عقوبة انتشار المعاصي

منذ 2024-09-28

من أهم أسباب ضياع الأمم وهلاك المجتمعات وفسادها، ومن أسباب حلول النقم ونزولها.. ظهور المعاصي والسيئات، وانتشار الفواحش والموبقات

أمر الله عباده بالسير في الأرض والنظر والتفكر في حال الأمم السابقات والقرى المهلكات والدول الضائعات، والمدن المعاقبات، ليعلموا سبب هلاكها ويأخذوا العبر ممن سبقهم قبل أن يكونوا هم عبرة لمن بعدهم.

وقد بين الله في كتابه أن من أهم أسباب ضياع الأمم وهلاك المجتمعات وفسادها، ومن أسباب حلول النقم ونزولها.. ظهور المعاصي والسيئات، وانتشار الفواحش والموبقات، والإعلان بالمخالفات والمنكرات مع عدم وجود من يمنع أو يردع أو ينكر أو ينهي ويدفع.

قرر الله هذه الحقيقة في سورة الإسراء حيث يقول سبحانه وتعالى:
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16]، يعني أهلكناها هلاكا ماحقا ساحقا.

والعجيب أن الله نسب الفسق للمترفين ونسب الهلاك للأمة أجمعين.. ذلك أن المترفين لما فسقوا فيها تابعهم غيرهم فعملوا بعملهم فاستحقوا جميعا عقاب الله.
أو أن المترفين لما فسقوا فيها وأفسدوا وبغوا وأظهروا الفواحش وعملوا بالمنكرات لم ينكر عليهم الآخرون، فأهلك الله تعالى الفاعلين والساكتين.

سنة كونية
إن انتشار الذنوب والمعاصي خرابٌ للديار العامرة، وسلبٌ للنعم الباطنة والظاهرة.. فهي تزيل النعم، وتحل النقم، وتوجب نزول العقاب والفتن، وهي أيضا سبب ظهور الفساد في الأرض
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41].

وفي كتاب الله إخبار عن أمم أهلكها الله وأبادها وأنزل عليها الرجز والعذاب الأليم، وبيان أن سبب ذلك كله كان المعاصي والذنوب، بداية من الكفر إلى ما سواه من المهلكات والموبقات والسيئات؛ قال تعالى عن قوم نوح:
{مِّمَّا خَطِيٓـَٰٔتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَارًا فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَارًا} [نوح:25].

وقوم لوط بلغوا من الخبث والقذارة أنهم لم يعودوا يتحملون رؤية أهل الطهارة فقالوا:
{أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56].  فجعل الله عالي قريتهم سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82، 83].

واستخف فرعون قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين.. ففلق الله البحر لموسى وقومه فأنجاهم، وأطبقه على فرعون ومن معه فأغرقهم أجمعين:
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ} [الزخرف:54ـ56].

وقال سبحانه عن أقوام أهلكهم بأنواع القواصم والفواقر:
{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40].

وقال عن غيرهم:
{فأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام:6].

إذا كثر الخبث:
فهي سنة لله تبارك في خلقه: أنه متى ظهر الفسادُ، وكثر الخبث، وعلا صوت المنكر، وأعلن الناس بالمخالفة والمعصية، استوجبوا بذلك العقوبة ولابد.
روى البخاري عن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يقولُ:
«لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ! ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ؛ فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه»، وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ الإبْهَامِ والَّتي تَلِيهَا، قالَتْ زَيْنَبُ بنْتُ جَحْشٍ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: «نَعَمْ؛ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ» .

. إذا فشا الزنا وانتشرت بين الناس أسبابه، وتيسرت طرقه وسبله، ولم يعاقب عليه إذا كان بالتراضي، أو إذا قنَّنَته الدول وأعطت عليه الرخص القانونية.

. إذا ظهر الربا وعلت منابره ومنائره ودعي إليه الناس في العلن، وسارع إليه الناس يأخذونه ويأكلونه من غير خوف ولا وجل ولا خجل. روى أحمد عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما ظهرَ في قومٍ الزِّنا والرِّبا؛ إلَّا أحلُّوا بأنفسِهِم عذابَ اللهِ» (رواه أحمد والطبراني، وهو في صحيح الجامع).

. إذا شربت الخمور، وانتشرت المعازف، وظهرت القينات، وأقيمت الحفلات ـ حفلات الغناء والرقص الخليع واللهو الماجن تحت مسمى الترفيه أو السياحة ـ استحق الناس عقوبة الله.. كما في حديث عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف»، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: «إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور» (رواه الترمذي وصححه الألباني).

. إذا خلعت النساء الحجاب وخرجن كاسيات عاريات، مائلات مميلات متعطرات متزينات.

.إذا ظهر في الناس الغش والخداع والظلم والبغي، وطغى بعضهم على بعض، وأكل بعضهم بالباطل مال بعض.

.إذا ظهر الكذب وسوء الخلق، والعقوق وأكل الحقوق وقطيعة الأرحام وسوء الجوار.

قانون الله لا يتغير ولا يحابي، وليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب ولا قرابة، ولا لأحد عليه منة ولا لأحد عنده مقام إلا بقدر طاعته واتباع أمره
{ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به} [سورة النساء:123].

سبيل النجاة:
ولا يرد عقاب الله ونقمته عن الناس إلا بالتدافع، أن يتدافع أهل الحق مع أهل الباطل، وأهل الإيمان مع أهل الكفران، وأهل الفضيلة مع أهل الرذيلة؛ لنشر الحق والخير وتكثيره، ومحاربة الباطل ومقاومته وتقليله؛ حتى لا يكثر الخبث..

فسبيل النجاة من عقاب الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا» .