الرقص وفق الشريعة.. العلمانية

منذ 2012-02-06


كنت أظنُّ في يوم من الأيام أن مثل هذا العنوان المكتوب أعلاه لا يمكن أن نراه واقعاً مشاهداً في حياتنا اليومية صراحةً دون خوف أو خجل.
ولكن ومع مرور الأيام وضعف هذه الأمة أصبحنا نشاهد واقعاً مغايراً ومخيفاً في نفس الوقت، ولعل مشاهدةً عابرةً لإحدى صحفنا السيارة أو قنواتنا التي ضج منها الفضاء تعطي القارئ الكريم صورةً عن شيء يسير مما أريد الحديث عنه.
حديثي هو عن موضوع واقعي نعايشه في هذه الأيام والذي يأتي في سياق حملة مرتبة ومنظمة ومخططة بدقة متناهية لتكريس مبدأ السخرية والاستهزاء بدين الله عز وجل الذي هو ضمن الأجندة الرئيسة والمحركة دوماً للمنافقين والمنافقات في كل زمان ومكان.

أيام الصغر كنا نقرأ فيما نقرأ شيئاً من المبررات التي ساقها دعاة "إفساد المرأة" في مصر والجزائر وتونس وغيرها من البلدان العربية والإسلامية لكي يسوغوا لمشروعهم التدميري هذا، وكنت أضحك كثيراً حين كانوا يقدمون ذلك الأمر للجماهير في لبوس الدين حين ادعوا بأنهم: "يريدون تغييراً وفق الضوابط الشرعية دون مساس بالثوابت والقيم"، وكان مصدر ضحكي وعجبي هو عن كيفية انطلاء مثل هذه الألاعيب على أولئك البسطاء؟

جوقةٌ متهالكةٌ كانت تقدم أفكارها في لبوس النصح الحنون، وتُظهرُ في الوقت ذاته حرصها على الدين والخلق مدعيةً بدعوى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والخراب وسوء المنقلب والمآب إنها دعوى أن التقدم المنشود للمرأة لا يتعارض مع أحكام الدين المطهر والملة السمحاء، وهكذا تراقص على "المسرح" رفاعة الطهطاوي ومن بعده النصراني الهالك مرقس فهمي، وأحمد لطفي السيد، وقائد فرقة التضليل قاسم أمين الذي أصبح كتابه الموسوم زوراً بـ "تحرير المرأة" مرجعاً مقدساً وإنجيلاً يستقي منه التغريبيون على مر الزمن خططهم وبالذات خطة أو خلطة "وفق الشريعة الإسلامية".

هذه الأسماء وغيرها كسعد زغلول، وأحمد فتحي زغلول، وهدى شعراوي، ونازلي مصطفى فاضل التي تنصرت فيما بعد وارتدت عن الإسلام، هؤلاء جميعاً هم ولا شك من مؤسسي الحركة النسوية العربية التي ظهرت في القاهرة عام 1919م، وهي فرعٌ عن الحركة النسوية العالمية التي تقوم عليها بشكل مباشر الماسونية العالمية والتي من مبادئها "أن الكأس والغانية تفعلان في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما لا يفعله ألف مدفع".
تلك الأسماء البائدة هلكت وأورثت لعالمنا العربي والإسلامي أمشاجاً من المستغربين الخُلَّص الذين يدينون بالولاء المطلق للحضارة الغربية بكل عجرها وبجرها، وما كنا نحن في السعودية ببعيد عن هذا التأثير الذي ألقى ببعض أمشاجه النتنة بين ظهرانينا.

الخلطة السرية القديمة يُعاد تركيبها من جديد لكي تكون أعظم أثراً ووقعاً خصوصاً في زمن الفضائيات وثورة التقانات والاتصالات والمعلومات، وهذه الخلطة تم التركيز عليها في بلادنا من قبل التغريبيين لأنهم يعلمون جيداً أنهم في بلاد تُعلي من الدين وترفع من قدره، ولذا دخل هؤلاء المنحرفين من أرباب الشهوات من نفس الباب الذي ولج منه أرباب الشبهات.

