الثورات العربية .. ومعادلة النجاح والفشل

منذ 2011-11-26


إن إجماع المحللين السياسيين يقول بأن الثورات العربية كانت مفاجئة لدول العالم الكبرى، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بناء على استقراء أبحاث مختلف مراكز الدراسات الأمريكية، ومن أبرزها تقرير مجلس الأمن القومي الذي ذكر أن النظام المصري السابق صلب و لا يمكن إزالته.

وإجماع تلك التقارير والأبحاث على أنه لا يمكن الحصول على نظرية سياسية واحدة تفسر ما يحصل في العالم العربي.

ويقول تقرير صادر عن مركز دراسات الشرق الأوسط إنه يمكن تقسيم الدول العربية المتأثرة بالأحداث الثورية الحاصلة إلى ثلاثة مجموعات وهي دول الثورات السلمية (تونس ومصر)، والثانية دول الثورات غير السلمية (ليبيا واليمن وسوريا)، والثالثة دول الإصلاح الذاتي (الأردن والمغرب ودول مجلس التعاون الخليجي)، وهي الدول التي تجاوبت مع الرؤية الأمريكية، واستخدمت الفكر الاستباقي في التعامل مع الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح والتغيير.

وبحسب التقرير فإن الأسباب التي تمهد لإشعال مثل هذه الثورات هي الجوع والفقر والظلم والفساد، بالإضافة إلى أن تلك الثورات تحتاج إلى قواعد جماهيرية يمكن أن تحركها وتؤمن بأفكار تلك الثورات، ومستعدة للتضحية في سبيل غاياتها.

ومن أهم عناصر نجاح أي ثورة أيضا، قبول الجماهير لمبادئ تلك الثورة واستعدادها للدفاع عنها، ورفض حلول المماطلة والترويض، وكذلك حصول تدخل خارجي لصالح الثورة، وتحييد الجيش الوطني وكسبه إلى صف الشعب، وبحسب التقرير فإن عدم توفر تلك العوامل يقلص من فرص نجاح الثورة.

رؤية دولية:
إن التعامل مع الثورات العربية دولياً كان بشكل يتناغم مع مصالح المجتمع الدولي، ففي الوقت الذي تفاجأ فيه الأمريكيون من الثورة، تعاملوا معها لاحقاً بمنطق براغماتي لتجنب المصادمة مع الشعوب، وقدمت الدعم لبعضها مثلما حصل في ليبيا لأن إسقاط النظام الليبي كان من صالح الولايات المتحدة بالإضافة إلى أن النفط الليبي كان له دافع قوي لدول أوروبا التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة.

وكما كانت السياسة الأمريكية تبدو متناقضة فإنها ستبقى كذلك، لأن التناقض ليس عاملاً متغيراً فيها، بل هو ثابت، وهو سمة أساسية في الإستراتيجية الأمريكية، كما ستظل الأهداف الأمريكية كما هي: حفظ مصالحها ودعم إسرائيل ومحاربة الإرهاب، مع أن الذرائع المستخدمة لم تعد كافية حالياً لتغطية السلوك الأمريكي.

أما الموقف الأوروبي فهو مرتبط بالموقف والرؤى الأمريكية، إلا أنه متأنٍ بعض الشيء، فكما يتردد فإن السياسة الخارجية الأوروبية هي السياسة الخارجية الأمريكية بعد نصف ساعة.

وفيما يتعلق بالرؤى الإقليمية أشار التقرير أيضاً إلى التفاعل العربي مع تلك الثورات، وذكر أنه كان شبه معدوم لأن اللاعبين الأبرز في المنطقة هم إيران و تركيا و إسرائيل.

فالموقف الإيراني حذر ومتأنٍ، حيث يمكن ملاحظة أول تعليق لها على الثورات العربية بعد فترة طويلة نسبياً من قيامها، وفي الوقت ذاته كان الموقف الإيراني متناقضا ما بين القيم والمصالح، فإيران مع الثورات العربية عموماً إلا في سوريا، كما تنظر بعض القيادات الإيرانية إلى ما يجري في العالم العربي على أنه امتداد لثورة الخميني.

أما تركيا فهي تناور مع جميع الأطراف وتعلم أنه ما من مكان لها في الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت ذاته تأمل بأن يكون لها دور كبير في الشرق الأوسط وفي المحيط العربي.

بينما تمر إسرائيل بوضع حرج، وربما كان من أسوأ ما مرت به، لأن أهم عامل في وجود إسرائيل هو استمرار وجود الأنظمة العربية الحريصة على سلامتها، ويزيد موقفها حرجاً التحركات الأخيرة لإعلان الدولة الفلسطينية.

ويشير التقرير أيضاً إلى التحديات أمام الثورات العربية وأبرزها، أن الشعوب العربية تتفاعل مع الثورات تفاعلاً عاطفياً أكثر منه تعاملاً عقلانياً، وهذا يشكل تحدياً مبكراً أمام الثورات العربية على المستويين الفكري والشعبي، ومع هذا لا يمكن إنكار الحقيقة الطاغية بأن معظم الأنظمة العربية الحالية تبدو مفزوعة أمام الهيجان الشعبي العربي الحالي، رغم أن كثيراً من الدول استطاعت أن تحتوي الزخم الشعبي مؤقتاً، وكذلك تفتت المطالب الثورية وتشعبها بعد أن كانت المطالب محددة وواضحة في البدايات، إضافة إلى انفصال قوى سياسية عن قيادات الثورات.

وبرز أيضا تحدي أساسي وهو مطالب الأقليات التي باتت تتحرك بشكل مبالغ فيه في مختلف الدول كي تحقق مكاسب خاصة بها، ولا يمثل ذلك تحدياً للثورات فقط بل هو للأنظمة أيضاً.

