حسن معاملة الناس

منذ 8 ساعات

إن حسن معاملة الناس من الأخلاق الإسلامية المباركة التي يجب أن يتصف بها كل مسلم، وهي التطبيق العملي للاقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

الـحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا مـحمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

إن حسن معاملة الناس من الأخلاق الإسلامية المباركة التي يجب أن يتصف بها كل مسلم، وهي التطبيق العملي للاقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فأقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق:

حسن معاملة الناس وصية رب العالمين:

قال الله سبحانه وتعالى:  {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة: 83].

 

قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): قوله تعالى:  {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}؛ أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالمعروف، كما قال الحسن البصري في قوله:  {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} فالحسن من القول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للناس حسنًا كما قال الله، وهو كل خلق حسن رضيه الله؛ (تفسير ابن كثير، جـ 1، صـ317).

 

قال الله سبحانه وتعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63].

 

قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): قوله:  {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]؛ أي: إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، وكما قال تعالى:  {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55]؛ (تفسير ابن كثير، جـ6، صـ122).

 

نبينا يأمرنا بحسن معاملة الناس:

لقد أمرنا الله تعالى بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله بقدر المستطاع، ولا يكلف الله تعالى نفسًا إلا وسعها.

 

قال الله تعالى مادحًا نبينا صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

 

قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]؛ أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ (تفسير ابن كثير، جـ11، صـ134:133).

 

ولقد حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الناس على اختلاف عقائدهم في كثير من الأحاديث الشريفة المباركة، وسوف نذكر بعضًا منها:

روى الشيخان عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»؛ (البخاري، حديث: 13/ مسلم، حديث: 45).

 

• روى البزار عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن أكمل الناس إيمانًا أحسنهم خلقًا، وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة»؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني، حديث 1578).

 

• روى أبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء»؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود، للألباني، حديث: 4941).

 

• روى الترمذي عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء»؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني، حديث 2201).

 

• روى أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم (ضامن) ببيت في ربض (طرف) الجنة لمن ترك المراء (الجدال) وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه»؛ (حديث حسن) صحيح الجامع للألباني، حديث 1464).

 

• روى الترمذي عن جابر بن عبدالله، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا»؛ (حديث حسن) (صحيح الجامع للألباني، حديث 2201).

 

• روى الترمذي عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: «تقوى الله وحسن الخلق»؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي، للألباني، حديث 1630).

 

• قال الإمام ابن القيم (رحمه الله): جمع النبي بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو إلى محبته؛ (الفوائد، لابن القيم، صـ 100).

 

• روى مسلم عن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه»؛ (مسلم، حديث 2593).

 

• روى مسلم عن جرير بن عبدالله البجلي، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من يحرم الرفق، يحرم الخير»؛ (مسلم، حديث: 2592).

 

روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيبة صدقة»؛ (البخاري، حديث 2989/ مسلم، حديث 1009).

 

• روى الترمذي عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير»؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي، للألباني، حديث 1637).

 

• روى مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط، متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال»؛ (مسلم، حديث: 2865).

 

• قوله: (مقسط)؛ أي: عادل.

• قوله: (متصدق)؛ أي: محسن إلى الناس.

• قوله: (موفق)؛ أي: هو المسلم الذي هيِّئ له أسباب الخير، وفتح له أبواب البر.

• قوله: (ورجل رحيم)؛ أي: على الصغير والكبير.

• قوله: (وعفيف)؛ أي: مجتنب عما لا يحل له.

• قوله: (مُتعفِّف)؛ أي: عن سؤال الناس، ومتوكل على الملك المتعال في أمره وأمر عياله.

 

• قوله: (ذو عيال)؛ أي: لا يحمله حب العيال ولا خوف رزقهم على ترك التوكل بارتكاب سؤال الخلق، وتحصيل المال الحرام، والاشتغال بهم عن العلم والعمل مما يجب عليه؛ (مرقاة المفاتيح، علي الهروي، جـ 7، صـ 3106).

 

أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يـجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، ويـجعله سبحانه في ميزان حسناتي يوم القيامة، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا العمل طلاب العلم الكــرام، وآخــر دعوانا أن الـحمد لله رب العالـمين، وصلى الله وسلم على نبينا مـحمد، وعلى آلـه وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.

__________________________________________________

الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق