ما ينجي من عذاب الله تعالى

منذ 2024-11-03

قال ﷺ: «ثلاثٌ منجيات، وثلاثٌ مهلِكات، فالمنجيات: تقوى الله في السِّرِّ والعلانية، والقول بالحقِّ في الغضب والرِّضا، والقصْد في الفقر والغِنَى، وأما المهلكات: فشحٌّ مُطَاع، وهوًى مُتَّبع، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدُّهنّ»

عن سعيد بن المسيِّب عن عبدالرحمن بن سَمُرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومًا، وكنَّا في صُفَّة المدينة، فقام علينا فقال: «إنِّي رأيت البارحة عجبًا: رأيتُ رجلًا من أمتي أتاه مَلَك الموت ليقبضَ رُوحَه، فجاءه برُّه بوالديه، فردَّ ملك الموت عنه، ورأيتُ رجلًا من أمتي قد احتوشتْه الشياطين، فجاءه ذِكْر الله - عزَّ وجلَّ - فطرد الشيطان عنه، ورأيت رجلًا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته فأستنقذتْه من أيديهم، ورأيت رجلًا من أمتي يلتهب عطشًا وفي رواية يلهث عطشًا - كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاءه صيام شهر رمضان، فأسقاه وأرواه، ورأيت رجلًا من أمتي، ورأيت النبيِّين جلوسًا حِلقًا حلقًا، كلَّما دنَا إلى حلقة طُرِد فجاءه غُسلُه من الجنابة، فأخذ بيده، فأقعده إلى جنبي، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة، ومن فوقه ظلمة، ومن تحته ظُلمة، وهو متحيِّر فيها، فجاءه حَجُّه وعمرته، فاستخرجاه من الظُّلمة، وأدخلاه في النور، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي يتقي بيده وهجَ النار وشررَها، فجاءتْه صدقتُه فصارتْ سترة بينه وبين النار، وظللتْ على رأسه، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي يكلِّم المؤمنين ولا يكلِّمونه، فجاءتْه صلتُه لرحمه، فقالت: يا معشرَ المؤمنين، إنه كان وصولًا لرحمه فكلِّموه، فكلَّمه المؤمنون وصافَحُوه، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي قد احتوشتْه الزبانية، فجاءه أمرُه بالمعروف ونهيه عن المنكر، فاستنقذه من أيديهم، وأدخله في ملائكة الرحمة، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي جاثيًا على رُكْبَتيه وبينه وبين الله - عزَّ وجلَّ - حجابٌ، فجاءه حُسْنُ خُلُقه، فأخذ بيده فأدخله على الله - عزَّ وجلَّ - ورأيتُ رجلًا من أمَّتي ذهبتْ صحيفته من قِبل شماله، فجاءه خوفُه من الله - عزَّ وجلَّ - فأخذ صحيفته فوضعَها في يمينه، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي خفَّ ميزانه، فجاءه أفراطُه فثقَّلوا ميزانه، ورأيت رجلًا من أمَّتي قائمًا على شفير جهنمَ، فجاءه رجاؤه من الله - عزَّ وجلَّ - فاستنقذه من ذلك ومضى، ورأيتُ رجلًا من أمتي قد هوى في النار، فجاءتْه دموعه التي بكَى من خشية الله - عزَّ وجلَّ - فاستنقذتْه من ذلك، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي قائمًا على الصِّراط يرعد كما ترعد السعفةُ في ريح عاصف، فجاءه حُسْنُ ظنِّه بالله - عزَّ وجلَّ - فسكَّن رِعْدتَه ومضَى، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي يزحف على الصِّراط، ويحبو أحيانًا، ويتعلَّق أحيانًا، فجاءتْه صلاته عليَّ فأقامتْه على قدميه وأنقذتْه، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي انتهى إلى أبواب الجنة، فغلِّقت الأبواب دونه، فجاءتْه شهادة أن لا إله إلا الله ففَتَحتْ له الأبواب دونه، وأدخلتْه الجنة»؛ رواه الحافظ أبو موسى المديني، وبنَى كتابه عليه، وأخرجه الطبراني أيضًا، وهذا الحديث حديثٌ عظيم، جليل شريف، كان أبو العبَّاس ابن تيمية - قدَّس الله رُوحه - يعظِّم شأنه، ويقول: شواهدُ الصِّحَّة عليه[1].

 

وهذا حديثٌ جليلُ القدر، عظيمُ الشأن، كثير الفوائد، ينبغي لكلِّ مسلم حفظُه وفَهْمُه، والعمل بما فيه من الخِصال المنجية من عذاب الله، فقد ذكر فيه ثماني عشرة خَصْلة، كل واحدة منها صارتْ سببًا في نجاة المتَّصِف بها من العذاب الذي كاد أن يهلكه، وهذه الخصال المنجية هي الوضوء والصلاة، والصدقة والصيام، والحجُّ والعمرة، وذِكْر الله تعالى، وبرُّ الوالدين وصلة الأرحام، والاغتسال من الجنابة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحُسْن الخُلُق، والخوف من الله تعالى، والصبر على موْت الأولاد الصِّغار، والرجاء لرحمة الله، والبكاء من خشية الله، وحُسْن الظن بالله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وشهادة ألاَّ إله إلا الله، حيث فَتَحتْ لقائلها أبوابَ الجنة وأدخلته فيها، وبالله التوفيق، وصلَّى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ منجيات، وثلاثٌ مهلِكات، فالمنجيات: تقوى الله في السِّرِّ والعلانية، والقول بالحقِّ في الغضب والرِّضا، والقصْد في الفقر والغِنَى، وأما المهلكات: فشحٌّ مُطَاع، وهوًى مُتَّبع، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدُّهنّ»؛ (رواه البيهقي في شعب الإيمان، وحسَّنه الألباني).

 


[1] انظر هذا الحديث في "الوابل الصيب"؛ لابن القيم بتحقيق إسماعيل الأنصاري (ص: 176).