وحذر التقرير أيضاً من التدخل الخارجي في تلك الثورات، وقال إنه ثمة قوى تطالب بالتدخل الخارجي، وكأن تجربة العراق الكارثية، ودول أخرى كالسودان ولبنان، لم تكفِ للعبرة، وهنا لم يستبعد المشاركون إمكانية اختراق الثورات العربية.

ويكمن التحدي الأخير في إمكانية القبول بحركات إسلامية في الحكم، حيث تساءل المشاركون عن إمكانية قبول دخول هذه الحركات ضمن عملية الإصلاح وإمكانية حضورها في السلطة في مرحلة ما بعد الإصلاح.

وحاول التقرير تصنيف القوى السياسية في العالم العربي أثناء مرحلة تشكيل الثورات، وذكر أن الدول العربية اليوم تشهد تشكّل حالة من الفسيفسائية والسيولة الحزبية، وسيتضح شكلها بعد أول انتخابات برلمانية، حيث أشار المشاركون إلى أن قوى حزبية متعددة ستضطر للدخول في تحالفات كي تضمن حضورا سياسيا، مؤكدين أن القوى الحزبية الكبرى والراسخة ستكون هي المستفيدة من هذه الحالة، لأن القوى الصغرى ستلغي بعضها، بيد أن الانتخابات القادمة ستشكل اختباراً جديداً وتحدياً حاسما للقوى الكبرى أيضاً، لأن صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية هي التي ستحدد حضورها وحظوظها في المشهد السياسي.

في حين رأى معدو التقرير أن العاملين الأساسيين اللذين سيلعبان في المرحلة القادمة هما قدرة القوى السياسية على التناغم مع تطلعات الشارع ومزاجه، وقدرة هذه القوى والأحزاب على تجديد بُناها وخطابها لتنسجم مع تصورات المرحلة الحالية كالحرية والديمقراطية والشفافية.

وبالنسبة للتيارات السياسية الموجودة في الساحة حالياً، فقد بيَّن التقرير أن التيار الليبرالي يظهر في تجمعات شبابية جديدة، ويلاحظ أن مشاركة هذه الشرائح كانت متواضعة قبل الثورات، وتفتقر إلى التنظيم والخبرة والحضور الشعبي، ولم يتضح بعدُ ماذا ستفعل هذه القوى، هل ستتكتل أو تتلاشى! ورأوا أن هذه القوى قد تحظى بقبول عند الجمهور إذا كان خطابها يتناغم ومطالباته، لكن التحدي الأكبر أماما يكمن في صناديق الاقتراع.

أما التيار القومي لم ير مشكلة في قيام الثورات العربية بل رحب بها، لكن التشتت والاضطراب في موقفه بدأ حين اشتعلت الثورة في ليبيا، ثم في سوريا، حيث وقع هذا التيار في مأزق شديد لأنه ينظر إلى سوريا كآخر قلعة للقومية العربية، والآن أصبح هذا التيار يرفض كل الثورات ويستخدم نظرية المؤامرة في تفسيرها، ما سيؤثر في مصداقية هذا التيار ودعمه في الشارع.

وأوضح التقرير إلى أن للتيار اليساري حضورا على مستوى اللافتات السياسية التي رفعت في الثورة بما لا يوازي حضوره في الشارع، مبررين ذلك بأن مساحة العمل كانت مفتوحة له أيام النظام السابق في مصر مثلاً، وأنه تيار موجود على مستوى النخبة وليس على المستوى الشعبي.

أما التيار الإسلامي فأكد التقرير أنه برز قوة رئيسة في الحركات الإصلاحية في الوطن العربي، ويلاحظ أن التيار لم يشارك في الثورات بشعاراته المعتادة، ولكنه من المرجح أن يستخدمها في الانتخابات، ويُنظر إليه على أنه المستفيد الأكبر من الثورات، حيث تبين استطلاعات الرأي في تونس ومصر أن حركة الإخوان المسلمين هي القوة الأولى في الانتخابات القادمة، ومن المتوقع جداً أن يكون النموذج التركي، وتجربة حزب العدالة والتنمية هناك، نموذجاً يحتذي به هذا التيار في حال حضوره في السلطة.

أما التيار السلفي فمع أنه لم يشارك بفاعلية في الثورات، إلا أنه ظهر قوة ثانية بعد حركة الإخوان المسلمين فور نجاح الثورة المصرية، وربما يكسب حظوظا جيدة في الانتخابات حال نجاحه في تنظيم صفوفه في حزب سياسي قوي.

وأشار إلى انتهاء حالة الاستقرار السياسي للدول العربية والإقليم السائدة خلال العقدين السابقين، وأن الأنظمة باتت تتفاعل مع الحِراكات والثورات لضمان مصالحها وتحالفاتها، وأن المجتمع الدولي والقوى الدولية ذات المصالح في المنطقة تعد كذلك عاملاً مهماً في عملية التشكل النهائي للدول وتكتلاتها، ناهيك عن دور الدول الإقليمية الكبرى، مثل تركيا وإيران، وكذلك إسرائيل بوصفها المصدر الأساس للخطر على الأمن القومي العربي في المنطقة.

و يظهر التقرير أن معظم الشخوص في الدول التي نجحت فيها الثورة قد تغيروا، لكن مؤسسات النظام السابق ما زالت قائمة، واعتبر ذلك بدايات مشجعة وأن الأنظمة السابقة لن تقوم لها قائمة مجدداً، لكن الظاهر أن التاريخ يعلمنا بأن الثورات بحاجة إلى سنين وعقود لمعرفة نتائجها، والمهم أن عجلة الزمن بدأت تدور في تحول جديد للمنطقة العربية.

المصدر: أحمد أبو دقة-مجلة البيان