{فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به}

منذ 2024-04-29

إن هذه الآية الكريمة تكشف لنا عن حقيقة العلاقة التي تربط المؤمنين من أهل غزة باللّه، وعن حقيقة البيعة التي أعطوها – بجهادهم ضد اليهود وكفار العالم والمنافقين - طوال جهادهم كل هذه الجحافل من أعداء الله والبشرية.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

 

إن هذه الآية الكريمة تكشف لنا عن حقيقة العلاقة التي تربط المؤمنين من أهل غزة باللّه، وعن حقيقة البيعة التي أعطوها – بجهادهم ضد اليهود وكفار العالم والمنافقين - طوال جهادهم كل هذه الجحافل من أعداء الله والبشرية.

 

إن حقيقة هذه البيعة، لا نفهمها كمسلمين مما نقرأ في جميع كتب التفسير لآيات الله في القرآن، كما نفهمها الآن على واقع جهاد أهل غزة الآن، وما نشاهده من أحداث بالصوت والصورة لما يحدث في غزة الآن مما يعجز أي كاتب أو مفسر أن يفسره لهذه الآية الكريمة.

 

إن هذه المبايعة كما نراها في أرض واقع الجهاد في غزة، نرى أن اللّه - سبحانه - قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين من أهل غزة وأموالهم، وذلك عن باقي أهل الأرض جميعًا، فلم يعد لهم منها شيء... لم يعد لهم منها بقية لا ينفقونها في سبيله. بعد هذا القتل والتدمير والإبادة التى لم يسبق لها مثيل فى الحياة على كوكب الأرض، ولم يعد لهم خيار في أن يبذلوا أو يمسكوا... كلا.. إنها صفقة مشتراة من الله، وليس لأهل غزة فيها من شيء سوى أن يمضوا في الطريق المقدور من الله، لا يتلفتون ولا يختارون، ولا يناقشون ولا يجادلون، ولا يقولون إلا الطاعة والعمل والاستسلام لله، والطريق هو الجهاد والقتل والقتال والنهاية إن شاء الله هي النصر أو الاستشهاد.

 

هذا وصف للفئة المؤمنة المجاهدة من أهل غزة.

 

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111].

 

إننا نجد أهل غزة ماضون في عقدهم مع الله رغم مصابهم من القتل والدمار والتجويع والتنكيل بهم أحياء وأمواتا، ورغم الخيانة من جانب بني جلدتهم وتعاونهم مع الصهاينة ضدهم، ورغم تخاذل غالبية المسلمين عن نصرتهم ومساعدتهم. بل إن هناك من يساعد اليهود ضدهم. وهناك من يهاجم أهل غزة من المسلمين ويتهمهم زورًا وبهتانًا ونفاقًا، ويقف في صف اليهود.

 

فأهل غزة على عهدهم مع ربهم، ولم ينقضوا عهدهم معه رغم كل مصابهم.

 

قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} [الأنفال: 55 - 56].

 

إنها لبيعة رهيبة - بلا شك - ولكنها في عنق الصادقين في إيمانهم من أهل غزة. فلا يستشعر رهبتها إلا صادق الإيمان.

 

أما هؤلاء الذين يزعمون أنفسهم مسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فهم قاعدون، لا يجاهدون لتقرير ألوهية اللّه في الأرض، وطرد الطواغيت الغاصبة لحقوق الربوبية وخصائصها في حياة العباد.

 

بل ما نجده في واقع حال المسلمين هو قتالهم بعضهم بعضا بالنيابة عن أعداء الله من اليهود والأمريكان. ويتفرقون إلى فرق ومذاهب يعادي بعضها بعضا.

 

يا حسرة على العباد!!

أيُّها المسلم كن كأهل غزة مؤمنًا حقا، فالجهاد في سبيل اللّه بيعة معقودة بعنق كل مؤمن.. كل مؤمن على الإطلاق منذ كانت الرسل... إنها السنة الجارية التي لا تستقيم هذه الحياة بدونها ولا تصلح الحياة.

 

إن أهل فلسطين وقع عليهم الظلم والعدوان.

 

قال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

 

إن الحق لا بد أن ينطلق في طريقه، فلقد لمست كلمات البيعة التي ذكرها الله في الآية الكريمة قلوب أهل غزة عند تربيتهم عليها فتحولت قلوبهم المؤمنة إلى واقع من واقع حياتهم؛ ولم تكن مجرد معان يتملونها بأذهانهم، أو يحسونها مجردة في مشاعرهم. كانوا يتلقونها للعمل المباشر بها. لتحويلها إلى حركة منظورة، لا إلى صورة متأملة..

 

وهكذا أدركها من قبل عبد اللّه بن رواحة - رضي اللّه عنه - في بيعة العقبة الثانية، قال محمد بن كعب القرظي وغيره: قال عبد الله بن رواحة رضي اللّه عنه لرسول اللّه، صلى الله عليه وسلم، يعني ليلة العقبة: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: «أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا؛ وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم». قال: فما لنا إذا نحن فعلنا ذلك؟

 

قال: «الجنة».

قالوا: ربح البيع، ولا نقيل ولا نستقيل....

هكذا... ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل.

 

فالصفقة ماضية لا رجعة فيها ولا خيار؛ والجنة: ثمن مقبوض لا موعود!

أليس الوعد من اللّه؟

أليس اللّه هو المشتري؟

أليس هو الذي وعد الثمن؟

 

وعدًا قديمًا في كل كتبه؛ قال تعالى: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة: 111].

 

{وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 111].

أجل! ومن أوفى بعهده من اللّه؟

___________________________________________________________

الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى