(وعاشروهن بالمعروف)

منذ يوم

معاشر المؤمنين الكرام: خلق الله الخلق للابْتِلَاءِ وَالاخْتِبَار، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور} [الملك:2]، وعلى هذا فلا بد من الصبر والمصابرة، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًَا} [الفرقان:20]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [آل عمران:200]، وفي صحيح البخاري، قال صلى الله عليه وسلم: «وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».. وفي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له».

 

وَمِنْ حكمة الله وبديع آيَاتِه في خلقه أَنَّهُ تعالى لَمْ يَخْلُقِ اثْنَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ تَمَامًَا في الصِّفَاتِ وَالأَخْلَاقِ، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين} [هود:118].. والعلاقة الزوجية مِن أَقدَسِ العِلاقاتِ في الإِسلامِ، حتى أنها سُمِّيَت في القُرآنِ مِيثَاقًا غَلِيظًا، وَإِنَّ مِن حَسَنِ حظ المُسلِمِينَ عمومًا، أَنَّ هَذِهِ العِلاقَةَ الكَرِيمَةَ، قَد حَظِيَت بِالتَّقدِيرِ وَالإِجلالِ، مِن قِبَلِ الجميع، وغالبًا ما يحَرِص الأَقَارِبُ عَلَى دَوَامِ تِلكَ العِلاقَةِ وَتَقوِيَتِهَا، وَرَدمِ مَا قَد يَحدُثُ فِيهَا مِن الفَجَوَات، وَسَدِّ مَا قد يصيبها مِن الثَغَرَات، وكثيرًا ما يوجد من يسَعي سعيًا حَثِيثًا لِلإِصلاحِ مَعَ بِدَايَةِ أَيِّ نزاعٍ أو شقاق، وَهَذِا بحمد الله نَتَيجةً لما تعلمه المُسلِمُونَ من تعاليم دينهم الحنيف، وما أَخَذَوهَ عَن كِتَابِ رَبِّهِم وَسُنَّةِ نَبِيِّهِم صلى الله عليه وسلم، فعاشت أغلب الأُسَرِ هانئةً مُستَقِرَّةً، وإن مِن أَسوَأِ مَا قد يَمُرُّ بأقارب الزوجين، أَن يحدث بينهما خلافٌ أو شِقاق، خَصوصًا إن كان بينهما أَبنَاءٌ وَبَنَات، يخشى عليهم الضَّيَاع وَالشَّتَاتَ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: بَيتَ الزَّوجِيَّةِ حصنٌ حصين، تُحفَظُ بِهِ الأُسرَةُ وَالأَبنَاءُ مِنَ الضَّيَاعِ، لَكِنَّ مِن طَبِيعَةِ الحَيَاةِ أَن يَحصُلَ فِيهَا مَا يَحصُلُ مِن خِلافٍ ونزاع، وَالنُّفُوسُ تُقبِلُ وَتُدبِرُ، وَالقُلُوبُ تَتَوَادُّ وَتتَآَلفُ، وَقَد تَتَنَافَرُ وَتتَخالفُ، لَكِنَّ توافه الأُمُورِ وَصَغَائِرَهَا يَجِبُ أَلاَّ تُكبَّرَ وَتُضَخَّمَ، حَتى تَكُونَ سَبَبًا في خَرَابِ البُيُوتِ وَضَيَاعِ الأَبنَاءِ، وإنّ مما يَجِبُ عَلَى الزَّوجَينِ أَلاَّ يَتَسَرَّعَا في اتِّخَاذِ قَرَار الانفصال، قَبلَ النَّظَر مليًا في عَواقِبهِ ومآلاته..

ومَا أَجمَلَ التَّغَافُلَ عَمَّا يُمكِنُ التَّغَافُلُ عَنهُ مِنَ الزَّلاَّتِ، وعدم تَتَبِّع الأَخطَاءِ وتضخيم الهفوات.. والكفُّ عن الجِدَالِ إن كان سيُؤَدِّي إِلى تعميق الخلافات، كما أن تَدَخُّلُ الأَهلِ في كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرةٍ، مَجَالٌ لِتَعَدُّدِ الآرَاءِ وَاختِلافِ وُجهَاتِ النظر وَتَشَعُّبِ الأُمُورِ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الأَفضَلَ أَن ينفرد الزَّوجَانِ بَحِلَّ مُشاكِلهمَا قَدرَ الإِمكَانِ، وإلا لجئا إلى مستشارٍ ناصحٍ حكيم، مع الرغبة الصادقة من الطرفين في الإصلاح، وتوطين النفس على التَّنَازُلِ وَالتَّوَاضُعِ والتّطاوع، وَعَدَمِ نِسيَانِ مَا بَينَهُمَا مِنَ الفَضلِ وَالخَيرِ والإحسان..

