أطفال الحرية تهزم القوة الإرهابيّة

منذ 2012-02-04


منظر جثمان الطفل الدرعاوي الشهيد "حمزة الخطيب" روّع العالم، وأعاد تذكيره بحجم الجريمة الإرهابية في سوريا، والتي أعلنت أطفال الحرية جمعتها الماضية شاهدًا تاريخيًّا لقرار الشعب السوري بأن دماء الأطفال ستكون وقود الانتصار لهم ولحريتهم، وإعادة رصد المشهد السوري بدقة ومتابعة تطوّراته، تُعطي دلائل قاطعة بأنّ حركة التغيير السوري وإيمانها باستحقاقها لعهد الحرية لا مجال لتقسيطه، فضلاً عن المساومة عليه.

ولقد شكّلت تلك اللوحة المقسمة على شاشات القنوات العالمية والعربية إعلانًا نوعيًّا إضافيًّا سجّلته الانتفاضة لحركة التوسّع في مضمار الثورة السورية، وخاصة مذبحة حماة الثانية في جمعة الحرية وحجم الاستشهاد بالصدور العارية الذي قدمته حماة، وانضمام بلدات صغيرة وكبيرة وأحياء رئيسة ومهمة في دمشق وحلب، فضلاً عن صمود مدن الحصار وقوة إصرارها على المشاركة في تقديم قرابين الشهداء لمشروع الحرية الكبير.

فذلك المشهد الذي يحاول أن يلاحق المظاهرات عبر تقسيم الشاشة إلى عشرين مشهدًا من كل بلدة ومدينة سورية ومع ذلك لا يحصيها، ثم لا يستطيع أن يُغطّي تلك الآلاف من الرسائل المصورة والموثقة بالفيديو على كامل مدن القطر توثّق المسيرة، وتكشف عمليًّا القمع والتخريب من الأمن والشبّيحة في الشوارع الخلفية، وتنقل حركة الاستشهاد وتهليلات الناس وتدفّق الدماء، في دلالة واضحة قوية تؤكد قوة الدفع الفدائي في الشارع السوري.

إذن هذا المسار المشهود الموثّق أمام العالم في وقت يضطرب ممثلو النظام في وسائل الإعلام حتى يُكرر أحدهم مشاتمته للقنوات أو اشتباكه مع مقدميها، وحين يستشعر ممثل النظام الأمني المُكلّف بالمتابعة الإعلامية عجزه عن مواجهة الحقيقة المروعة للوجدان من وحشية القمع، فهي في ذات الوقت تُترجم هزيمته بقوة في مواجهته لنقل حركة التغيير السوري الديمقراطي إلى مرحلة الثورة الشاملة وقرارها الصلب في وحدتها الوطنية وشعاراتها الشعبية، وهو ما يعني ما أكدناه من فشل النظام منذ الدورات السابقة، وخاصة دورة "أزادي"، وأطفال الحرية في حركة الثورة السورية، والدليل المعاكس المهم جدًّا للمراقب السياسي وهو قوة قيادة الثورة وتنسيقياتها وثباتها في الميدان.

وكأنموذج لتعقد موقف النظام رصد المراقبون حركة الضغط التي مارسها حلفاء النظام من القوى الإيرانية داخل لبنان على هيئات الإغاثة لمنعهم من إسعاف وإغاثة النازحين السوريين، وكان تهديد هذه القوى لمؤتمر المجتمع المدني اللبناني الداعي للتضامن الإنساني مع الشعب السوري ومع هذه الحالات المأساوية، ثم تهديد الفندق المُضيف مما أدّى لإلغاء المؤتمر صفحة مهمة للغاية من حركة الاختناق التي بات يعايشها النظام في دمشق، ويتصرف معها باضطراب وهستيرية عدائية أضّرت بحلفائه من حزب الله وحركة أمل وحلفائهم، وسجّلت تقدمًا مركزيًّا يَشهد لمصداقية الثورة، وما طرحته ابتداءً عن وحشية النظام ونزعه لمسار واحد هو حوار السلاح والقنص والقصف العشوائي ضد الشعب.

إن هذه المشاهد من الفدائية والتضحية والعزيمة الشعبية التي قدمها الشعب السوري في التاريخ الإنساني كانت تُروى أساطير تتحدث بها الشعوب والتراث على أنها قيم بطولة سَوّدت الأمم ونصرتهم معنويًّا وسياسيًّا، فيما نحن نرقبها في الشام حقائق مجسدة، وهذا الأمر يعني بوضوح لقراءة المشهد استراتيجيًّا أن المرحلة الفدائية التي وصل لها الشعب السوري هي فقط من يقود المشهد، وأن النظام أو أي قوى دولية أو إقليمية لن تستطيع أن تحاصره، ولا حتى محاولات النظام الهزلية بإعادة طرح حوار الطرشان فيما حوار القناصة يتسيّد الساحة.

العالم الجائر سينحني:
ولذلك فإن الاضطراب الذي جرى للقوى الإقليمية وارتباك أردوغان وشعور المحيطين به بالخجل من تردّد خطابه في حسم الدعم للشعب السوري بعد أن أيقن أن الشعب تجاوزه بفدائيّته الذاتية كانت الرسالة الأولى وهي ذاتها الرسالة التي وجهت للدول العربية وحكوماتها: إلى متى هذا الصمت المشارك؟ وكيف لا تتحرك الجامعة العربية أمام هذا البطش لإنقاذ الطفولة في سوريا؟ إنها صفحة الخزي العربي الكبير.

وكانت الثانية اضطرار أوباما لكي يُعلن موقفًا جدّيًا يجعل له مبررًا مستقبليًّا أمام حركة الاندفاع الشعبي لحرية الشعب السوري وإعلان انتصارها الذي بات يتردّد توقعه في ذهول داخل الأوساط الأمريكية، ودلالة ذلك تصريح أوباما الأخير في استقباله لنتانياهو أن واشنطن ستلتزم بتأمين أمن إسرائيل في حال تغير المشهد السوري، كإشارة واضحة لتجاوب واشنطن مع مخاوف الساسة والإعلام الإسرائيلي من وصول حكومة حرة ومنتخبة في دمشق، والتنصيص على سوريا يبرهن هذا القلق، وأيضًا يؤكد حجم ضمانة نظام الأسد للأمن الإسرائيلي تاريخيًّا.

في كل الأحوال بدأ أوباما إعطاء إشارات بإعلان العقوبات الرمزية جدًّا حيث لم تشمل ثروة أسرة مخلوف التي تدير ثروتها وثروة الأسد، وهذا يُشير إلى أنّ البيت الأبيض بدأ يستشعر حجم حراك الثورة على الأرض وقوة إرادتها وعزيمتها، وهو ما يعني بجلاء ووضوح أن هذه الثورة هي من يفرض على الأرض التغيرات تجاه مستقبل الوطن السوري، أكان تغيّرًا مضطرًّا أم مراوغًا أو متآمرًا، وهذا يعني أن هناك مشروعًا كبيرًا يتجسّد يعلن أنّ نهر الدماء العظيم في سوريّة لا يذهب سُدًى، وأطفال الحرية سيغنون غدًا، وأرواح شهدائهم تهتف: "انتصرت سوريا".

مهنا الحبيل
المختار الإسلامي