ثلاثة أحاديث نبوية عليها مدار الإسلام وقواعد الدين -1

منذ 2024-02-05

: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث عائشة: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه، فهو رد)، وحديث النُعمان بن بشير: (الحلال بيّن، والحرام بيّن)

مقدمة:

 قال الإمام أحمد رحمه الله: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث عائشة: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه، فهو رد)، وحديث النُعمان بن بشير: (الحلال بيّن، والحرام بيّن) (1).

فما الظن بمن عني بنيته وأخلصها لله، واتبع ولم يبتدع، وتفقه في دين الله وتوقى الشبهات، ما الذي يبقى عليه من شرائع الدين؟

وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا ما وافق السنة)(2) وقال ابن عجلان رحمه الله: (لا يصلح العمل إلا بثلاث: التقوى لله، والنية الحسنة، والإصابة) (3) أي: يكون العمل موافقاَ للشرع.

بدر الصاعدي

​​​​​​​

الحديث الأول

مقصد الحديث: أهمية الإخلاص لله، وأن النية عليها مدار قبول العمل أو رده، وبالنية تتفاضل أعمال العباد، وبها تتمايز العبادات.

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: " « إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» ". الْبُخَارِيُّ [رقم:1]، مُسْلِمٌ [رقم:1907]

منزلة الحديث:

استفتح النووي بهذا الحديث في كتابه الأربعين، وكتابه رياض الصالحين، وكتابه الأذكار وقال في الأذكار: (هذا حديث صحيح متفق على صحته، مجمع على عظم مـوقعه وجلالته، وهـو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام؛ وكان السلف وتابعوهم من الخلف رحمهم تعالى يستحبون استفتاح المصنفات بهذا الحديث، تنبيهـاً للمُطالع على حسن النية، واهتمامه بذلك والعناية به).(4)

قال ابن دقيق العيد رحمه الله: (هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله: يدخل في حديث الأعمال بالنيات ثلث العلم).(5)

شرح الحديث:

( «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» )

النيات: جمع نية وهي قصد القلب وإرادته.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (والنية في كلام العلماء تقع بمعنيين:

 أحدهما: بمعنى تمييز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلاً، وتمييز صيام رمضان من صيام غيره، أو تمييز العبادات من العادات، كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التّبرد والتنظف، ونحو ذلك، وهذه النية هي التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء في كتبهم.

 والمعنى الثاني: بمعنى تمييز المقصود بالعمل، وهل هو الله وحده لا شريك له، أم غيره، أم الله وغيره، وهذه النية هي التي يتكلم فيها العارفون(6) في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيراً في كلام السلف المتقدمين).(7)

وقال رحمه الله: (قوله: «الأعمال بالنيات»: الأعمال صالحة، أو فاسدة، أو مقبولة، أو مردودة، أو مثاب عليها، أو غير مثاب عليها، بالنيات، فيكونُ خبراً عن حكم شرعي) قال:  (وقوله بعد ذلك: «وإنما لكل امرئ ما نوى» إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به، فإن نوى خيراً، حصل له خير، وإن نوى شراً حصل له شر).(8)

( «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» )

قال ابن دقيق العيد رحمه الله: (المتقرر عند أهل العربية أن الشرط والجزاء لابد أن يتغايرا، وهنا وقع الاتحاد - قلت: أي جملة الشرط نفس جملة الجزاء- وجوابه فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصداً فهجرته إلى الله حكماً وشرعاً)(9) أي مثاب عليها.

«(وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ)»

أياً كان هذا سبب الهجرة، تجارة أو زواج أو غيره من أمر الدنيا، وهو من عطف الخاص على العام ، وهنا لم يتطابق الجزاء مع الشرط فقال «(فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ)» تقليلا لشأنها، فإنما يبقى ما كان لله تعالى.

والهجرة من مكة إلى المدينة انتهت بدخول مكة في الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ) (مسلم1864) وأما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فباقية.

تنبيهات:

  1. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فإن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص، وإن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحداً، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض) (10)
  2. ينبغي معرفة الرياء ومداخله وخفاياه وأسبابه للتَّوَقِّي منه.
  3.  ينبغي للعبد أن يكون له عمل في السر لا يطلع عليه الناس، حيث إن العمل المتعدي أكثر عرضه للرياء بخلاف العمل القاصر لا سيما إذا كان في السر.
  4. العمل الصالح له آفات كثيرة، وللشيطان فيه نصيب، وللنفس فيه حظوظ، ولا يعلم العبد ما يبقى له من عمله.
  5.  ليراجع طالب العلم نيته وليحذر أن يطلب العلم ليقال طالب علم، وليتذكر أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة هم الرؤوس الكبار، عالم طلب العلم ليقال عالم، وقارئ تعلم القرآن ليقال قارئ، ومجاهد جاهد ليقال شجاع، ومنفق أنفق ليقال جواد، كما في الحديث الذي رواه مسلم (1905)