ومَا أَجدَرَ الزَّوجَ أَن يَكُونَ كَرِيمًا حَلِيمًا صَبُورًا، وَأَلاَّ يَكُونَ غَضُوبًا سَلِيطَ اللِّسَانِ مَنَّانًا، كَثِيرَ التَّأنِيبِ وَاللَّومِ.. ففي الحديث الصحيح، َقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»؛ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا، وَخِيَارُهُم خِيَارُهُم لِنِسَائِهِم»، (والحديث حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ).. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ»، (والحديث في الْبُخَارِيُّ).. وما أجدر الزوجة بمثل ذلك من الاخلاق والصفات.. ففي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بنسائِكم مِنْ أهلِ الجنةِ؟ الودودُ الولودُ، العؤودُ؛ التي إذا ظَلمت أو ظُلِمَتْ قالت: هذه يدي في يدِكَ، لا أذوقُ غمْضًا حتى تَرْضَى».. وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» (صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

 

وَوَاقِعُ الحَيَاةَ لِكُلٍّ النَّاسِ، أنّ فِيهَا الحَسَنُ، وَفِيهَا السَّيِّئُ، وَفِيهَا الجَمِيلُ، وَفِيهَا القَبِيحُ، فَمَا أَحرَى الجميع أَن يَعِيشُوا حَيَاتَهُمُ الَّتي قَسَمَ اللهُ لَهُم، وَأَن يَبتَعِدُوا عَن المقارنات، وعن التطلع لحَيَاةِ المَشَاهِيرِ في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وعبر القنوات، والتي لا تُظهر إلا الجانب الحسن (إن وجد)، وَليوقن الجميع أنَّ الرِّضَا بِمَا قَدَّرَ اللهُ هُوَ مِفتَاحُ الاستقرارِ والفَلاحِ، وَالقَنَاعَةُ كَنزٌ، واذا نظَر كُلّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوجَينِ إلى حَسَنَاتِ الآخِرِ وركز عليها، فإنّ ذلك مما يزيدُها وينميها، ويُهدئ النفوس ويرضيها.

 

ثمّ إنّ عَلَينَا أَن نَتَدَارَكَ أَنفُسَنَا وَمَن نحبُّ، وأن نستشعر عِظَمِ المَسؤُولِيَّةِ وَثِقَلِ الأَمَانَةِ، وما نسمعه عن تفاقم حالات الخلع والطلاق، أمرٌ مؤسفٌ ومؤشرٌ خطير، لا يسر إلا الأعداء والشيطان، ففي صحيح مسلم: قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ»..

ولنعلم أنّ الله قَد أَمَرَنَا بِوِقَايَةِ أَنفُسِنَا وأهلينا، وَحَذَّرَنَا مِن أَن يَكُونَ مَن نُحِبُّهُ عَدُوًّا لَنَا، وَحَمَّلَنَا الأَمَانَةَ وَنَهَانَا عَنِ الخِيَانَةِ، وَجَعَلَ لِلرِّجَالِ القِيَامَ عَلَى النِّسَاءِ، وَأَمَرَهُم عِندَ خَشيَةِ الشِّقَاقِ وَفَسَادِ الأحول بالسعي في الإِصلاحِ، وضمِن لهم التوفيق والنجاح، إن كانت الإِرَادَةُ صَالِحَة وَالنِيَّةُ حَسَنَة، فقَالَ جلّ وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهج ُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ وَاضرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعنَكُم فَلا تَبغُوا عَلَيهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفتُم شِقَاقَ بَينِهِمَا فَابعَثُوا حَكَمًا مِن أَهلِهِ وَحَكَمًا مِن أَهلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَينَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:34].. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} [التحريم:6]..

وَقَالَ تَعَالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ * وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وأولادكم فتنة وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:27].. وفي صحيح البخاري، قال صلى الله عليه وسلم: «أَلا كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإِمامُ الذي علَى النَّاسِ راعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى أهْلِ بَيْتِ زَوْجِها، ووَلَدِهِ وهي مَسْئُولَةٌ عنْهمْ، وعَبْدُ الرَّجُلِ راعٍ علَى مالِ سَيِّدِهِ وهو مَسْئُولٌ عنْه، ألا فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ»..

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَلْيَعرِفْ كُلٌّ مِنَّا مَا لَهُ وَمَا عَلَيهِ مِنَ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ، وَلْنُحسِنْ التَّعَامُلَ مع المشاكل الزوجية بِحَسَبِ مَا يُوجِبُهُ الدِّينُ وَالعَقلُ، لا بِحَسَبِ مَا تُملِيهِ النَّفوسُ وَالهَوَى وَالشَّيطَانُ، وَلْنَحذَرِ التَّطَلُّعَ إِلى الكَمَالِ؛ فَإِنَّ النَّقصَ مِن طَبِيعَةِ البَشَرِ، وَلْنَحرِصْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَعَدَمِ مَعصِيَتِهِ، فَإِنَّ المَعَاصِيَ تُزِيلُ الخَيرَ وَالنِّعَمَ، وَهِيَ سَبَبُ لحُصُولِ الشَّرِّ وَحُلُولِ النِّقَمِ، قَالَ أَحَدُ السَّلَفِ: إِنِّي لأَعصِي اللهَ تَعَالى فَأَعرِفُ هَذَا في خُلُقِ زَوجَتي وَدَابَّتي..

 

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم * فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [التغابن:14]..

معاشر المؤمنين الكرام: من طبيعة الحياة إنّ دوام الحالِ من المحال، وأنَّ النسيمَ لا يهبُ عليلًا على الدوام، فقد تثور المحن، وتنشب الخلافات، وإنّ من العقل توطين النفس وتعويدها على قبول بعض المضايقات، وحصول بعض المنغصات والمزعجات، فهي بمثابة الملح والبهارات، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19].. والتغافلُ سترُ البيوتِ، والتناصحُ قِوامُ الأُسرِ، والأبوان أركانُ البيتِ، فمتى ما كانا متماسكينِ متعاونينِ سارات عجلة الحياة على ما يرام، واستقرت أحوال الأبناء بخيرٍ.. يقول أحد المستشارين الأسريين: هناك قاعدتان أساسيتان في استقامة الحياة الأسرية وحلِّ أكثر مشاكلها إن لم تكن كلها..

 

القاعدة الأولى: فهمُ أنّ الزوجين خُلقا مُختلفين.. مختلفين في النشأة، وفي البيئة، وفي التربية، وفي الأسرة، وفي التعليم، وفي التركيبة النفسية، وفي البنية الجسمية، وفي درجة الذكاء، وفي القدرة على ضبط النفس والتحكم في المشاعر، وفي الفهم المناسب للحياة، وفي مقدار التجربة، وفي غير ذلك، ثم لا بد أن نعلم جيدًا أنّ هذا الاختلاف الكبير بين الزوجين يترتبُ عليه استحالةُ أن يتساوى تصرف الزوجين حيال ظروف الحياة ومعطياتها.. بل سيكون لكل واحدٍ منهما ردة فعل تختلف عن الآخر.. وإنّ إجبار الحياة الزوجية أن تكون بصورة متفقٍ عليها تمامًا بين الاثنين هو بمثابة إعلانُ حربٍ على السعادة، ونشوب صراعٍ مؤلم بين الطرفين قد لا تحمد عوقبه.. هذه هي القاعدة الأولى: خلقا مختلفين، والحل: أن نفهم ونتذَكر دائمًا أن هذا الاختلاف بين الزوجين هو اختلافٌ (للتنوع والتكامل)، وليس (للتفرق والتناحر)، وأن نجعل من هذا الاختلاف سببًا للتعلم والبحث عن الأفضل لدى الطرفين، وليس سببًا في الانحدار نحو النزاع والخلافات.

 

ثم يقول الخبير: أجزم بإذن الله تعالى أن احترام حقيقة هذا (الاختلاف) واعتباره أصلًا وأساسًا في الحياة، هو بوابة الحياة الزوجية السعيدة..

 

أما القاعدة الثانية: فهي أن الزوجة (ترغب) في التحدث عن المشكلة، والزوج (يرغب) في حل المشكلة.. وهذه قاعدة توزن بالذهب والألماس، ففيها أرقى درجات التفاهم، والسحر الحلال لكسب القلوب، وهي بوابة السعادة والهناء بإذن الله.. وإن كانت فرعًا عن القاعدة الأولى..

 

يقول الخبير: من المألوف أن تشتكي الزوجة من كثرة أعباء المنزل، أو من تربية الأبناء ومعاناتهم، أو من مديرة المدرسة، أو من زميلتها في العمل، أو منك أيها الزوج أو من إحدى قريباتك، أو من الشغالة أو من جارتها، أو من الخياط الذي أفسد فستانها أو من غير ذلك، فتنبه فهي في الحقيقة لا تريدُ منك حلًا لهذه المشكلة أو تلك، ولا تريد منك نصيحةً ولا توجيهًا، فماذا تريد إذن.. تريد حسن (الاستماع) لمشكلتها، تريد (الإنصات) فقط، فهي بذلك تداوي نفسها بنفسها، وتعالج جراحها بلسانها، وتشعر بارتياحٍ تامٍ كلما أطالت فترة الشكوى، وتعمقت في التفاصيل.. وقد ينتقلُ الأمر من مشكلةٍ إلى أخرى، بلا تمهيدٍ أو مقدمات، فما عليك إلا مواصلةُ مسلسل الإنصات، وتذكر دائمًا أنَّ حلَّ مشاكل الزوجات، يكمن في حسن الاستماع والإنصات.. فإذا كان الزوج حكيمًا، وشعر أنّ هناك مشكلةً ما، فعليه أن يهيئ الجو المناسبِ للحديث، ثم ينصت باهتمام، ريثما يتم تفريغ كامل الشحنة، ثم سترى بعدها كيف يتحول النقد القاسي، والهجومُ المؤذي إلى تقديرٍ وامتنان، ونسيان للمشكلة..

 

وفق الله الجميع لكل خير وأعانهم، وصرف عنهم كل شر وحماهم

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

 

اللهم صل على محمد...

____________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالله محمد الطوالة