{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا }
الفرح في هذه المواضع هو الفرح المحمود ، الفرح المأذون به شرعاً وهو الفرح :الذي يحمل صاحبه على شكر صاحب الهداية والتوفيق والنعمة سبحانه وتعالى ..
أيها الإخوة الكرام: ورد في صحيح الجامع من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ »
أيها الإخوة الكرام: في القرآن الكريم أذن لنا ربنا سبحانه وتعالى أن نبتهج ونُسر ونفرح ..
في سورة الروم يقول الله تعالى: {{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾} وفي سورة يونس يقول : {﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾} وفي سورة الرعد يقول: {﴿ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ }
الفرح في هذه المواضع هو الفرح المحمود ، الفرح المأذون به شرعاً وهو الفرح :الذي يحمل صاحبه على شكر صاحب الهداية والتوفيق والنعمة سبحانه وتعالى ..
يفرح المؤمن فرحاً محموداً مشروعاً مأذوناً به أن بلغه الله تعالى رمضان ، أن بلغه الله تعالى تمام رمضان ، يفرح المؤمن فرحاً محموداً مشروعاً مأذوناً به أن صام الشهر كله ، أن قام الليل كله ، أن ختم القرآن الكريم كله ، يفرح المؤمن أن أفطر من رمضان ، يفرح بتمام النعمة من الله سبحانه وتعالى ..
ويومنا هذا هو يوم الفطر من رمضان وقد جعله الله تعالى عيداً لأولنا وآخرنا ، وفرحًا لأولنا وآخرنا ، وآية من الله تعالى دالة على أن في ديننا فسحة قال النبي عليه الصلاة والسلام «لِلصائِمِ فَرْحَتَان يفرحهما» .. :
قال عليه الصلاة والسلام عن الفرحة الثانية: « (وَإِذَا لَقِيَ رَبهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)» .
وكان قد قال عن الفرحة الأولى: ( «إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بفطره» ) ففرحنا اليوم بانقضاء رمضان فرح مشروع ، لا فرح من كان يرى في رمضان حملاً ثقيلاً على قلبه إنما فرحنا بانقضاء رمضان فرح الشاكر لربه على تمام العبادة وتمام النعمة ..
فمن وفق لصيام رمضان ، وللقيام في رمضان ، وبلغه الله تعالى ليلة القدر من رمضان وأتى بكل هذا إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ..
الفرح الذي يحمل صاحبه على الإقرار بنعمة الله تعالى ، وعلى الشكر لله رب العالمين هو الفرح المحمود الذي يثاب صاحبه {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}
أما فضل الله تعالى فهو الإسلام ، وأما رحمة الله تعالى فقيل هى القرآن ، وقيل هى الهداية ، وقيل فضل الله تعالى هو الإيمان ، والرحمة هى محمد صلى الله عليه وسلم ذلك أن الله تعالى ما أرسله إلا رحمة للعالمين ..
{﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾}
أخْرَجَ أبُو القاسِمِ بْنُ بِشْرانَ في أمالِيِّهِ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَن هَداهُ اللَّهُ لِلْإسْلامِ، وعَلَّمَهُ القُرْآنَ، ثُمَّ شَكا الفاقَةَ، كَتَبَ اللَّهُ الفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ إلى يَوْمِ يَلْقاهُ. ثُمَّ تَلا النَّبِيُّ» ﷺ: { ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هو خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ﴾}.
هذا هو الفرح المحمود شرعاً..
أما الفرح المذموم ، فهو الفرح غير المحمود غير المشروع ، هو الفرح غير المأذون به ..
الفرح المذموم في القرآن والسنة هو فرح الإنسان المغرور بعمله المعجب بنفسه ..
{﴿ إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَءَاتَيْنَٰهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلْعُصْبَةِ أُو۟لِى ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُۥ قَوْمُهُۥ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ ﴾ }
إذا رأى الإنسان نفسه ، فأظهر محاسنها ، وتغافل عن مساوئها ، ورأى فيها الكمال ، وامتدحها ، وإذا استعظم الإنسان عمله ، وركن إليه ، فهذا هو المعجب بنفسه المغرور بعمله ..
قيل لعائشة رضي الله عنها: "متى يكون الرجل مسيئاً؟"، قالت: "إذا ظن أنه محسن".
ويأتي على رأس مفسدات الأعمال العجب والغرور:
قال بعض السلف "لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً"
ومن بين مهلكات العبد ، ومن بين مذهبات حسنات العبد ، وأعمال العبد أن يعجب العبد بنفسه ، وأن يغتر بعمله ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام [ « بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهو يَتَجَلْجَلُ إلى يَومِ القِيَامَةِ» ]
الشاهد أيها الكرام:
أنه لا يؤذن لك أن تعجب بنفسك ولا أن تغتر بعملك حتى تسلم لك أعمالك وحسناتك ..
وفي المقابل : يؤذن لك أن تفرح بصيام رمضان ، وبقيام رمضان ، يؤذن لك أن تسر بحسناتك ، فمن سرته حسنته فهو مؤمن ، على شرط أن ترد الفضل فيما أتيت به من عمل صالح إلي الله تعالى .. أن تقول بلسان الحال والمقال {{ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَآ أَنْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ}}
فالحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً ، والحمد لله ملئ السموات والأرض وما بينهما ...
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيد علينا جميعاً أمثال هذه الأيام بالخير واليمن والبركات إنه ولي ذلك والقادر عليه..
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: