الانتكاسة: أسبابها وعلاجها

منذ 2024-05-30

يأتي الران للإنسان بعد سلسلة من المعاصي المتعاقبة المتتالية التي استطاع الشيطان الانتصار بها عليه، ثم نتاج ذلك الكسب الخاطئ يطبع على القلب بالران حتى يُحجَب عن الله.

عندما كنتُ في شهر رمضان وجدتُ الروحانية والطُّمَأْنينة في كل شيء، حتى إنني أتأثر بالآيات والمواعظ والخطب، وأرى أنني بخير وفي أحسن الأحوال، ثم أجد نفسي بعد رمضان تعود إلى الفتور والخمول والتكاسل، فتغيب الهمة عن المنافسة والفوز بالتجارة الرابحة مع الله.

 

نحن ضعفاء لولا ستر الله.

 

• نكون في مواطن أكثر قربًا من الله، ثم نجد أنفسنا في مواطن أخرى لسنا كذلك؛ ذلك هو الضعف.

 

• لأننا بشر ولسنا ملائكة أو أنبياء، والله يخاطبنا قائلًا: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

 

• لو سألنا أنفسنا  كيف كانت في رمضان؟! سوف تجيب أنفسنا قائلة: "كانت هناك روحانية في قراءة القرآن، والحفاظ على الصلوات، ومقارعة الشيطان في الخلوات، ثم فجأة خرجنا من رمضان بعد أن حسبنا أنفسنا قد انتصرنا على الشيطان في معركته الأبدية نعود إلى ذلك الفتور والكسل والتنصُّل من المسؤولية التي أوكلنا الله بها.

 

•  {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13].

 

• ماذا لو جددنا النية، وقرأنا كل يوم خمسين آية؟!

 

• ماذا لو أفرغنا بعض الدقائق تلك التي نقضيها في مواقع التواصل؟!

 

• ربما كلنا نعاني هذا الضعف والانهزام والكسل والخمول، وتلك أسباب الغفلة.

 

• الانتكاسات نتعرض لها جميعًا، لكن الأسمى منا من يعود قلبه، ويُشرِق فجرُه.

 

يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].

 

• خطاب إلهي للذين اتقوا، والله يعلم بأن الشيطان يكيد لهم، ويزين لهم، ويغويهم، ويمسهم منه طائف من الذنوب؛ لكنه سبحانه يدعونا إلى التذكُّر لأجل الاستبصار.

 

• الاستبصار هو أن تعلم ذنبك، ثم في لحظة بينك وبين نفسك اللوَّامة تقول: "لماذا وقعت؟!".

 

لماذا انتكست؟! وأنا من كنت في الصفوف الأولى بين المُصلِّين، وكنت...، وكنت...علينا بالتذكُّر كي نعود.

 

• نستطيع في أغلب الوقت أن نتصفح الفيس بوك، والواتس، واليوتيوب، وكل المواقع التي استطاع الغرب إقناعنا بها تحت مسمى "التكنولوجيا".

 

• ثم ماذا؟

 

• نقترب من المصحف لأجل أن نقرأ فلا نستطيع.

 

• يؤذِّن المؤذن ونحن نمرُّ جوار المسجد، فنتكاسل عن الدخول ولا نستطيع!

 

• حي على الصلاة، الصلاة خيرٌ من النوم، ونحن نسهر حتى قرب الفجر ثم ننام ولا نستطيع النهوض!

 

• تلك موعظة، وتلك خطبة جمعة، وذاك يتلو القرآن، وذاك يُحدِّث، ونحن ساهون، متغافلون، لاهون، قد أفسدتنا الذنوب، وطبعت على قلوبنا بالران الذي جعلنا لا نبصر ولا ندرك، جعلنا صُمًّا وبُكْمًا، وعُمْيًا، وقد أضعنا الطريق.

 

وطبعت على قلوب العاصين منا نكتة سوداء اسمها "الران"، ذلك الغلاف الذي يحجب الإنسان عن سماع المواعظ والأحاديث، ويبعده عن الله.

 

يقول سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14].

 

• يأتي الران للإنسان بعد سلسلة من المعاصي المتعاقبة المتتالية التي استطاع الشيطان الانتصار بها عليه، ثم نتاج ذلك الكسب الخاطئ يطبع على القلب بالران حتى يُحجَب عن الله.

 

• فتور عن القرآن، عن الصلاة، عن سماع المواعظ، لا يوجد لذة في ذلك، انتقاد للسلف من السنة والجماعة، عدم إدراك للنفس، كانت كلها سبب الران.

 

• وقف عليها أحد التابعين العباد ثم بكى بكاءً عظيمًا، وتمنَّى من الله أن يكون من هؤلاء رغم عبادته وخوفه وصلاحه.

 

يقول الله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102].

 

يا رب، اهدنا صراطك المستقيم الذي أنرت به قلوب صحابتك الأخيار، والتابعين من بعدهم، والصالحين ممن توليتهم، اهدنا حتى ندرك أنفسنا التائهة، المنتكسة، اللاهية، الغافلة، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

 

وإن تهنا يا رب عن طريقك المستقيم، نستغفرك، ونرجو أن نصل إليك كل حياتنا، وألَّا ننتكس بعد أن عَرَفنا الطريق إليك.

_______________________________________
الكاتب: د. عبدالجليل علي الشجري