استراحة محارب

منذ 2012-02-17

..إنها إذن قاعدة الاستبدال التي لا تهادن أحدا، لذا حتى وإن كانت أمتنا في وقت استراحة المحارب تلك، إلا أن هذا لا يعني أن نستريح نحن ونركن، ولكن علينا واجب وهو المضي سراعًا نحو إيجاد السبيل لنهضة أمتنا والرقي بها..



إن حال الأمم والحضارات والشعوب؛ كحال بني آدم في تقلبه في ممرات الزمن والحياة، فالانسان تارة يكون طفلا ثم تارة أخرى هو شاب، وفي النهاية شيخ تعييه متاعب الشيخوخة وأمراضها، وكذلك هو حال الأمم والحضارات، فما تلبث الحضارة أو الأمة أن تنشأ وتترعرع إلا وتدخل في طور آخر وهو طور التمكين والازدهار، لتنتهي بطور الانحدار والضمور.

ومابين التكوين والانحدار تنشأ الأمم وتنمو لتنشر أفكارها وتمد سلطانها ونفوذها على حسب قوتها، ولكن هل يمكن لنا أن نطبق تللك القاعدة على الأمة الإسلامية؟!
لو طبقنا منحنى الحضارات والسنن الكونية على حال أمتنا لوجدنا الواقع يخرج لنا بحقيقة واحدة مفادها (أحسن الله عزاءكم في أمتكم)، فالمنحنى الحضاري لأمة الإسلام قد علا وسما حتى طاول الأفق، وإذا به يهبط منخفضًا.

ولكن هل نسينا أو تناسينا أن بقاء تلك الأمة هو في حد ذاته سنة كونية، فلقد اقتضى الله سبحانه وتعالى بقاء أمة الإسلام وقيادتها لباقي الأمم، وأن كل ما يحدث الآن ماهو إلا مجرد استراحة لمحارب حارب وتمرس في معارك فاصلة طاحنة مابين الحق والباطل.

ويثبت لنا التاريخ بوقائعه الكثيرة صحة نظرية (البقاء للإسلام)، فقبل وقت قليل من سقوط الأندلس 879 هـ -حوالي 40 سنة تقريبًا قبل سقوطها-، فتح الله على المسلمين القسطنطينية 857 هـ، وكأن غروب شمس الإسلام على مغرب أوربا زامنه سطوع شمسه على مشرقها.

وفي تاريخ الأندلس نفسه علامات تاريخية فارقة تؤكد صحة تلك النظرية، ففي الوقت التي كادت تلك الدولة الناشئة بالأندلس أن يعصف بها الوهن، يأتي "عبد الرحمن الداخل" ليجدد شبابها، وكذلك الحال في كل عصر من العصور، كتطبيق واقعي لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».

فكأن هؤلاء المجددين هم الدواء للداء الذي يصيب الحضارات ويودي بها إلى التهلكة، وهو داء البعد عن الدين، وكذا الترف المادي والترهل الفكري، الذي مايكاد يصيب أمة من الأمم إلا ليعلن عن بدء انزواء شمس حضارتها وانهيارها، ولكن مع أمة الإسلام الوضع يختلف؛ نجد من يقيضه الله ليجدد للأمة مجدها ويعيد إليها رونقها البهي ويعيدها إلى حظيرة الدين القويم، ويقيم العدل وينشره، وكأن تلك الأمة على موعد كل قرن مع ميلاد يتجدد، وبطل جديد من أبطالها يتسلم الراية.

إذا فليس معنى ضعف الأمة الإسلامية أنها قد انتهت وماتت، لكنها مرحلة ضعف ومرض كما أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه (نظرية الاستبدال)، أي أن الله عز وجل قد استبدل أقواما قد باعوا أخرتهم بدنياهم، بأقوام لا يعطون الدنية في دينهم، قال تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].

ففي الوقت الذي توصل فيه علماء الإسلام إلى اختراعات أبهرت الغرب نفسه وقتذاك، تثاقلت همم المسلمين إلى الأرض وضعفوا واستكانوا وركنوا إلى الدنيا بمباهجها، لذا تقدم الغرب ليستلم الراية ويأخذوا ما توصل إليه المسلمون من علوم ويعلون عليها بعمل وعلم.

إنها إذن قاعدة الاستبدال التي لا تهادن أحدا، لذا حتى وإن كانت أمتنا في وقت استراحة المحارب تلك، إلا أن هذا لا يعني أن نستريح نحن ونركن، ولكن علينا واجب وهو المضي سراعًا نحو إيجاد السبيل لنهضة أمتنا والرقي بها، حتى يعود المحارب الذي طالت استراحته لأرض المعركة الدائمة بين الحق والباطل.


معتز شاهين

16/3/1433 هـ