المقومات الأساسية للحياة

منذ 2025-01-27

إذا زاد امتداد النظر والطمع فيما عند الآخرين، ضعف شعورنا بالنعم التي بين أيدينا، بل يتلاشى ذلك الشعور الضعيف الذي كان سابقًا بتلك النعم.

الحمد لله المنعم، صاحب الفضل والكرم والوجود، القائل في كتابه العزيز: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد بن عبدالله، عليه أفضل صلاة وأتم تسليم، القائل صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله»؛ (رواه مسلم من حديث أبي هريرة).

 

فلله الحمد على نِعَمه التي لا تُعد ولا تُحصى، فلماذا البعض منا مع وجود هذه النعم تجده ناقمًا على نفسه قبل غيره، غير متلذذٍ بها؟

 

فأرى أن المشكلة التي وُلدت لدى البعض منا ضعف الشعور بوجود هذه النعم التي بين أيدينا، ومنها ما مقومات للحياة الأساسية؛ كـ (المكان الآمن - الصحة - قوت اليوم وليس الغد)، تكمُن في معايشة هذه النعم في ظل امتداد الأعين هنا وهناك بما عند الآخرين من النعم التي ربما هي أعظم وأوسع وأجمل وأكبرُ وأكثر... إلخ، لذلك وجَّه الله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو توجيه لأمته من بعده بالنظر إلى النعم التي بين الأيدي، واستشعار نعمة الواهب لها، وعدم التطلع لما لدى الآخرين من النعم التي تفوق ما لدينا؛ قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].

 

فإذا زاد امتداد النظر والطمع فيما عند الآخرين، ضعف شعورنا بالنعم التي بين أيدينا، بل يتلاشى ذلك الشعور الضعيف الذي كان سابقًا بتلك النعم؛ حتى ينعدم ذلك الشعور في الأصل، فتجد البعض منا ناقمًا نفسيًّا على نفسه قبل غيره، على أن هذه النعم لغيره وليس عنده في ظنه منها شيء، مع أنه يمتلك هو مِن النعم مقومات الحياة الكريمة التي يتمناها مَن لا يمتلكها في الأصل، أو لا يمتلك كمالها العددي وليس الكمي؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمنًا في سِربه، عنده قوتُ يومه، معافًى في جسده، فكأن الدنيا حُيزت له بحذافيرها»...

 

ولكن مَن يستحضر هذه المقومات، ويتخيَّل أن الدنيا يَملكها ومجوهراتها ونعيمها، هي بين يديه عندما تكون هذه الثلاثة حاضرة بين يديه، وإذا نقص منها واحدًا تعكَّرت لذةُ الحياة والاستمتاع بها، حتى ولو كان لديها من البقية أضعافٌ مضاعفة من النعم، فهل مَن يُصبح خائفًا في سربه - أي في بيته ونفسه - يتلذَّذ بشيءٍ ما؟! وهل مَن يصبح مريضًا في نفسه يتلذَّذ بشيء من البقية؟! وهل من يصبح مُعدمًا لا يجد قوت يومه الكافي لنفسه وأهل بيته، يتلذَّذ بشيء من البقية؟

 

وما سوى ذلك فهو نعيمٌ زائد، بعد توفُّر وجود تلك المقومات الثلاثة التي نصَّ عليها الحديث النبوي على صاحبه أفضل صلاة وأتم تسليم.

 

جعلنا الله لنعمائه من الشاكرين، الشكر القولي والفعلي، {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، فجعلنا الله وإياكم وكلَّ عزيز وحبيب ومسلمٍ ومسلمةٍ في العموم - من أهل المزيد في الدنيا والآخرة.

______________________________________________
الكاتب: د. عوض بن حمد الحسني