فضل قيام الليل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد:
فنحن في فصل الشتاء، وهذا الفصل البارد ورد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: « » (حسَّنه الهيثمي رحمه الله في مجمع الزوائد).
كيف يكون الشتاء ربيع المؤمن؟
طال ليله فقام وقصر نهاره فصام.
وحديثي في هذه الليلة عن صلاة الليل، صلاة الليل لها فضل ومكانة، ولذا مدح الله عزوجل أناسا يقومون الليل على ماذا؟ على طاعة أم على معصية؟ على طاعة، ولنضع أنفسنا في ميزان هؤلاء، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]، فيه حذف كمن ليس كذلك؟
وأثنى الله عزوجل على عباده من أنهم: {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان: 64]، وبيَّن عز وجل أن جنوبهم تتباعد عن المضاجع التي يأنسون بها، يتركون فرشهم الناعمة الوفيرة ويتركون زوجاتهم ويقومون يصلون: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} من أجل؟ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة: 16] بين الرجاء وبين الخوف.
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار، بل إن أفضل الصلوات بعد الفريضة كما جاء عند مسلم: « » (رواه مسلم).
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الخطيب البغدادي قال: « » (المنذري والألباني والدمياطي) تريد أن تكون شريفا عزيزا كريما؟ فقم الليل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً . نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً . إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً . إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 1-6].
ما هي الناشئة؟
قال بعض العلماء: هي أول الليل، لأن النشوء هو البداية.
وقال بعض العلماء: هي القيام بعد نوم الليل، يعني تنام في الليل ثم تقوم، وكلاهما متقاربان ويدخلان في الآية.
فإذاً لا يحرم الإنسان نفسه من أن يصلي ناشئة الليل ولو في أول الليل، لا يلزم أن يقوم، إن قام في آخر الليل فهذا فضل وكرم: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 6].
ما معنى {أشَدُّ وَطْئاً}؟
يعني أن القلب يتواطأ مع اللسان فيكون القلب حاضرا.
{وَأَقْوَمُ قِيلاً} يعني أن قراءة الليل تكون أسلم من الأخطاء بالنسبة إلى قراءة النهار، لم؟ لأن الجو هادئ، والصوارف ليست موجودة.
وصلاة الليل لا يغفل الإنسان عنها ولو بما تيسر، ولذلك السلف رحمهم الله كانوا يقولون: "لا تتركوا قيام الليل ولو بمقدار حلب ناقة" الناقة تحلب في خمس أو عشر دقائق، ولذلك أبو هريرة رضي الله عنه كان له تقسيم مع أسرته، كان يقوم ثلث الليل والثلث الآخر تقومه زوجته والثلث الآخر يقومه أولاده، يتناوبون الليل كله، إذاً بيت أبي هريرة يقوم الليل كله، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما عند أبي داود: « ».
بل من العجب أن الله عز وجل امتدح الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، يمكن يحصل الإنسان على هذا بصلاة ركعتين في الليل مع زوجته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود: « » فضل من الله عز وجل، لكننا غافلون عنه، فاحرص على ألا تكون من الغافلين، الغفلة مذمومة، تريد ألا تكون من الغافلين؟ فقم الليل بعشر آيات، بعشر آيات تتنحى عنك الغفلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود: « » إذا صليت من الليل فاحرص على ألا تنقص عن عشر آيات: « » يعني من المطيعين الدائمين على الطاعة: « » القنطار: هو عبارة عن وزن عند العرب لا يُعد له عدد، بمعنى أنه من المقنطرين الذين حصلوا على حسنات كثيرة لا تعد ولا تحصى.
فقيام الليل فيه خير، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما عند الترمذي: « » هناك جملة فيها شيء من الضعف، لكن في الواقع لها أصل، قال: « » هذه الجملة في الحديث فيها نوع من الضعف، لكن ما رأيتُ شخصا يحافظ على قيام الليل إلا وجدت صحته من أحسن ما يكون، وأنا أعرف أشخاصا، أعرف رجلا وأعرف امرأة، المرأة توفيت رحمها الله، أعرفها من عشرين سنة وكما رأيتها ما تترك قيام الليل، تقوم قبل صلاة الفجر بساعتين، وصحتها كانت من أحسن ما يكون، ورجل أعرفه، والله إذا وثب كأنها وثبة شاب، لا يمارس رياضة، أكله كأكلنا، لكن الرجل يحدثني يقول منذ سبعين سنة وأنا على هذا الحال، ولا يزال الرجل موجودا وعمره الآن يصل إلى تسعين سنة، ومع ذلك صحته من أحسن ما يكون، وحدثني شخص من الأشخاص يقول إذا تعبتُ قمت فصليت بالليل، يقول والله إذا صليت فإن الآلام كلها تزول، وكلما قرب الإنسان من ربه كلما قرب الله منه وزاده خيرا، وأنا أوصي نفسي وأوصي الشباب ألا يدعوا قيام الليل ولو بركعة واحدة، على أقل الأحوال بعدما تصلي صلاة العشاء إذا كنت تعجز صل ركعة واحدة، النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم يقول: « » ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود يقول: « » يعني مؤكد على كل مسلم: « » على أقل الأحوال صل وأنت مضطجع أفضل من أن تنام ولم تصل لله عز وجل.
والحديث عن قيام الليل وصلاة الليل طويل ويطول، ولكن كما أسلفت لنحرص ونربي أنفسنا ولاسيما في مثل هذه الليالي، كم من ذنب عمله الإنسان في نهاره! إلا يختم ليله بركعة أو ثلاث أو خمس ركعات، وكلما زاد كلما كان خيرا له، ولذلك بعض السلف يقول: "كابدت قيام الليل عشرين سنة" يقول تعبت عشرين سنة، مرة أقوم، مرة لا أقوم، يقول: "كابدت قيام الليل عشرين سنة ومن ثمَّ تلذذت به عشرين سنة" بعض الناس يظن أن قيام الليل شاق وعنت وكلفة كأنه مثل الجبل، والله لو أن الإنسان درَّب نفسه شيئا فشيئا لتلذذ به ولسُر به ولوجد خيرا في نفسه وفي صحته وفي عافيته، يجد الخير والبركة، لم؟ لأن الله عز وجل ينزل في الثلث الأخير من الليل، كم نشكو من الهموم والغموم والأحزان والآلام والمتاعب في هذه الدنيا، مع أن المدنية اتسعت لدينا إلا أن البلايا حلَّت بالناس، إذاً لماذا لا نلجأ إلى الله عز وجل؟ ما الفرق بيننا وبين الصحابة رضي الله عنهم؟ مِن أعظم الناس سعادة وراحة وطمأنينة، في الثلث الأخير ينادي الله عز وجل: « » على أقل الأحوال قبل أذان الفجر بعشر دقائق أو ربع ساعة قم فتوضأ وصل لله عز وجل ركعة أو ركعتين أو ثلاثا، تكون بذلك أدركت آخر الليل، وصلاة الليل كما جاء عند مسلم مشهودة تشهدها الملائكة، وهي أفضل من أول الليل، يدرك الثلث الأخير الذي ينزل الله عز وجل فيه إلى السماء الدنيا، فلعل نفحة من نفحات الله عز وجل تصيبه فيسعد سعادة طيبة، الأمر الثالث أنه إذا قام، قام نشطا وذهب إلى المسجد لصلاة الفجر في أول الوقت، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « » يعني التبكير إلى الصلاة: « » (رواه البخاري وصححه الألباني) فكيف إذا كانت هذه الصلاة هي صلاة الفجر.
نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعيينا على أنفسنا وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأن يشرفنا بتشريفه عز وجل على المحافظة على صلاة الليل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- التصنيف: