رحم الله عبدا تأدب بآدب الشرع
"رحِم الله عبدًا تأدَّب بآدب الشرع، ولم يتقدَّم بين يديه بقول أو فعل"
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}[النساء: 77].
تأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ.....}، لتعلم أن الواجب على المسلم التقيُّدَ بأحكام الشرع في كل حال، وأنه ليس لأحد أن يتقدم بين يدي الله ورسوله بحال من الأحوال.
قبل أن يُشرَع الجهاد في سبيل الله أُمِرَ المسلمون أن يكفوا أيدهم ويحتملوا الأذى، ويدفعوه بالإحسان، ويتحلوا بالصبر مهما اشتد عليهم الأذى، ومهما أصابهم من الضرِّ، وامتثل المسلمون أمر الله تعالى، وصبروا تحت وطأة العذاب حتى مات بعضهم من شدة التعذيب، حتى أتى خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وهو يزحف من شدة العذاب - رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَقال له: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»[1].
وظلت طائفة قليلة يستعجلون القتال، ودفع الظلم، ومجابهة أهل الباطل، فإذا قيل لهم كُفُّوا أيدكم، فليس الوقت وقتَ قتال، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، بالغوا في استعجال القتال، فلما كتب الله عليهم القتال، أحجموا بعد إقدام، وتباطؤوا بعد إزماع، وظهر خوفهم، وخفتت أصواتهم، وسألوا النظرة، وآثروا القعود؛ فصدق فيهم قول القائل: (أسرع الناس للقتال أقلهم حياءً في الفرار منه).
ولهذه العلة نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تمني لقاء العدو، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ»[2].
فرحِم الله عبدًا تأدَّب بآدب الشرع، ولم يتقدَّم بين يديه بقول أو فعل، واتَّهم رأيه، وسأل الله العافية والسلامة.
[1] رواه البخاري- كِتَابُ الْإِكْرَاهِ، بَابُ مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالْقَتْلَ وَالْهَوَانَ عَلَى الْكُفْرِ، حديث رقم: 6943.
[2] رواه البخاري -كِتَابُ التَّمَنِّي، بَابُ كَرَاهِيَةِ تَمَنِّي لِقَاءِ العَدُوِّ، حديث رقم: 7237، ومسلم - كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ كَرَاهَةِ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، حديث رقم: 1742.
__________________________________________________
الكاتب: سعيد مصطفى دياب
- التصنيف: