من أنطق الحجر!

منذ 2024-04-20

فسبحان مَن ألان الحجر والشجر للمؤمنين فأحبّهم وأحبّوه، وأذن لها في آخر الزمان أن يثأروا لكل تلك الأحقاد التي مارَسها هؤلاء الذي غضب عليهم الجبار، فينادون يا مسلم «هذا يهودي ورائي».

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «إني لأعرف حجرًا بمكة، كان يُسلّم عليَّ قبل أنْ أُبْعَثَ؛ إني لأعرفه الآن».

في ديننا -نحن المسلمين- كل شيء يُسبِّح بحمد الله -سبحانه-؛ الشجر والحجر والطير، حتى الجبال تذكر الله مع الأوابين، وتُسبّح ربها مع المسبحين، وتحب المؤمنين؛ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «هذا أُحُدٌ، وَهو جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»؟

 قد نُحِبّ -نحن البشر- الأماكن، لكن أن تمتلك تلك الأحجار العاطفة والقدرة على الحبّ فتُحبّنا، وتفرح باللقاء وتحزن للفراق؛ إنه والله لأمر عجيب. وكيف لا، وقد اشتاق جذع النخلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  وبكى لفراقه!

هل تتعاطف الأحجار والأشجار معنا؛ فتعلم بمُصاب المؤمنين، وتتألم لآلامهم، وتبكي لحالهم؟! ربما.

في فلسطين أشجار زيتون تتجاوز أعمارها مئات السنين، ربما وصل عمر بعضها لألف عام، يقتلعها الاحتلال اقتلاعًا، ويدوسها بجرافته، ينتزعها انتزاعًا من جذورها ويقتلها تمامًا، كما يقتل الشيبان والأطفال.

ربما تكون بعض تلك الأشجار قد شهدت الفتوحات أو تعرَّفت إلى بعض الصحابة، أو لامست ثمارها أفواه الفاتحين والمجاهدين.

ربما مر عليها كثير من الغزاة والمحتلين. لكنها بقيتْ شاهدةً على الأفراح والآلام -ندري نحن عنها أو لا ندري-، لكنها ظلت باقية، أو بعضها على الأقل ظل باقيًا.

مرَّ كثير من الغزاة فوق تلك الأرض، الرومان والإغريق والفرس، لكنهم لم يقتلعوا أشجارها، ولم يدمّروا حَجرها كما يفعل هؤلاء الخبثاء، فكلّ غازٍ يطمح لزيادة نفوذه وسلطانه وتكثير أمواله وأعوانه، فلماذا يدخل في حرب مع الحجر والشجر إن كان يستطيع أن يضمّها لمُلكه ويستفيد من خيراتها؛ إلا اليهود فإنهم يحاربون كل شيء؛ البشر صغارًا وكبارًا رجالاً ونساءً، حتى بهيمة الأنعام العجماء.

فقد زعموا كما جاء في سفر صموئيل: «فالآنَ اذْهَبْ واضْرِبْ عَمَالِيقَ، وحَرِّمُوا كُلَّ ما لَهُ، ولاَ تَعْفُ عَنْهُمْ؛ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وامْرَأَةً، طِفْلًا ورَضِيعًا، بقَرًا وغَنَمًا، جَمَلًا وحِمَارًا»، ونسبوا إلى النبي حزقيال أنه قال: «لا تُشفق أعينكم، ولا تعفوا عن الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، واقتلوا للهلاك».

لقد صنع اليهود لأنفسهم على مر السنين صورة ذهنية رسمها شكسبير في رائعته «تاجر البندقية» جليةً بكل تفاصيلها؛ حيث فضَح الأديب الإنجليزي مكنونات تلك النفس الخبيثة التي تتجاوز الرغبة بالقتل إلى التلذذ به؛ حيث يضع التاجر اليهودي المرابي «شيلوك» شرطًا عجيبًا على «أنطونيو» الشخص ذي القلب الطيب الكريم، الذي يُقْرِض الناس من دون ربًا ولا منفعة، عندما ألجأته الحاجة إلى الاقتراض من هذا الشخص اللئيم، شرطًا يقارب من يتجاوز القتل إلى التلذذ به؛ فاتفق معه أن يكون جزاء عدم القدرة على السداد أن يكون لُحمه الحيّ هو المقابل، وأن يكون لليهودي المرابي اقتطاع رطل من لحم التاجر الكريم من أيّ منطقة شاء!

كان من الممكن أن يشترط السجن أو القتل مقابل الخلاص من منافسه التجاري الذي وضع الكرم مقابل جشعه ولؤمه، لكنه اشترط قتلة بشعة تشفي نزقه وحقده.

كان من الممكن أن يتجنّب أحفاده مجزرة تطال مدرسة أطفال في إحدى قرى مصر النائية عام 1970م؛ فلا شيء يدفع إلى هكذا جريمة، حتى على المستوى العسكري والإستراتيجي البحت، لقد قتلت الطائرات الإسرائيلية 30 طفلًا، وأصابت 50 آخرين؛ جراء القصف الهمجي من دون أيّ سبب ولا هدف عسكري؛ إلا من باب إثارة الرعب في النفوس والتعبير عن أحقادهم الدفينة، وهي الحادثة التي استجلبت استنكار العالم أجمع في ذلك الوقت. لكنه خبث نفوسهم التي أدمنت الدماء فلا ترتوي منها.

لقد ضجَّت عوالم الغرب من مجاورة هؤلاء القساة الأشرار، فرمونا بهم عن قوس واحدة؛ لكي يمارسوا خبثهم وبشاعة نفوسهم على بلاد المسلمين؛ بشَرهم وحجرهم وأشجارهم حتى حيواناتهم العجماء.

فلا عجب أن ينطق الحجر والشجر قبل قيام السَّاعَة حين نقاتل اليَهُود، فيقول الحَجَر الذي يختبئ وراءَه اليَهُودِيُّ: «يا مُسْلِمُ، هذا يَهُودِيٌّ وَرائي فاقْتُلْهُ».

حين يأذن الله للجمادات أن تأخذ بثأرها من أشرار العالم، ربما تكون تلك الشجرة التي أنطقها الله شاهدةً على دماء أُريقت فوقها، ولو كانت تملك الصراخ لصرخت، ربما تكون تلك الحجارة التي تذيع نبأ اليهودي المختبئ خلفها قد اسودت من آثار الحرائق التي أشعلها الحقود حولها، إنها ساعة الحقيقة عند قيام الساعة حين ينكشف الغطاء.

ثم ألا ترى معي عجبًا؛ أن الحجر والشجر لم ولن يشارك في معركة ولا ملحمة سواء كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو أخبر عنها في آخر الزمان بتلك المشاركة الجلية، إلا ضد هؤلاء الملعونين.

فسبحان مَن ألان الحجر والشجر للمؤمنين فأحبّهم وأحبّوه، وأذن لها في آخر الزمان أن يثأروا لكل تلك الأحقاد التي مارَسها هؤلاء الذي غضب عليهم الجبار، فينادون يا مسلم «هذا يهودي ورائي».

_______________________________________________
الكاتب: أحمد عمرو