{ ولله جنود السماوات والأرض }

منذ يوم

إن سنن الله في أرضه لا تتبدَّل ولا تتغيَّر في نصرة المؤمنين، وإهلاك الظالمين، وإن نصرة المستضعفين لا تكون إلا بعد اكتمال الأسباب المادية والروحية التي كتبها ربُّ العالمين، وإن هلاك الظالمين قد يبطئ ليختبر المؤمنين بهم،

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: 4]، وقال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر: 31]، فجنود الله كُثُر لا يعلمهم إلا هو سبحانه وتعالى، جنود نعرفهم وجنود لا نعرفهم، قال ابن عاشور: والجنودُ: جمع جند، وهو: اسم لجماعة الجيش، واستُعير هنا للمخلوقات التي جعلها الله لتنفيذ أمره لمشابهتها الجنود في تنفيذ المراد.

 

أيها المسلمون، إن الله سبحانه هو القوي الجبَّار المنتقم العزيز العظيم، الذي إذا غضب فإنه شديد العقاب والانتقام، قال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} [الرعد: 6]، وقال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49، 50]، فإذا أسرف العباد في المعاصي والذنوب وحق عليهم العذاب، أرسل عليهم الجبار المنتقم جندًا من جنده ليأخذهم أخذ عزيز مقتدر، جاء في صحيح البخاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ». قالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].

 

يا عباد الله، ومن الجنود الذين قد علمنا عن بعضهم في كتاب الله وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم: الملائكة، قال عطاء رحمه الله في تفسير آية: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31]، يعني: من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار، لا يعلم عدتهم إلا الله، وقال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].

 

ومن الجنود: الريح، قال ابن تيمية: وكان عام الخندق برد شديد، وريح شديدة منكرة، بها صرف الله الأحزاب عن المدينة، كما قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9].

 

ومن الجنود: الصَّيحة، قال تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 67].

 

ومن الجنود: الحجارة، والطير، والمطر، والرعب والخوف، والنعاس، والطوفان، والجراد، والقمل، وغيرها من الآيات والجنود التي أرسلها على الظالمين.

 

عباد الله، إن سنن الله في أرضه لا تتبدَّل ولا تتغيَّر في نصرة المؤمنين، وإهلاك الظالمين، وإن نصرة المستضعفين لا تكون إلا بعد اكتمال الأسباب المادية والروحية التي كتبها ربُّ العالمين، وإن هلاك الظالمين قد يبطئ ليختبر المؤمنين بهم، قال تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: 140].
 

يا عباد الله، إن على المسلم أن يخشى الله ويخاف عقابه، وأن يتذكَّر كيف أهلك الأمم السابقة، كما قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40]، وإن عليه أن يتعاهد نفسه ويحاسبها ويجاهدها حتى ترجع إلى الله سبحانه، وأن يعوِّدها على طاعته، وأن يحذر من الوقوع في محارم الله.

 

وأن يتذكَّر أن أعظم أسباب الخشية لله تذكُّر عظمة الله وقدرته وكبريائه، ومن الأسباب الخوف من فوات التوبة والموت قبلها، ومنها تدبُّر القرآن، والإكثار من تلاوته، والتفكير في المصير بعد الموت، ماذا يكون بعد الموت؟ والتفكير في القبر، هل يكون روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار؟ ثم التفكير بعد ذلك، ماذا بعد البعث والنشور؟ هل أنت من أهل الجنة أو من أهل النار؟ فالتفكير في هذا والعناية به يعينك على خشية الله، ومن الأسباب أن تكون لك صحبة صالحة تُعينك على الطاعة والمسارعة إلى الخيرات.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيِّكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش