وصايا نافعة في زمن الفتن

منذ يوم

المؤمن أخو المؤمن يجب عليه أن ينصره ظالمًا أو مظلومًا، إن كان ظالمًا كفَّ يده، وإن كان مظلومًا نصره بقدر استطاعته، وإن حصل بين المسلمين بغيٌ وقتالٌ فالواجب الصلحُ بينهم

يقول الله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3]، وقال عز وجل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]، وقال: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال: 37]، وقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]، وقال تبارك وتعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، وقال تبارك وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253].

 

من حكمة الله أنه يبتلي عباده بما شاء، لينظر كيف يعملون، وليميز الخبيث من الطيب، وقد تكون الفتنُ شبهات أو شهوات، وقد تكون مصائبَ وقتالًا على باطل، والفتنةُ كلُّ ما شغلك عن طاعة الله وعبادته، وكل ما صرفك عن الدين الحق الذي رضيه لعباده، وقد تكون الفتنة بالأموال والأولاد؛ كما قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28]، فكثير من الناس يفتن بجمع الأموال وينشغل بأولاده وأهله عن طاعة الله، ويمنعه ذلك من الصدقة والرحمة للمساكين، فيفتن بالدنيا من حيث لا يشعر، وقد حذر الله المؤمنين من هذه الفتنة فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 9 - 11].

 

أيها المسلمون، مِن أخطرِ الفتنِ على القلوب فتنُ الشهواتِ والشبهات، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».

 

وأعظم الفتن ضررًا على الأمة فتنُ القتال بين المسلمين، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتنٌ القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، من تشرَّف لها تستشرفه، ومن وجد فيها ملجأً فليَعُذ به».

 

أيها المسلمون، زمانُنا هذا زمانٌ كثُرتْ فيه الفتنُ المتنوعة، وهذا من علامات اقتراب الساعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال فِتنًا كقطع الليل المظلم، يُصبحُ الرجلُ مؤمنًا، ويُمسي كافرًا، ويُمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيعُ دينَه بعرضٍ من الدنيا».

 

أيها المسلمون، ماذا يجب على المسلم عند الفتن؟

 

1- التَّعَوُّذُ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعوذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن».

 

2- تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ للهِ، وَاعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ مَا يُصِيبُ الإِنْسَانَ مِنْ فِتْنَةٍ وَبَلاءٍ إِنَّمَا هُوَ بِقَدَرِ اللهِ وَقَضَائِهِ.

 

3- الْوَحْدَةُ وَالاِئْتِلافُ، وَتَرْكُ التَّنَازُعِ وَالاِخْتِلافِ، وَالاِعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ ولزومُ الجماعة، وتركُ الفُرقة، يَقُولُ الله تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

 

4- الْحِرْصُ عَلَى الْعِبَادَةِ أَيَّامَ الْفِتَنِ، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ».

 

5- التبينُ والتثبت، وعدمُ تصديقِ الشائعات، وعدمُ الاغترارِ بالدعايات والشعارات، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].

 

6- من أفضلِ ما ينفعُ المسلمَ عند الفتنِ العملُ بهذه الوصية النبوية النافعة، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الفتنة فقال: «إذا رأيتم الناس قد مرجَتْ عهودُهم، وخفَّتْ أماناتُهم، وكانوا هكذا» وشَبَّك بين أصابعه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك؟ قال: «الزمْ بيتك، واملِك عليك لسانك، وخُذْ بما تعرف، ودعْ ما تُنكِر، وعليك بأمر خاصَّةِ نفسِك، ودعْ عنك أمرَ العامة»، فعليك أيها المسلم إذا هاجتِ الفتنُ القتاليةُ بين المسلمين أن تلزم بيتك، ولا تشارك في الفتنة التي سالت بسببها دماءٌ بغير حق، ولا تتكلم في الفتنة، وخذ ما تعرف من الحق واقبله ممن جاء به كائنًا من كان، بلا تعَصُّب لأحد، واترك المنكرات وانكرها بقلبك أو بلسانك إن استطعت، ولا تقبلها ممن جاء بها كائنًا من كان، بلا تبرير لأحد، وعليك بما ينفعك في دينك ودنياك، واترك الفتنة العامة الذي يخوض فيها الناس بأهوائهم، لا سيما إذا صارت هناك دماءٌ وظلمٌ وبغي، فأعرِض عنِ الفتنة، وأعرِض عن أصحابها ودعاتها، وأقبِل على عبادة ربك، واطلب الرزق الحلال، وإياك والمشاركةَ في الفتنة الملتبسة، واصبر حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين.

 

أيها المسلمون، المؤمن أخو المؤمن يجب عليه أن ينصره ظالمًا أو مظلومًا، إن كان ظالمًا كفَّ يده، وإن كان مظلومًا نصره بقدر استطاعته، وإن حصل بين المسلمين بغيٌ وقتالٌ فالواجب الصلحُ بينهم؛ كما قال الله سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10]، فهذا حكم الله بين المقتَتِلين من المؤمنين: أخبر أنهم إخوة، وأمر أولًا بالإصلاح بينهم إن اقتتلوا، {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} ولم يقبلوا الصلح {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} قال المفسِّرون: أي: قاتِلوا الفئة الباغية للضرورة حتى يرجعوا إلى أمر الله، ولا تقاتلوهم حتى تستأصلوهم، فإنما أُبيح قتالُهم للمصلحة الراجحة؛ لكسرِ شوكتِهم، ودفعِ شرِّهم، فيُدفعوا بالأخف فالأخف، ثم أمر الله بالإصلاح بينهم فقال: {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ}، يكون الإصلاح بالعدل لا بالظلم، فأمر الله بالإصلاح بين المؤمنين إذا اقتتلوا أولًا وآخرًا، ويُصْلَح بينهم بالعدل الموافق للشرع، فمن رجع إلى أمر الله وجب أن يُعدَل بينه وبين خصمه، فقبل أن نُقاتِل الطائفةَ الباغيةَ وبعد قتالِها أمرنا الله بالإصلاح مطلقًا، {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] كما قال الله سبحانه، والواجب على كل مسلم قادر أن يسعى في الإصلاح بين المقْتَتِلين من المسلمين، ويأمرُهم بما أمر الله به مهما أمكن، وإن لم يكن لأصحاب الفتنة شبهة سائغة، فليسوا بغاة، بل هم قُطَّاع طريق أو خوارج، ولهم حكم آخر عند القدرة عليهم.

 

أيها المسلمون، نعمةُ الأمنِ نعمةٌ عظيمةٌ، وإفشاء السلام الفعلي والقولي بين المسلمين من أسباب دخول الجنة، قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»؛ أي: أفشوا السلام القولي والفعلي، لكن صار كثير من المسلمين اليوم يُفشون القتل بينهم، ويعادِي بعضُهم بعضًا، ويوالي بعضُهم من يجب معاداتَه شرعًا، وهذا من أسباب الفتن العظيمة والفساد الكبير في الأرض؛ كما قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}، قال المفسرون: أي إلا يوالي بعضُكم بعضًا أيها المسلمون، وتتركوا موالاة الكافرين تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير، والله المستعان.

وقد بينا أن الفتن قد تكون بالقتال بين المسلمين، وقد تكون فتنَ شبهاتٍ وشهوات، وكثيرٌ من فتنِ الشبهات والقتالِ بين المسلمين سببُها عدمُ تحكيم الشريعة بين المتخاصمين، وعدمُ الرجوع إلى العلماء الصالحين، والواجب على المسلم أن يعرف قدر العلماء، فقد بيَّن الله في القرآن منزلتهم الرفيعة، وواجبٌ على المسلم أن يسأل المتخصصين في كل علم عمَّا يُشكِل عليه؛ كما قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، ومن أعظم أسباب الفتن والضلال سوءُ الظن بالعلماء والصالحين، من السابقين واللاحقين، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، فالظن السيئ إثمٌ إن كان بلا برهان ولا سبب.

 

أيها المسلمون، من الضلال المبين أن يحتقر الجاهلُ أهلَ العلم المتخصصين، ويظنُّ نفسه أعلمَ منهم أجمعين، فليحذرِ الإنسانُ أن يُفتن بهذا الأمر، ويكون ممن ذمَّهم الله بقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23]، ومن صفات الكافرين والمنافقين التكذيبَ بالحق، والناسُ أعداءُ ما جهلوا، قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39]، وقال سبحانه: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} [الزمر: 32]، فاحذر أيها المسلم أن تكون مِنْ أظلمِ الناسِ بردِّ حُكمٍ شرعيٍّ ثابتٍ أو تكذيبِ حديث صحيح!

 

وإنَّ من صفات الذين في قلوبهم زيغٌ وهوًى أنهم يحتقرون علماء الأمةِ الراسخين في العلم، ويسعون لإسقاطهم، وصرف الناس عن علومهم، ويحسبون أنهم مُصلِحون، وهم المفسدون في الأرض بأفكارِهم الضالة، وأفعالِهم الزائغة، وأقوالِهم المزخرَفة، ولكن لا يشعرون بفسادهم.

 

ومن صفات الزائغين أنهم يتبعون الشهوات، ويزينونها للناس ليفتنوهم؛ كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27]، وبعض الزائغين يتَّبِعون المتشابهات ابتغاء الفتنة؛ كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 7، 8]، فالزائغون المتبعون الشهوات والشبهات دعاةٌ على أبواب جهنم، يصرفون الناس عن الصراط المستقيم، ويَفتنون من أجابهم، فمن يُجِبْهم إلى ما يدعُونه إليه من الشهوات أو الشبهات قذفوه في نار جهنم، والله يُمهلهم يزخرفون أقوالهم المخالفةَ لكتابِ الله وسنةِ رسوله؛ ليكونوا فتنةً للناس، فقد صاروا من شياطين الإنس، ومن أصغى إليهم واتبعهم فهو المفتون؛ كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 112، 113].

 

أيها المسلم، استقم على دينِك، واتركِ المفتونين وما يفترونه من الكذب على الله ودينه، فلن يضروا إلا أنفسهم، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]، {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الزخرف: 83].

 

واحرص على عبادة الله وتقواه، وتعلَّم كتاب الله وتدَبَّرَه واتَّبِعْه، وأطعِ الله، وأطعْ رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أمرك الله بطاعته، وكن محبًّا لأهل العلم الصادقين، ولا تكن من الذين فرَّقوا دينهم وفارقوه، فسيلقون عذابهم يوم القيامة، قال الله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 52 - 54].

 

أيها المسلمون، علينا أن نحقق الإيمان، وأن نعمل الأعمال الصالحة، وأن نتواصى بالحق، وأن نتواصى بالصبر، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 105 - 108].

 

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10]، اللهم لا تُهلِكنا {بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [الأعراف: 155]، {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [يونس: 85، 86]، {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة: 4، 5].

 

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ثبتنا على دينك حتى نلقاك، اللهم يا مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم يا مقلب القلوب، ثبتنا على دينك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.

_______________________________________________________
الكاتب: د. محمد بن علي بن جميل المطري