الرحمة

منذ 2024-03-11

و إذا كان جميع مظاهر الرحمة التي تمثل واحدًا بالمائة من رحمة الله حيث جعل تسعة و تسعون جزءًا من رحمته للمؤمنين في الآخرة فكيف تكون رحمته يوم الهول العظيم إذ أنه ورد في الحديث....

 

وصف الله تعالى نفسه بالرحمة بأكثر من لفظ واللفظ يتكرر أكثر من مرة عند قراءة فاتحة الكتاب التي تتلى ما لا يقل عن سبع عشرة مرة في الصلاة في اليوم الواحد ،فقد وصف نفسه بأنه الرحمن الرحيم ،وهذا يعني اختلاف في مدلول اللفظين بما يشمل جميع أنواع الرحمة ولكافة المخلوقات مما لا يستطيع حصره في هذه الكلمات القليلة ولكن في لمحات سريعة نلقي الضوء على مظهرين فقط من مظاهر رحمته سبحانه وتعالى

فالرحمة التى منحها الله لمخلوقاته وعلى رأسهم البشر في كيفية خلق الإنسان كما نسمع عن إعجاز خلق الإنسان بل والحيوان من علماء الطب والتشريح نجد الرحمة تتجلى بأروع صورها فالإنسان مثلا ينام وتظل أجهزته الحيوية تعمل حفاظًا على حياته وأمنه الصحي فلا يختنق أو يصاب بجلطات تعجزه عن الحركة فكل عضو مهما تتضاءل له وظيفة يقوم بها لتسري الحياة في جسم الإنسان سهلة يسيرة ،لا تعارض بين وظائف الأعضاء ولا تنافر كلٌ يعمل بإيقاع منتظم متسق مع بعضها البعض فإذا توقف عضو واحد مهما صغر فإذا بالإنذارات العديدة والمختلفة ترسل إشاراتها متمثلة في ألم أو عجز ،فإذا تدارك الجسم بنفسه العلة وعالجها تلقائيًا مرت الأمور بسلام وإلا يلجأ الإنسان لطلب المساعدة الطبية لتدارك الأمر فحتى الألم كإشارة لوجود خلل هو رحمة من رحمات الله التي لا تعد ولا تحصى ولا أجدني إلا عاجزة عن الاسترسال في الوصف لقلة العلم وضيق المقام .

ولذا انتقل لنوع آخر من الرحمة لا يقل إعجازه عن طبيعة خلق البشر ألا وهو الدستور الإلهي الذي وضعه الخالق سبحانه للبشر كي يكون مرجعية لهم في التعامل الإنساني على كل المستويات ذلك الدستور والمنهج الذي يلم بكل تفاضيل العلاقات الإنسانية ولا يدع منها مثقال ذرة إلا وتناولها دون أدنى جور أو ظلم من قِبَل طرف على حساب طرف آخر ،وجعل لها كذلك نسقًا متسلسلًا يبدأ بالعلاقات الأكثر قوة مثل العلاقة بالوالدين متدرجًا حتى يصل لمن يمثل رفقة عابرة لا تتجاوز دقائق بل ثوان ليضمن للبشر حياة سامية راقية يسودها الأمن والعدل وتكملها الرفاهية ،ومما يميز هذا المنهج هو واقعيته وقابليته للتطبيق فقد قال تعالى" {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}   (الملك:14)

و إذا كان جميع مظاهر الرحمة التي تمثل واحدًا بالمائة من رحمة الله حيث جعل تسعة و تسعون جزءًا من رحمته للمؤمنين في الآخرة فكيف تكون رحمته يوم الهول العظيم إذ أنه ورد في الحديث

( «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِئَةَ جُزْءٍ، فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ جُزْءًا، وأَنْزَلَ في الأرْضِ جُزْءًا واحِدًا، فَمِنْ ذلكَ الجُزْءِ يَتَراحَمُ الخَلْقُ، حتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حافِرَها عن ولَدِها، خَشْيَةَ أنْ تُصِيبَهُ.)»

الراوي : أبو هريرة (المصدر : صحيح البخاري  رقم [6000])

 

.نسأل الله تعالى أن نكون أهلًا لرحمته في الدنيا والآخرة

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.