يوم شم النسيم أم يوم الشؤم والفجور؟
فعلى من يريد السلامة في دينه وعرضه أن يحتجب في بيته في ذلك اليوم المشئوم، ويمنع عياله وأهله وكل من تحت ولايته عن الخروج فيه؛ حتى لا يشارك اليهود والنصارى في مراسمهم والفاسقين الفاجرين في أماكنهم.
مما ابتلى به المسلمون، وفشا بين العامة والخاصة مشاركة أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كثير من مواسمهم كاستحسان كثير من عوائدهم، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم، حتى قالت اليهود: "إن محمداً يريد أن لا يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه أبو داود من حديث ابن عمر - رضى الله عنهما -. وفى الصحيحين عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم»، والمراد أنهم كانوا لا يخضبون شعر اللحية والرأس الأبيض بصفرة أو حمرة مثلاً، فخالفوهم واختضبوا بأي لون ما عدا السواد فإنه مكروه إلا في الجهاد وقال عمر - رضي الله عنه -: (لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فان السخط ينزل عليهم) (رواه البيهقي بإسناد صحيح). والرَّطَانة بفتح الراء وكسرها الكلام بالأعجمية، تقول: رطن له من باب كتب. وعن عمر أيضاً أنه قال: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم".
فانظر هذا مع ما يقع من الناس اليوم من العناية بأعيادهم وعاداتهم. فتراهم يتركون أعمالهم من الصناعات والتجارات والاشتغال بالعلم في تلك المواسم، ويتخذونها أيام فرح وراحة، ويوسعون فيها على أهليهم، ويلبسون أجمل الثياب، ويصبغون فيها البيض لأولادهم كما يصنع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهذا وما شاكله مصداق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم». قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن غيرهم» ؟ (رواه البخاري عن أبى سعيد الخدري -رضي الله عنه).
وناهيك[1] ما يكون من الناس من البدع والمنكرات والخروج عن حدود الدين والأدب في يوم شم النسيم، وما أدراك ما شم النسيم! هو عادة ابتدعها أهل الأوثان لتقديس بعض الأيام تفاؤلاً به، أو تزلفاً لما كانوا يعبدون من دون الله، فعمرت آلافاً من السنين حتى عمت المشرقين، واشترك فيها العظيم والحقير والصغير والكبير، ويا ليتها كانت سُنَّةً محمودة، فيكون لمن سنها أجر من عمل بها، ولكنها ضلال في الآداب، وفساد في الأخلاق. شرعت المواسم والاجتماعات لتكون واسطة التعارف والتآلف، وتبادل المنافع، وانتشار العلم والمعارف، وما مشروعية الصلاة والحج والعيدين في الإسلام إلا لهذا الغرض؛ لأن فيها تجتمع الخلائق على اختلاف طبقاتها في صعيد واحد يعظهم الواعظ، وينصحهم الناصح، فيشعر كل منهم برابطته مع أخيه وحاجته إلى حسن معاملته وبقاء مودته.
فهل هذا اليوم (يوم شم النسيم) في مجتمعاتنا الشرعية التي تعود علينا بالخير والرحمة؟ (كلا) وحسبك أن تنظر في الأمصار بل القرى فترى في ذلك منكرات تخالف الدين، وسوءات تجرح الذوق السليم، و ينقبض لها صدر الإنسانية.
الرياضة واستنشاق الهواء ومشاهدة الأزهار من ضرورات الحياة في كل آن، لا في ذلك اليوم الذي تمتلئ فيه المزارع والخلوات بجماعات الفجار وفاسدي الأخلاق، فتسربت إليها المفاسد وعمتها الدنايا، فصرت لا تمر بمزرعة أو طريق إلا وترى فيه ما يخجل كل شريف، ويؤلم كل حي، فأجدر به إن يسمى يوم الشؤم والفجور.
ترى المركبات والسيارات تتكدس بجماعة عاطلين يمج بعضهم في بعض بين شيب وشبان ونساء وولدان ينزحون إلى البساتين والأنهار، تراهم ينطقون بما تُصَان الآذان عن سماعه ويخاطبون المارة كما يشاءون من قبيح الألفاظ وبذئ العبارات، كأن هذا اليوم قد أبيحت لهم فيه جميع الخبائث وارتفع عنهم فيه حواجز التكليف، أولئك حزب الشيطان إلا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.
فعلى من يريد السلامة في دينه وعرضه أن يحتجب في بيته في ذلك اليوم المشئوم، ويمنع عياله وأهله وكل من تحت ولايته عن الخروج فيه؛ حتى لا يشارك اليهود والنصارى في مراسمهم والفاسقين الفاجرين في أماكنهم.
ويظفر بإحسان الله ورحمته.
[1] وكأنه أراد أن يقول: ومما يزيد الطين بلة ما يكون في هذه المناسبات من فسق وفجور، وهو الغالب عليها وإلا فحسبها أنها أعياد المشركين.