من أجل قراءة مؤثِّرة للقرآن

منذ 14 ساعة

تدبر القرآن الكريم هو السبيل إلى كنوز الحكمة وأسرار الهداية، فهو أكثر من مجرد تلاوة؛ إنه فهم عميق وتأمل واعٍ ينير للمسلم مسارات الحياة

 

تدبر القرآن الكريم هو السبيل إلى كنوز الحكمة وأسرار الهداية، فهو أكثر من مجرد تلاوة؛ إنه فهم عميق وتأمل واعٍ ينير للمسلم مسارات الحياة، ويهديه إلى صراط الله المستقيم، ليكون له نورًا في الدنيا ونجاةً في الآخرة.

من خلال التدبر، يستشعر المسلم معنى العبودية الحقة ويتذوق حلاوة الإيمان، فتغمره السكينة ويقوى توكله، فيواجه تحديات الحياة بثبات وحكمة.

وأما في الآخرة، فإن التدبر المؤدي للعمل يجعل القرآن شفيعًا لصاحبه ورفيقًا يثقل ميزانه، وسائقًا ودليلًا إلى جنات النعيم، مما يُحقق له الفوز برضا الله ونعيمه الأبدي.

ويعد كتاب تدبر القرآن للشيخ سلمان بن عمر السنيدي دليلاً عمليًا ومرجعًا مميزًا للراغبين في التعمق بتدبر القرآن وفهم آياته بوعي وروحانية. يطرح الكتاب خطوات عملية واضحة وأدوات فعالة، تساعد القارئ على الولوج إلى معاني القرآن الكريم واستشعار الرسائل الربانية بشكل أعمق، بحيث يصبح التدبر جزءًا من تلاوته اليومية.

يستعرض المؤلف أهمية التدبر في حياة المسلم، ويبيّن أثره في تهذيب النفس وتقوية الإيمان، كما يشرح طرقًا وأساليب تعين على استكشاف أبعاد الآيات؛ مثل فهم سياق الآيات، التركيز على معاني الكلمات، والربط بين المواضيع القرآنية.

يمتاز الكتاب بأسلوبه المنظم وسهولة عرضه، مما يجعله مناسبًا لكل من يسعى إلى جعل القرآن نورًا يسترشد به في حياته، وطريقًا للفلاح في الدنيا والآخرة.

ولكن دعونا نقطف زهرة من بستان هذا الكتاب الرائع، فما لا يدرك كله لا يترك جله، والآن من المادة المختارة وهي بعنوان:(من أجل قراءة مؤثِّرة للقرآن):

  • أولاً: يستحضر القارئ قبل القراءة درجات تدبر القرآن، وهل سيقصد التأمل والتفكر؟ أو الخشوع والتأثر؟ أو محاسبة النفس؟ أو استنباط الحكم والأحكام؟ ولا يضيره بعد ذلك أن يضم في تدبره للآيات بعض هذه الأمور، لكن المهم أن يحصل تنبيه وتذكير للقلب بما هو مقبل عليه وكيف يقبل عليه.
  • ثانياً: يستحضر القارئ عظمة القرآن وجلالة قدره، وعلو منزلته، وجزيل إنعام الله على من قرأه، فيتهيأ لكلام الله بالوجل والخوف والرجاء، والفرح به؛ عسى أن يظفر بالمقصود من إنزاله، وليتهيأ لذلك ظاهراً وباطناً.
  • ثالثاً: إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم فليستحضر طلب العون من الله من كيد الشيطان؛ فإنه يسعى جهده لصد القارئ عن كلام الله، ويحول دونه ودون الانتفاع بالقرآن، فهو إما أن يشغل قلبه عن النظر في معانيه، أو يصرفه فهمه إلى غير المقصود، فلسيتعذ بالله من كيده وشره ومكره، والمعصوم من عصمه الله .
  • رابعاً: وحين يقرأ القرآن يرتِّل ويترسَّل؛ كالباحث عن معنى يخفى بالقراءة السريعة، فهمّته عرض المعاني على القلب؛ عسى أن يتأثر أو يخشع، ليست همّته: متى يختم السورة؟ فهو لا يرضى لنفسه أن يقرأ آية لم يقف عند مدلولها، أو لا يعرف المقصود منها، أو يجهل تفسير كلماتها.
  • خامساً: مما يعين القارئ على معرفة دلائل الآيات: النظر في مورد السياق (الكلام السابق واللاحق)، واستحضار موضوع السورة، أو المقطع أو المشهد الذي تصوره الآيات، والبحث عن حكمة الترتيب، ووجه التعقيب في آخر الآية، والغاية التي تدور حولها الآيات، والنظر في ذلك كله، مع تصور الأثر المقصود الذي تحدثه في نفس القارئ، ونفوس السامعين؛ فيسبِّح تارة، ويسأل تارة، ويستعيذ تارة أخرى.
  • سادساً: من أعظم ما يعين القارئ على استحضار مقصود الآيات، ووجوه تأثيرها على نفسه وقلبه؛ معرفة أجواء التنزيل وكيف تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم الآيات، وكيف وقعت في نفوس الصحابة موقعها حين سمعوها لأول وهلة.
  • سابعاً: تعويد القارئ نفسه النظر فيما ينبغي عليه نحو دلالات الآية وإشاراتها، فإذا مر بآية فيها خطاب للأنبياء علم أنه مخاطب بذلك من باب أولى، وإذا قرأ ثناء الله على أعمال الأنبياء والصالحين علم أنه مخاطب بذلك، وأن تأثّره مقصود واقتداءه مطلوب، وإذا مر بذم الله لأعمال العصاة والظالمين علم أنه مخاطب بذلك، وأن تأثره مقصود، وحذره مطلوب.
  • ثامناً : إذا تأثر بآية، وانتفع بها قلبه، فرح بها وكررها وأعاد النظر فيها، فلا يتجاوزها حتى تنطبع معانيها في قلبه، وينشرح بها صدره.

انتهت المادة المختارة وختامًا إن القرآن ليس كتابًا نقرأه فقط، بل هو كلام من رب السماء إلى أهل الأرض، نورٌ يهدي الحائر، وشفاءٌ لكل ما يعتري القلب من همٍّ وضيق. التدبر فيه ليس مجرد تأمل عابر، بل هو حياة يعيشها القلب، وهو أن تستشعر عند كل آية أن الله يخاطبك أنت، فتقف عند كلماته كما يقف الظمآن على نبع الماء، ترتوي من معانيه، وتستنير بحكمته. اقرأه وكأنك تسمعه لأول مرة، وكأن كل كلمة نزلت لتجيب عن أسئلتك، وتزيل همومك، وتبعث فيك الطمأنينة. فما أعظم أن يكون القرآن شفيعك يوم تلقى الله، وطريقك إلى النعيم الأبدي! اجعل من القرآن ربيعًا لقلبك، ونورًا لدربك، وستجد فيه السكينة والسعادة التي تبحث عنها.