عندما يكون الإعلامي الليبرالي ظلومًا جهولًا (عمرو أديب أنموذجًا)
المأمول أن من يمارس مهنة الإعلام أن لا يكون جاهلًا لأن الجهل نقيض للمهنة التي يزاولها، فالإعلام يقوم بمهمة التنوير وتوضيح الحقائق بعيدًا عن الكذب والتلفيق، كما يقوم بإبراز صورة الواقع من جميع جوانبه ولا يعتمد التجزئة حيث يركز على شيء غير مهم في مقابل إهمال شيء آخر أكثر أهمية.
والجهل كما يكون في الفكر يكون في السلوك، فجهل الفكر يكون بنقص المعرفة أو المعرفة الخاطئة، وجهل السلوك يكون بالحمق والطيش والسفه في التصرفات على حد قول الشاعر العربي:
الذي هيجني ودفعني لكتابة ذلك: مقطع فيديو للإعلامي (عمرو أديب) وهو يتعرض لما ذكر على موقع جريدة اليوم السابع عن إنشاء جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث ظهر من كلامه وسلوكه الجهل بنوعيه السابقين، واعتمد لغة الإثارة والتهييج وتأجيج المشاعر، مع الأداء المسرحي التمثيلي من حيث حركات اليدين والعينين، وحركة الفم وتحريك الشفاه ورفع الصوت وخفضه، المصحوب بنوع من السخرية والاستهزاء -والتريقة- ولم يقدم كلًاما علميًا منضبطًا، أو حتى كلامًا صحفيًا راقيا يتعالى به عن أسلوب البلطجة الفكرية، يدافع به عن رأيه بل كان أسلوبه وسلوكه أسلوب وسلوك الغوغاء والدهماء عندما يقومون بإكراه المخالفين على ما يريدون وترويج ما يتصورون.
1- أقول للإعلامي عمرو أديب، ولمن على مثل رأيه وتصوره: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة ربانية، فرضها الله تعالى في كتابه، وجاءت في سنة رسوله للثقلين محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يفرضها الإسلاميون: (الإخوان أو السلفيون أو غيرهم..) ومن المعلوم أن الإعلامي المذكور ومن هم على تصوره ورأيه، منسوبون للإسلام ومن ثم يلزمهم بحكم عقد الإسلام الإيمان بكل ما جاء في دين الله من أحكام، وأي مسلم يعلن رفضه لحكم علم أنه من دين الله فرفضه هذا يعني معاندته لله ورسله، وعدم الخضوع والتسليم لما جاء عن الله ورسوله، ومن كان هذا شأنه فحكمه معلوم لا يجهله أحد من المسلمين.
2- يظهر الإعلامي المتميز بأدائه المسرحي جهله بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يصور الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بصورة لا وجود لها إلا في ذهنه وأذهان من هم على شاكلته، فهو يقول من عند نفسه: "أن القائمين على هذه الشعيرة يحملون العُصي الكبيرة، وعند الأذان يضربون الناس بها ويأمرونهم بالصلاة، وأنهم إذا رأوا امرأة كاشفة شعرها أيضا ضربوها بالعُصي قائلين لها غطي شعرك يا فاجرة".
من أين أتيت بذلك؟ ألا تتقي الله تعالى؟! فلا تكذب على عباده ولا تنفر الناس من شعيرة أمر الله بها في كتابه بل جعلها عنوان الفلاح لعباده كما قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. فالإعلامي المتميز الذي من واجبه نقل الحقائق كما هي، ولا يلونها بلونه الأيديولوجي، يرسم بكلماته وحركاته البهلوانية صورة منفرة ومقززة لمن يفترض فيهم أنهم يقومون بواجب شرعي، تحمل الناس على كراهية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واتخاذ موقف عدائي ممن يقوم بذلك، والشيء الذي يدل على عدم نزاهة عمرو أديب: أنه لا يوجد عنده نموذج سابق قام بمثل ما يزعمه لا في مصر ولا في غيرها من الدول حتى يقيس عليه، وأشهر بلد لديه هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه الأيام المملكة العربية السعودية، ليس فيها شيء مما يزعمه عمرو ومن لف لفه.
