ترك الغضب مطلقا: سبب لطرد الشيطان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يقول أحدهم: أعوذ بالله من الشيطان ذهب غضبه»، أو «سكن غضبه»
فإن الغضب من الشيطان، قال الإمام أحمد: برقم (17985): حدثنا إبراهيم بن خالد، قال: حدثنا أبو وائل ـ صنعاني مرادي ـ قال: كنا جلوسًا عند عروة بن محمد قال: إذ أُدخل عليه رجل، فكلمه بكلام أغضبه، قال: فلما أن غضب قام، ثم عاد إلينا وقد توضأ، فقال: حدثني أبي، عن عطية ـ وقد كانت له صحبة ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ»، (ورواه أبو داود برقم (4703)[1].
وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فأحدهما احمرَّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد» ، فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعوَّذْ بالله من الشيطان،» فقال: وهل بي جنون؛ (رواه البخاري برقم (3282)، ومسلم (2610)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله؛ سكن غضبه» ؛ (رواه ابن عدي في "الكامل" (5/ 256)) [2].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يقول أحدهم: أعوذ بالله من الشيطان ذهب غضبه»، أو «سكن غضبه»؛ (رواه الطبراني في "الأوسط" برقم (7022)) [3].
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ذهب غضبه وسكن غضبه:
قال العلامة ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/ 299): والمعنى الذي أُمرنا بالوضوء لأجله منها، هو اكتسابها من القوة النارية، وهي مادة الشيطان التي خُلق منها، والنار تُطفأ بالماء، وهذا المعنى موجود فيها، وقد ظهر اعتبار نظيره في الأمر بالوضوء من الغضب؛ اهـ.
وقال في "الجواب الكافي" ـ الداء والدواء ـ (ص102) ـ وهو يذكر تَعليم الشيطان الأكبر لجُنده وأعوانه طُرق إغواء بني آدم ـ: واعلموا أن منهم من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب، وسلطان غضبه ضعيف مقهور، فخذوا عليه طريق الشهوة، ودَعُوا طريق الغضب.
ومنهم من يكون سلطان الغضب عليه أغلب، فلا تخلوا طريق الشهوة قلبه، ولا تُعطِّلوا ثغرها، فإن لم يملك نفسه عند الغضب، فإنه الحري ألا يملك نفسه عند الشهوة، فزوِّجوا بين غضبه وشهوته، وامزجوا أحدهما بالآخر، وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب، وإلى الغضب من طريق الشهوة.
واعلموا أنه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين، وإنما أخرجتُ أبويهم من الجنة بالشهوة، وإنما ألقيتُ العداوة بين أولادهم بالغضب، فبه قطعتُ أرحامهم، وسفكتُ دماءهم، وبه قتَل أحد ابني آدم أخاه.
واعلموا أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، والشهوة تثور من قلبه، وإنما تُطْفَأ النار بالماء، والصلاة والذكر والتكبير، فإيَّاكم أن تمكِّنوا ابن آدم عند غضبه وشهوته من قُربان الوضوء والصلاة، فإن ذلك يُطفئ عنهم نار الغضب والشهوة، وقد أمرهم نبيهم بذلك، فقال: «إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بذلك فليتوضأ».
وقال لهم: «إنما تُطفأ النار بالماء».
وقد أوصاهم الله أن يستعينوا عليكم بالصبر والصلاة، فَحُولُوا بينهم وبين ذلك، وأنسوهم إياه، واستعينوا عليهم بالشهوة والغضب، وأبلغ أسلحتكم فيهم وأَنْكاها: الغفلة واتباع الهوى.
وأعظم أسلحتهم فيكم، وأمنع حصونهم ذكر الله ومخالفة الهوى، فإذا رأيتم الرجل مخالفًا لهواه فاهربوا من ظِله ولا تدنوا منه.
والمقصود أن الذنوب والمعاصي سلاح ومدد، يمد بها العبد أعداءه ويعينهم بها على نفسه، فيقاتلون بسلاحه، ويكون معهم على نفسه، وهذا غاية الجهل.
ما يبلغ الأعداء من جاهل ** ما يبلغ الجاهل من نفسه
اهـ.
[1] حسنٌ بشواهده: ومنها ما بعده من الأحاديث؛ راجع: "تحقيق المسند" (29/ 506).
[2] صحيحٌ: راجع: "الصحيحة" برقم (1376).
[3] صحيحٌ: راجع: "صحيح الجامع" برقم (695).
____________________________________________________
الكاتب: فواز بن علي بن عباس السليماني
- التصنيف: