(الحياة الطيبة)

منذ 19 ساعة

لا شكَّ أن الحياة الطيبةَ، الحياة الآمنة، الحياة الهادئة المستقرَّة مطلبُ كلِّ إنسان، ومَقصِدُ كلِّ عاقل، لكن كيف نتذوَّقها في أنفسنا؟ وكيف نعيشها في مجتمعاتنا؟ كيف نؤمِّنُها للأجيال القادمة؟

إننا نعيش في زمنٍ كثُرت فيه أسبابُ الهموم والغموم والأحزان، زمن كثُرت فيه الفتن والمحن، وظهرتْ فيه البغضاءُ والإحَن، وكثُرت فيه الشواغل، ونزلت فيه بالناس الغوائل، وتشعَّبت بالناس الشِّعاب، فأصبح الجميع يبحث عن الحياة الطيبة، الحياة المطمئنة، فبعضُ الناس يرى أن الحياةَ الطيبة مقترنةٌ بتقلُّد المناصبِ، ويرى آخرون أنها تكمُن في تكديس الأموال، والانغماس في أوحال الشهوات وشرب المخدرات، وآخرون يرَون أنها تكمن في بناء الفيلات، وشراء البقع الأرضية، وتشييد الدور المزخرفات.

 

عباد الله: لا شكَّ أن الحياة الطيبةَ، الحياة الآمنة، الحياة الهادئة المستقرَّة مطلبُ كلِّ إنسان، ومَقصِدُ كلِّ عاقل، لكن كيف نتذوَّقها في أنفسنا؟ وكيف نعيشها في مجتمعاتنا؟ كيف نؤمِّنُها للأجيال القادمة؟

 

الجواب يكمن في قول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]، اشترط سبحانه الإيمانَ حتى ينفع العملُ الصالح الذي يُثمر طِيبَ العيش، وتجعله قريرَ العين، هنيءَ النفس، صالحَ البال، فيجمع الله له أمرَه، ويرزقه الرضا والحياةَ الطيبة.

 

عباد الله: لكلِّ مُسبَّب سببٌ، ومن ثَمَّ فإن التمتع بالحياة الطيبة، الحياة الهانئة، الحياة المطمئنة يحتاج منا إلى معرفة أسبابه، والأخذ بتلك الأسباب؛ وهي تنحصر فيما يأتي:

1- الإيمان الحقُّ بالله تعالى ربًّا ومعبودًا؛ فهو السببُ الأعظم للحياة الطيبة؛ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97].

 

2- تقوى الله بأداء الفرائض واجتناب المعاصي، فإذا كنتَ في ضيقٍ وشدَّة، فاتَّق الله في أمرك وفي مآلك؛ قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 62 - 64]، فالمؤمن التَّقِيُّ من أطيب الناس عيشًا، وأنْعَمُهم بالًا، وأشرحهم صدرًا، وأسرُّهم قلبًا، وهذه جنَّة عاجلةٌ قبل الجنَّة الآجِلة.

 

3- الصلاة فهي تشرح الصدرَ، وتُذهب ضيقه، وتُرسل في القلب نبضاتِ الطمأنينة والراحة، فلا يزال العبد كأنَّه في سجنٍ وضِيقٍ حتى يدخل فيها، فيستريح بها لا منها، بها تزول الهمومُ والغموم والأحزان؛ قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمرٌ، فزِع إلى الصلاة.

 

4- دوامُ الذكر، فالذِّكْرُ طمأنينة للقلب، أمانٌ للنفس، حفظٌ لها من الشرور، والقلبُ الممتلئ بذكر الله قلبٌ قويٌّ، لا يخاف غيرَ الله، ولا يخشى أحدًا إلا الله؛ لأنه يستشعر دائمًا معيةَ الله ونُصرتَه؛ فهو سبحانه القائل في الحديث القدسي: «أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحرَّكت بي شفتاه».

 

5- التوبة والاستغفار كلما أصاب العبد ذنبًا أو همَّ بمعصية؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].

 

6- القناعةُ بالرزق والرضا بما قسم الله؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمِنًا في سِربِهِ، معافًى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا»، ويقول أيضًا: «قد أفلح من أسْلَمَ، ورُزق كَفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه».

 

ولذلك فإن أهمَّ أمرٍ يُسبِّب نكدَ حياة كثير من الناس في هذه الأيام عدمُ الرضا بما أُوتوا، كلٌّ منَّا ينظر إلى ما أُوتيَه مَن هو فوقَه مالًا ومنصبًا؛ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «انظروا إلى من هو أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم؛ فإنَّه أجدرُ ألَّا تزدروا نعمةَ الله عليكم».

 

7- اصطناع المعروف، وقضاء حوائج الناس، وإدخال السرور عليهم، والمشي في حوائجهم.

 

8- شكرُ الله على كلِّ نعمة، والصبر على كلِّ بلِيَّة؛ قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37].

 

عباد الله: من أعظم أسباب الحياة الطيبة كذلك:

9- اجتماعُ الهموم كلِّها على مرضاة الله؛ ففي الحديث: «من جعل الهمومَ همًّا واحدًا؛ همَّ المعاد، كفاه الله همَّ دنياه، ومن تشعَّبت به الهمومُ في أحوال الدنيا، لم يُبالِ الله في أيِّ أوديتِه هَلَكَ».

 

10- الاستعانة بالله واللجوء إليه، وسؤاله صلاحَ الدين وطِيبَ الدنيا، هكذا علَّمنا رسولنا بقوله في دعائه: «اللهم أصلِحْ لي ديني الذي هو عِصْمةُ أمري، وأصلح لي دنيايَ التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ».

 

عباد الله: الحياةُ قصيرة، فلا تُسْلِموها للهموم تفسدها؛ وقد قال أحدهم: "راحة الجسم في قلَّةِ الطعام، وراحةُ النفس في قلَّة الآثام، وراحة القلب في قلة الاهتمام، وراحة اللسان في قلَّة الكلام".

 

عباد الله:  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

_________________________________________
الكاتب: د. لحسن العيماري