3- من جهل الإعلامي وظلمه وادعائه بالباطل: أنه يحاول أن يصور أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستلزم القول بأن الشعب لا يعرف ربه، وأن أغلبية الشعب كافر لا يصلي ولا يصوم ولا يحج، كان ينبغي على هذا الإنسان أن يتعلم أولا ثم من بعد يوجه أو ينتقد، لكن لا يصلح أن يفرض جهله على الناس لمجرد أن له منبرًا إعلاميًا يطل منه يوميًا على الناس، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة إسلامية تمارس في المجتمع المسلم، ولها ولاية من ضمن ولايات الدولة تعرف في كتب السياسة الشرعية بولاية الحسبة، بل هناك كتب مصنفة في هذه المسألة تحديدًا بحيث اقتصر التأليف فيها على الحديث عن الحسبة، فلو كان عمرو اطلع على أحد هذه المصنفات لأغناه عن كل كلام قاله في هذا الأمر.
4- يحرض الإعلامي المتميز الناس على عدم الاستجابة لمن يدلهم على الخير ويلتزم بحكم الشرع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول: "ما حدش يقرب لي ما حدش يقرب لي، اللي ها يجي يقول لي صلي ولا صوم ملوش دعوة بي مش شغلته". كلام أطفال صغار وليس كلام كبار عقلاء، ألا فليعلم الإعلامي عمرو ومن ينخدع بكلامه أن من أسباب لعنة الله تعالى على بني إسرائيل أنهم أهملوا هذه الفريضة وتركوها جانبًا.
قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79]. كما بين الله تعالى أن من صفات عباده الصالحين الذين يمكنهم في الأرض أنهم يقومون بهذه الشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].
بل من أسباب خيرية أمة سيد الأولين والآخرين: أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. والمسلم صاحب مصلحة حقيقية تعود عليه في الأمر والنهي، فهو حقًا ساع في خير الآخرين لكنه في الوقت نفسه يبحث عن مخرج له كي لا يعاقبه الله تعالى على ترك هذه الشعيرة،
قال أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- الخليفة الراشد وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: "إن الناس يقرءون هذه الآية لا يدرون كيف موضعها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: 105]. وإن القوم إذا عمل فيهم بالمعاصي فلم ينكروه، ورأوا الظالم فلم يغيروا عليه، عمهم الله بعقاب".
5- الإعلامي الليبرالي عمرو أديب الذي يؤمن بقيم الحرية يحرض السلطات على قمع الإسلاميين ويستفزهم لذلك استفزازًا، ويستنهض هممهم وكأن الحريات من الحقوق التي يحق لكل أحد أن يتمتع بها، إلا أن يكون إسلاميًا يقول: "الدولة يجب أن تتحرك فيه حاجات يا جماعة ضد الدولة... إزاي تسمحوا بحاجة زي دي إزاي، إزاي جمعية زي دي يتم إشهارها". الشيء الغريب أن هذا الانسان لا يستطيع أن يتجمل ويظهر بمظهر حسن، بل لا يستطيع أن يكتم غيظه وحقده على الإسلاميين حتى لو خالف ذلك ما يتشدق به، ذات مرة سئل وقيل له ما موقفك لو أن الديمقراطية أتت بالإخوان للحكم فكان رده الفوري من غير إبطاء ولا تلعثم: "تولع تولع".
هذه النقاط فقط استخلصتها من أول 9 دقائق من مقطع فيديو لذلك الإعلامي مدته 27 دقيقة، وقد تركت التعليق على البقية لأن المراد ليس تعقبه، فإن ذلك يحتاج إلى أزمان وتتبع طويل، وإنما سقت ما سقت حتى يأخذ الناس حذرهم من أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا وقلوبهم ليست معنا، وحتى لا نترك مثل هؤلاء يعيثون في الأرض فسادًا ويخربون عقول الناس وأفئدتهم، مما يعني أنه لا بد لنا من بذل جهود مضاعفة في الإصلاح في مجالات متعددة، وعلى رأسها مجال الإعلام الذي ترك في أحوال ليست بالقليلة في أيدي أناس لا يحسنون غير العويل واللطم مثل ما تفعل النساء، والله الهادي إلى سواء السبيل.
محمد بن شاكر الشريف
محمد بن شاكر الشريف
باحث وكاتب إسلامي بمجلة البيان الإسلاميةوله عديد من التصانيف الرائعة.
- التصنيف: