي يُصيبُ الناس ببركته ﷺ وقد سجل القرآن الكريم سوء ظنهم برسول الله في هذه الآية: 
{﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا۟ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا۟ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِكَ ۚ ﴾ }
قالوها أذية لرسول الله وتمردا عليه وكفرا به {﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا۟ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا۟ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾}  
ثم وجه الله الخطاب إلى كل من آذى رسول الله وتمرد عليه وكفر به ﷺ {﴿ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ ﴾ }  

ثم التفتت الآية فخاطبت رسول الله وحددت مهمته التي بُعث لأجلها فقالت ﴿ وَأَرْسَلْنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا ﴾ والمعنى أن الله تعالى أرسلك هداية ونورا ورحمة { ﴿ وَأَرْسَلْنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا ﴾}  

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفتح لنا جميعا أبواب رحمته، وأن يرزقنا جميعا خشيته ومحبته إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.. 

الخطبة الثانية 
بقى لنا في ختام الحديث وقد سمعنا من مظاهر رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورأفته الشيء الكثير، بقى لنا أن نقول: وماذا يراد منا؟ 
والجواب: يراد منا الكثير.. 
يراد منا أن نحول ما نسمع وما نعلم وما نتربى عليه من سنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى واقع عملي وإلى منهج حياة.. 
في بيوتنا، في مساجدنا، في مواضع العمل، وبين الأهل والأصحاب والجيران ( نرحم الصغير، نوقر الكبير، نعلم الجاهل، نساعد الضعيف،  نغيث اللهفان، نقضي حوائج الناس) 

يراد منا كذلك أن نُحدث (توازنا) في تصرفاتنا ونحن نتحدث عن رحمة ورأفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نؤكد على أن الحياة كلها لا تستقيم بالرحمة وحدها ففي بعض الأوقات الرحمة لا تؤتي ثمارا، أحيانا نحن بحاجة إلى شيء من الحزم ففي بعض الأوقات يكون الحزم هو أداة الإصلاح.. 

وقديما قال المتنبي ( ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى). 

في بعض المواضع يكون وقتها وقت( الشدة) وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام،  قَالَتْ عَائِشَةُ “ «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، قالت:  إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» “

كان رسول الله رحيما..  لكنه لم يكن يجامل أحدا على حساب أحد 
، كان سهلا لكن من غير أن يفرط في حق من حقوق العباد، كان لينا لكن لا يقبل شفاعة في حد من حدود الله تعالى.. 

«عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ..  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» »
( ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى). 
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يملأ قلوبنا رحمة ورأفة إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 

-----------------------------------------------------------------------------------
✍جمعها، وأعدها، وراجعها بقدر المستطاع، وكتبها : خادم الدعوة
الشيخ /محمد سيد حسين عبد الواحد. 
الإلقاء بإذن الله : 14 ربيع الأول 1445هـ - 29 سبتمبر 2023م
 

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.