لقد كان زخم المد التغريبي في بداياته خافتاً حيث يتقدم خطوةً لجس النبض ثم يتراجع عشر خطوات، وقد كان المحرك الرئيس لهم في ذلك حالة الغليان والفتن مداً مع مدها وجزراً مع جزرها حتى بداية التسعينات الميلادية التي شهدت الغزو العراقي للكويت ومن ثم قدوم القوات المشتركة بقيادة أمريكا والتي وجدت لها أخيراً موطئ قدم في الخليج العربي، وعندها حدثت الخطوة البلهاء المعروفة للجميع من خلال المظاهرة النسائية الفاشلة والتي جاءت في سياق استغلال الأحداث بشكل رخيص.

بعد تلك الأحداث أخذت ترتفع وتيرة الصراع وتنخفض حسب الظروف الداخلية والإقليمية بين أرباب التيار التغريبي أو من يصح أن نسميهم بـ "الأقلية المتنفذة" وبين المجتمع برمته والذي يدافع بقوة عن تدينه وقيمه، وكان التغريبيون يمارسون مطالبهم سراً وجهاراً بين الفينة والأخرى مع تذييل الطلب بكلمة "وفق الشريعة الإسلامية"، وهم ينادون بهذه المطالب بصوت منخفض أثناء استقرار الأوضاع الداخلية والإقليمية ويظهرون في كل ذلك ما لا يضمرون، ولكن صدق الله جل جلاله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد: ٢٩]، فما إن تمر بالبلاد أو بالمنطقة فتنة وكارثة إلا رأيتهم وقد رفعوا عقيرتهم مهددين ومرعدين ومزبدين بأن العالم الحر يساندهم في مطالبهم.
وحين جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبها من أحداث جسام أدت إلى سقوط بلدين مسلمين تحت براثن الاحتلال مع ما خلفه ذلك من دمار وتشريد وقتل للآلاف المؤلفة من المسلمين العزل الأبرياء - أقول - كانت هذه الأحداث لا تمثل أي هم أو مشكلة بالنسبة لتيار الانحراف وإفساد المرأة، وكانت المصيبة التي انتظروها كثيراً والفرصة الذهبية بالنسبة لهم للهجوم الشرس على معالم الديانة وأهلها هي في أحداث التكفير والتفجير التي وقعت في البلاد السعودية والتي كانت الهدية الثمينة التي تقبلها التيار التغريبي في السعودية بكل فرح وغبطة وسرور وكيف لا يكون الأمر كذلك وهو يوافق هوىً في النفس لشن الحرب المسعورة والتي تولت كبرها صحف ومجلات وقنوات وشخصيات ظنت أن الساحة قد خلت لها وأن عين الرقيب التأريخي لا ترصد مسرح الأحداث الدامي الذي كان التغريبيون فيه يتلاعبون عراةً يتداعى بعضهم لبعض أينا أسرع لكشف عورته أمام الناس بشكل أكثر سفوراً.

نعم.. خطا هؤلاء خطوةً للأمام في ظنهم، وهي في نظرنا للخلف لأنها أظهرت ما كنا سنحتاج فيه إلى آلاف المؤلفات والشروحات لكي يظهر.
خطوات تمثلت في انفتاحٍ مخيف في شؤون المرأة، تحت صدى قهقهات وضحكات مقززة في كثير من وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع وكلها جاءت لتعطي لمحةً سريعة عن مستقبل كالح يريد هؤلاء البهم أن يقودونا إليه.

نعم وللأسف الشديد أصبحنا نرى مذيعات إخباريات ومقدمات برامج يضعن أحمر الشفاه وألوان الأصباغ على وجوههن عدا خصلات الشعر المصبوغ وذلك "وفق الشريعة الإسلامية.. عفواً أقصد العلمانية".

فرح بعضهم بصورة أول كابتن طيار "سعودية" تلتقط لها الصور وهي متبرجة بزينة تبرج الجاهلية الأولى التي نهى الله عنها وفي منظر اختلاطي يُقدم له بآيات من القرآن الكريم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وهكذا تتراكض الصحف في منظر تراجيدي، وإن شئت فقل درامي تجتمع في العَبْرةُ والعِبْرةُ فهذا خبرٌ عن أول فتاة سعودية تشارك في "سوبر ستار" غنائي خليجي، وأخر يحدثنا في خبره في صحيفة أخرى عن أول فارسة سعودية تمتطي صهوة جواد في صورة مقززة، وأخرى عن بطلة راليات، ثم يعلق بعض البله تعليقاً نسأل الله أن يهدي صاحبه حين قال: "لقد بدأت المرأة السعودية في أخذ مكانتها اللائقة بها بين مثيلاتها من النساء"!
هكذا وبكل بساطة المرأة السعودية المسلمة المتعففة تختزل في رجيع المذبذبات ممن لم ينلن بما فعلن لا شرف دنيا ولا شرف دين.
آلاف الأكاديميات والعالمات والعبقريات والنابهات والمصلحات والمثقفات ممن جمع الله لهن بين العلم النافع والعمل الصالح والاستقامة والحشمة لا يُذكرن ثم تكون النهاية في تمجيد التافهين والتافهات..

وفي الطرف الآخر مؤتمراتٌ اقتصادية وهي أبعد ما تكون عن الاقتصاد، وقد صدق رجل الأعمال الجريسي حين شبهها بمعارض الأزياء، وذلك لأنها لا تتميز إلا بما فيها من نساء متبرجات يتراكضن يمنة ويسرة كالعارضات يضحكن مع هذا ويصافحن هذا ويزاحمن الرجال الأجانب عنهن وليأتينا في النهاية من ينظر عنهن ليقول لنا بكل استغباء أن كل ذلك تم "وفق الشريعة الإسلامية.. وأضيف بل الشريعة العلمانية".

أسئلةٌ عريضةٌ يفرضها علينا المشهد اليوم تقول في مجملها: من الذي يضحك علينا اليوم في وسائل الإعلام ليفهمنا أن الدين والحشمة والاستقامة والوقار هي إرهاب، وأن التبرج والسفور والاختلاط وإفساد المرأة هو التنوير والسماحة؟
من الذي يقود عبر وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع انقلاباً أبيضاً على الأساس الذي قامت عليه هذه الدولة منذ عهد المؤسس رحمه الله إلى عصرنا الحاضر؟
هل أصبح الدين بكل أحكامه بما فيها الحجاب وعدم الاختلاط تُهمةً يريد بعض الأصاغر ممن تزبب قبل أن يتحصرم أن يُبرئ ساحتنا منها أمام العالم؟
هل أصبحنا أمةً بلا قيم نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقعُ؟
إنني لست ممن يستسلم لنظرية المؤامرة، ولكن الحقيقة تقول: يجب أن نقر ونعترف بأننا أمام لعبة علمانية تغريبية قذرة مدعومة خارجياً في ظل استغلال رخيص لأحداثنا المؤسفة، وهذه اللعبة يشارك فيها البعض بقصد والبعض الآخر بغير قصد، والواجب أن يقف لها الجميع حكاماً ومحكومين، وعلماء وعامة قبل أن يغرقنا الطوفان لأننا بلا دين لا نساوي عند الله شيئاً ووالله لا يبالي الله بنا في أي الأودية نهلك مالم نقم بحراسة الملة والذب عن جنابها المطهر زيف المبطلين وزيغ المنحرفين.

إن دين الله عز وجل قولاً وعملاً يعلو ولا يُعلى عليه، وتزوير الحقائق لن يلويَ أعناقنا عن مضمون هذه الهجمة التغريبية المنظمة والتي تستغل وبشكل رخيص لم يعد ينطلي على أحد الأوضاع التي مرت بها بلادنا، وهذا يوجب على كل قادر ومطلع أن يفضح مثل هذه المخططات والممارسات بياناً للحق ودفاعاً عنه وعن أهله، ونفياً وإقصاءً للباطل وكشفاً له ولحملته مع اليقين بأن الله تعالى غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ماجد بن محمد الجهني
الظهران
صيد الفوائد