خطابنا الدعوي وتحكيم الشريعة.. من الإجمال إلى الوضوح

منذ 2011-11-21
خطابنا الدعوي وتحكيم الشريعة.. من الإجمال إلى الوضوح
18/12/32
محمد بن عبد المحيي الصليمي
البيان


إن من أبلغِ سبل تحقيق المقاصد الدعويّة أهميّةً هو إدراك قدر ما توجبه الدعوة إليها من مهمات متغيرة إما بتغير هذه المقاصد، أو الواقع الذي يُسعى فيه لنيلها، أو تغير مستوى الأولويّة والأهميّة، وإما أن يكون هذا الإدراك فرعٌ عن مقارنة سير طريق الدعوة بسير طريق خصومها وأساليبهم.

وإذا جئنا إلى أولى أولويات المشروع الإسلامي في وقتنا الحاضر -والتي أناط الدعوة إليها إلى جناحه الدعوي عبر منافذه المتعددة من قنوات ودوريات وصحف وغيرها- وجدنا أنها المطالبة بمرجعيّة الشرعيّة، اغتنامًا لفرصة "الإمكانيّة" التي لم تكن قبل ذلك، وبناءً على كونها أولويّة عليا فلا مندوحة عن مراجعة طريقة عرضها والدعوة إليها حرصًا على بلوغ أجود المسالك لتحقيقها.

كما أنا نجد الدعوة إلى تحكيم الشريعة مهمة "شريفة" إضافة إلى كونها واجب متعيّن على أهل البيان، وعليه فإن مبرر الشعور بالضعف أمام المد الإقصائي يتلاشى حينَ استشعار جلالة هذه المهمة، كيفَ ورسولنا الحبيب صدع بالتوحيد في جو سيادة الشرك وسطوة الكفر فما زاده إلى حرصًا ويقينًا، والتوحيد من أهم مقتضياته توحيده -تعالى- في أمره ونهيه: {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54]. إن الراصد للطريقة التي تسلك للدعوة إلى هذا الواجب الكبير ليجد أن من واجب الاشتراك في الهم الواحد أن يشير إلى مواضع ضعفها لتُتدارك، ورأيي أن من أهم هذه المواضع ما يمكن وسمه بــ (الإكثار من تكرار المبدأ على حساب إسقاطه على جزئيات الواقع).

إن حقيقةَ كونِ الشريعة تستطيع الإجابة عن كل ما تحتاجه البشريّة هي "المسلك الغالب" في الدعوة إلى تحكيمها عند رجال خطابنا الدعوي، وهي لا شك حقيقة ثابتة، ومستند قاطع، ومبدأ مقنع، غيرَ أنّا -من جهة الواقع- نجد أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة عبر تفعيل هذا المبدأ بالإجابة الصريحة والواضحة وهذه الأسئلة هناك فعلًا من أجاب عليها من أهل الدعوة والعلم، فلماذا لا نبرز هذه الإجابات، ونكثر من الحديث عنها على الأقل بقدر يوازي قولنا بأن الشريعة تستطيع الإجابة على كل ما تحتاجه البشريّة؟

ما أريد إيصاله بوضوح أن أهل العلم والدعوة عندما ينكرون الدعوة إلى الديمقراطية مثلًا فلأنهم يدركون بوضوح "حقيقة الحكم الإسلامي واكتفائه بذاته عن أي دخيل"، غير أن الخطاب الغالب يقول في معرض إنكاره على الديمقراطية لا نحتاجها لأن الشريعة تستطيع الإجابة على قضايا الحكم والرئاسة، ما هي الإجابة بوضوح؟ هل عرضنا لها مع كوننا نملكها كمستوى عرضنا للحقيقة التي يعرفها الناس أصلًا أن الشريعة تستطيع الإجابة على كل الأسئلة؟

إن المتغرب الإقصائي لا يفتأ يبرِز تفاصيل مضامينه في كل وسيلة يملكها ولا يكتفي بالقول أن العلمانية تستطيع الإجابة على كل الأسئلة لأنه يريد زيادة مساحة الإقناع بهذا المبدأ الذي يدعو إليه عبر إسقاطه على أهم ما يَشغل الساحة من أسئلة، ومع هذا بفضل الله تتسع مساحة فشله، لأن محاولات تبريره لمبدئه هذا أثبتت عكس ما يريد، فكيفَ ونحن نملك المبدأ الصحيح ونملك الإجابة التامة على الإشكالات التي تشغل ميادين الواقع؟ أليس من الأولى أن نرفع مستوى وعينا بها أولًا ثم نطرح الإجابات الواضحة والمسكِتة التي تقطع الطريق على كل محاولة للوصول إلى الطعن في صلاحيّة الشريعة ومرونتها.

كما أن تناولنا لما قررته الشريعة بشمول في الطرح يقضي على ما يحول دون وصول الشريعة إلى مستوى التحكيم الذي نريد، إذ أن التنوير بأحكام الشريعة في كل القضايا التي تؤرق الناس اليوم وتشغل كثيرًا منهم يزيد من درجة يقينهم بدينهم فتكون الفرصة أقرب نوالاً.

إن الواقع يؤكد لنا أن مجموعة كبيرة من المسلمين يأملون أن يعود زمام الأمر والنهي إلى ما يقرره دينهم، كل ذلك بعاطفة صادقة تؤمن بصلاحيّة دينها وشموله، فإذا ما وجدوا إجابات واضحة لمشكلات يهمهم معرفتها بادر أهل الغي والتبعيّة إلى زعزعة هذه العاطفة بتزويق حلولهم لتلك المشكلات ما لم يكن لأهل الحق يد في تقديم الحلول المتوافقة مع تلك العواطف الصادقة.