لا تيأس
لا تيأس من رحمة الله أبدًا، انتظر الفرج، ولكن اصبر لا تتعجَّل الأمور، فالله تعالى جعل لكل شيءٍ سُنة وطريقة تأتي بها في النهاية.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فاليأس من مداخل الشيطان على الإنسان، فمن أيس من رحمة الله عز وجل، فحياته عذاب، فهو مقيم على الذنوب، منهمك في المعاصي، لا ينتظر حصول فرج عند وقوع مصيبة، ولا يرجو رزق عند وجود فقر وضيق معيشة، ولا يفكر في نجاح بعد رسوب، ولا يأمل في ربح بعد خسارة، ولا ينظر إلى الحياة بتفاؤل، فحياته مظلمة، ونظرته إلى الدنيا قاتمة، وهذه ليست من سمات المسلم، فالمسلم لا ييأس من رحمة الله جل وعلا أبدًا، ولو عظمت ذنوبه ومعاصيه، وتوالت عليه المصائب، وتكاثرت عليه الخسائر؛ لأنه يرجو رب كريم رحيم بعباده، أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
للسلف أقوال عن اليأس يسَّر الله الكريم فجمعتُ بعضًا منها أسأل الله أن ينفع بها.
اليأس:
قال الراغب الأصبهاني رحمه الله: اليأسُ: انتفاء الطمع.
قال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله: اليأس: ضد الرجاء.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: اليأس...عدم الرجاء وعدم الأمَل في حُصول الشيء.
اليأس والقنوط:
قال العلامة سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: القنوط...قال أبو السعادات: هو أشدُّ اليأس من الشيء. قلت: فيكون القنوط من اليأس، وظاهر القرآن أن اليأس أشد لأنه: حكم لأهله بالكفر، ولأهل القنوط بالضلال.
قال العلامة عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله: القنوط بمعنى اليأس، إلا أن اليأس أشدُّ من القنوط، فاليأس كفر، والقنوط ضلال {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56] وقال في اليأس: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] كما أن الأمن خسارة: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99].
اليأس من روح الله:
قال العلامة سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب رحمه الله قوله: ((اليأس من روح الله))؛ أي: قطع الرجاء والأمل من الله فيما يرومه ويقصده.
قال العلامة عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: قوله: ((اليأس من روح الله))؛ أي: قطع الرجاء والأمل من الله، فيما يخافه ويرجوه، وذلك إساءة ظن بالله، وجهل به وبسعة رحمته، وجوده، ومغفرته.
قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله: اليأس هو: قطع الرجاء، بحيث إن الإنسان ييأس، وكأنه لا يستحضر سعة فضل الله، وسعة قدرته، وكأنه إذا وقع في شدة يئس من زوالها، فإذا وقع مثلًا في فقرٍ أو سجنٍ ظلمًا، أو ما أشبه ذلك، قطع رجاءه ولم يبق مؤملًا للنجاة، واعتقد أن ربه تعالى لا يقدر على نجاته أو لا ينجيه، أو أنه لا يستحق النجاة، أو ما أشبه ذلك.
لا تيأس من رحمة الله:
عن قتادة رحمه الله في قوله: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87]، قال: من رحمة الله.
عن ابن زيد رحمه الله في قوله: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}، قال: فرج الله، يفرج عنكم الغَمَّ الذي أنتم فيه.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: المؤمن يرجو فرج الله.
قال العلامة الألوسي رحمه الله: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}؛ أي: لا تقنطوا من فرجه سبحانه وتنفيسه.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: لا تيأس من رحمة الله أبدًا، انتظر الفرج، ولكن اصبر لا تتعجَّل الأمور، فالله تعالى جعل لكل شيءٍ سُنة وطريقة تأتي بها في النهاية.
قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: الواجب علينا الصبر عند المصائب وعدم اليأس من روح الله.
اليأس من رحمة الله عز وجل من صفات الكفار:
قال الإمام الطبري رحمه الله: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته، ويقطع رجاءه منه {إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته على ما يشاء تكوينه.
قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: جعل اليأس من رحمة الله وتفريجه من صفات الكافرين.
قرن الله جل وعلا الرحمة مع العقوبة لئلا يحصل اليأس:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 167] قوله: {لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي: لمن عصاه وخالف شرعه {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي: لمن تاب إليه وأناب، وهذا من باب قرن الرحمة مع العقوبة لئلا يحصل اليأس.
اليأس من رحمة الله عز وجل من أكبر الكبائر:
قال ابن مسعود رضي الله عنه: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله.
قال العلامة ابن باز رحمه الله: الكبائر أنواع وطبقات، ومن أكبرها اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله.
قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: اليأس من رحمة الله من كبائر الذنوب.
اليأس من رحمة الله من أعظم الذنوب:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: قال علي رضي الله عنه لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه: يا هذا، يأسك من رحمة الله أعظم من ذنوبك.
اليأس من رحمة الله إلقاء للنفس في التهلكة:
قال العلامة السعدي رحمه الله: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]؛ أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، فتبقون بسبب ذلك مُصرِّين على العصيان، متزوِّدين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم، بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] من الشرك والقتل والزنا...وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار.
لا تيأس من إجابة الدعاء ولو تأخرت الإجابة لسنوات:
قال مورق العجلي رحمه الله: دعوت ربي في حاجة عشرين سنة، فلم يقضِها لي، ولم أيأس منها.
قال ابن الجوزي رحمه الله: يا طالب النجاة، دُم على قرع الباب، وزاحم أهل التقى أولي الألباب، ولا تبرح وإن لم يفتح، فرُبَّ نجاحٍ بعد اليأس، ورُبَّ غنى بعد الإفلاس.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: إذا دعوت الله عز وجل بأي شيءٍ فلا تيأس، لا تقل: هذا لا يمكن، إلا ما كان عدوانًا واعتداءً فلا يجوز، وهذا يفتح للإنسان باب الرجاء وباب دعاء الله واللجوء إليه.
لا تيأس من التوبة ما دمت تندم على ذنوبك:
قال الجنيد رحمه الله: لا تيأس من نفسك، وأنت تشفق من ذنبك، وتندم عليه بعد فعلك.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: لا تيأس من نفسك ما دمت تندم على ذنبك.
اليأس من التوبة إلقاء باليد إلى التهلكة:
قال العلامة السعدي رحمه الله: الإلقاء باليد إلى التهلكة...يدخل تحت ذلك أمور كثيرة، فمن ذلك:...الإقامة على معاصي الله، واليأس من التوبة.
لا تيأس من دعوة الناس ولو أعرضوا أو اعترضوا:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: يتعين على كل من عنده علم أن ينشره بحسب قدرته، ويلقيه على الناس على اختلاف طبقاتهم من طلبة وعوام وخواص على قدر ما تسنح الفرصة، فلو جرى أهل العلم هذا المجرى لحصل خير كثير...ولا ينبغي لهم أن يملكهم اليأس ويعتذروا بكسل الناس، وليقتدوا بمعلم الخير وإمام الخلق صلوات الله وسلامه عليه، فإنه ما زال يدعو الخلق في جميع الأوقات، ويكرر الدعوة مع إعراض المدعوين ومعارضتهم، ويدعو إلى سبيل ربه بالتي هي أحسن، ولا يمل ولا يسأم من الدعوة والتعليم سواء وافق إقبالًا من الناس ونجاحًا، أو صادف نفورًا وإعراضًا.
لا تيأس من هداية أحد:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: لا تيأس كم قلب لان للحق وهو من أفسق عباد الله سبحانه وتعالى.
لا تيأس، كم من إنسان استبعد الإنسان أن يهديه الله فهداه الله.
لا تيأس من شفاء أي مرض لا يُرجى زواله:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: الإنسان قد يُصاب بمرض مثلًا فييأس مِن برئه بعد العلاج، فيُقال له: لا تيأس، إن الله على كل شيء قدير، وأنت إذا أراد الله أن يبقي المرض بك، فقد يكون خيرًا لك؛ لأنك تكسب من ورائه الثواب من الله عز وجل لأنه لا يصيب المؤمن من همٍّ ولا غمٍّ ولا أذًى حتى الشوكة يُشاكها إلَّا كفَّر الله به- يعني: من ذنوبه- فأنت لا تيأس إذا أصابك مرضٌ لا يُرجى زوالُه مثلًا، فإن الله على كل شيء قدير.
الإنسان لا ينبغي له أن ييأس من الشفاء ولو بلغ به من المرض ما بلغ...فلا تيأس من رحمة الله سبحانه وتعالى...فإن الله قد ييسر لك ما يكون سببًا لشفائك...كم من إنسان دعوا له الغاسل، واشتروا له الكفن، وقربوا له النعش، وتهيأ أصحابه لتشييعه ثم يعافيه الله عز وجل؛ لأن الله على كل شيءٍ قدير.
لا تيأس أن يبدلك الله بزوجة خير من زوجتك التي طلقتها، وأيضًا الزوجة لا تيأس:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: لا تيأس حتى ولو استبعدت أن الله يبدلك خيرًا منها، أو أن الله يبدلها بخير من زوجها، فلا تستبعد، فإن الله سيغنيك من سعته.
لا تيأس من حصول الرزق:
قال العثيمين رحمه الله: الله يرزقك من حيث لا تحتسب...فلا تيأس وتقول: أين الرزق من حيث لا أحتسب؛ بل انتظر وثق بوعد الله، وصدِّق به وستجده ولا تتعجل.
لا تيأس وغلب جانب التفاؤل:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: من منهج التفكير لدى المسلم أن يغلب جانب التفاؤل، ويحذر من القنوت، واليأس الذي يحمله على عمل أشياء منكرة، التفاؤل والإيجابية هذه تعطيك انطلاقة.
لا تيأس من أي شيء تريده من الله جل وعلا:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: لا تيأس من أي شيء تريده من الله عز وجل... من آمن بأن الله على كل شيء قدير، فإنه يطرد عنه اليأس....كم من أضرار حدثت للإنسان حتى أوصلته إلى اليأس والقنوط فكشفها الله عز وجل.
القنوط هلاك:
قال ابن مسعود رضي الله عنه: الهلاك في اثنتين: القنوط، والعجب.
القنوط من وسوسة الشيطان:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: العاصي المنهمك إذا خطرت له التوبة، قال له الشيطان: وأنَّى تُقبَل توبتك، فيقنط من رحمة الله تعالى.
الهداية والعلم العظيم يمنعان من القنوط:
قال العلامة السعدي رحمه الله: من أنعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم، فلا سبيل إلى القنوط إليه؛ لأنه يعرف من كثرة الأسباب والوسائل والطرق لرحمة الله شيئًا كثيرًا.
- التصنيف: