أحكام شهر شوال

منذ يوم

شهرَ شوالٍ شَهْرُ بركةٍ، جعَلَهُ اللهُ بينَ شهرِ صيامٍ وشَهْرٍ حَرَامٍ، وقد جَعَلَ اللهُ أَوَّلَهُ لأُمَّتِنا عِيدًَا، فلا تَعْصُوا فيهِ ربَّكُم فيعُودَ سُرورُ العِيدِ ثُبُورًَا، فالمعاصي تُخرِّبُ الدِّيارَ العامرةَ، وتُورثُ الْخِزيَ في الدُّنيا والآخرة، فاستقبلوا هذا الشهرَ بما يُرضي ربَّكُم

الحمدُ للهِ الذي افْتَتَحَ أَشْهُرَ الْحجِّ بشهرِ شوالٍ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له الكبيرُ الْمُتَعالِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهورسولُه وخليلُه الصادقُ الْمَقال، اللهُمَّ صَلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا.

 

أمَّا بعد: ﴿  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}  ﴾ [آل عمران: 102]، واحذروا المعاصي فإنها مُوجباتٌ للخُسران والإذلال، ولا تُبطلوا ما أسلفتُم في شَهْرِ رمضانَ مِن صالِح الأعمال، ألا وإنَّ عَلامَةَ قَبُولِ الحسنةِ الْحَسَنةُ بعْدَها، وإنَّ علامةَ رَدِّها أنْ تُتْبَعَ بقبيحِ الأفعالِ.

 

وتذكَّرُوا أن شهرَ شوالٍ شَهْرُ بركةٍ، جعَلَهُ اللهُ بينَ شهرِ صيامٍ وشَهْرٍ حَرَامٍ، وقد جَعَلَ اللهُ أَوَّلَهُ لأُمَّتِنا عِيدًَا، فلا تَعْصُوا فيهِ ربَّكُم فيعُودَ سُرورُ العِيدِ ثُبُورًَا، فالمعاصي تُخرِّبُ الدِّيارَ العامرةَ، وتُورثُ الْخِزيَ في الدُّنيا والآخرة، فاستقبلوا هذا الشهرَ بما يُرضي ربَّكُم، وتقرَّبوا إليه سبحانه بصيامِ سِتَّةِ أيامٍ منهُ، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «مَن صَامَ رمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّا مِن شوَّالٍ كانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (رواه مسلم)، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «مَنْ ‌صَامَ ‌سِتَّةَ ‌أَيَّامٍ ‌بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» (رواه ابنُ ماجه)، وقال الإمام أحمد: (ليسَ في أحاديثِ البابِ أَصَحُّ منه) انتهى.

قال شيخ الإسلامِ ابنُ تيمية: (فإذا صامَ ستة أيام مع الشهر الذي هو ثلاثون، كُتِبَ لَهُ صيامُ ثلاثةِ مئةٍ وستين يومًا؛ لأنَّ الْحَسَنةَ بعَشْرِ أمثالِها، وكذلك فسَّرهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فحَصَل له ثوابُ مَن صامَ الدَّهْرَ مِن غيرِ مَفْسَدةٍ... وسواءٌ صَامَهَا عُقَيْبَ الفِطْرِ أو فَصَلَ بينهما، وسواءٌ تابَعَهَا أو فَرَّقَها؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وأَتْبَعَه بستٍّ مِن شوَّالٍ»، وفي روايةٍ: «ستًّا مِن شوَّال»، فَجَعَلَ شوَّالَ كُلَّه مَحَلًا لصومها، ولم يُخصِّص بعضَه مِن بعض، ولو اختصَّ ذلكَ ببعضهِ لقال: «وستًّا مِن أولِ شوَّالٍ أو مِن آخرِ شوَّالٍ»، وإتباعهُ بستٍّ مِن شوَّالٍ يَحْصُلُ بفعلها مِن أوَّلهِ وآخره) انتهى.

 

وينبغي إنْ كانَ عليكَ قضاءٌ مِن رمضان أنْ تُبادِرَ بقضاءِ ما عليكَ قبلَ صيامِكَ الستِّ مِن شوالٍ، لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: «مَن صَامَ رمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا»، فإذا صُمْتَ السِّتَّ مِن شوالٍ قبلَ قضاءِ ما عليكَ مِن رمضان، لا يَصْدُقُ عليكَ أنكَ صُمْتَ رمضانَ وإنما صُمْتَ بعضَ رمضان، وهذا هو مذهبُ الحنابلةِ واختيارُ ابنُ رجبٍ وابنُ بازٍ وابنُ عثيمين.

 

وعليكَ أنْ تُبيِّتَ نيَّةَ صيامِ السِّتِّ مِن شوالٍ مِنَ الليلِ، وهذا الحكمُ خاصٌ في النفلِ الْمُعيَّنِ دُون النفلِ الْمُطْلَقِ، وهو ظاهرُ كلامِ الحنابلةِ وقولٌ للشافعيةِ واختيارُ الشيخ ابن عثيمين، لقولهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «مَنْ ‌لَمْ ‌يُبَيِّتِ ‌الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فلا صِيَامَ لَهُ»؛ (رواه النسائيُّ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا ابْنُ خُزَيْمَةَ وابْنُ حِبَّانَ).

 

ومن الأحكام المتعلِّقَةِ بصيام الستِّ مِن شوالٍ: أنه لا يُعلم خلافٌ بين العلماءِ في جواز صيامِها مُتتابعةً أو مُفرَّقة، في أول الشهر أو في وسَطِهِ أو في آخره، وإنما الخلاف في الأفضل.

 

ومن الأحكام المتعلِّقَةِ بصيام الستِّ مِن شوالٍ: أنه لو وُجد في بعض البلدان مَن يَعتقدُ أنَّ صيامَ الستِّ مِن شوالٍ فَرْضٌ لصيامِهَا عَقِبَ يوم الفطر، أو أنها مِن رمضان، فينبغي دفعُ هذه المفسدة وذلك بتأخير صيامها لوَسَطِ الشهرِ أو آخره، قال الإمام ابنُ القيم رحمه الله: (فلا رَيْبَ أنه متى كان في وصلها برمضان مثل هذا المحذور كُرِهَ أشدَّ الكراهة، وحُميَ الفرض أن يُخلطَ به ما ليسَ منه، ويَصومها في وسط الشهر أو آخره، وما ذكَرُوهُ من المحذورِ فدفعُه والتحرُّز منه واجبٌ، وهو مِن قواعد الإسلام) (انتهى).

 

عباد الله: ومن الأحكام المتعلِّقَةِ بشهرِ شوالٍ: استحبابُ العُمرةِ فيه وفي بقية أشهر الحج: فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: (كانوا يَرَونَ أنَّ العُمْرَةَ في أشهرِ الْحَجِّ من أَفْجَرِ الفُجُورِ في الأرضِ، ويَجعلون الْمُحرَّمَ صَفَرًا، ويقولون إذا بَرَا الدَّبَر، وعَفَا الأثَرْ، وانسَلَخَ صَفَرْ، حلَّت العُمْرَةُ لِمَنِ اعتَمَرْ، قدمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه صبيحَةَ رابعةٍ مُهلِّين بالحجِّ، فأمَرَهُم أن يجعلوها عمرةً، فتَعَاظَمَ ذلكَ عندهم، فقالوا يا رسول اللهِ: أيُّ الْحِلِّ؟ قال: حِلٌّ كُلُّهُ) (متفق عليه).

 

 

وسبب تعاظم ذلك: أنهم كانوا يظنون امتناع العمرة في أشهر الحجِّ، فالعمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والمقصود به بيان إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحجِّ.

 

عباد الله: ومن الأحكام المتعلِّقَةِ بشهرِ شوالٍ: استحباب قضاء صيام التطوع من شعبان في شوال، فعن عِمرانَ بنِ حُصينٍ رضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ لرَجُلٍ: «هَل صُمْتَ من سَرَرِ هذا الشهرِ شيئًا» ؟ قال: لا، فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «فإذا أفطَرْتَ مِن رمَضَانَ فَصُمْ يومينِ مكانَهُ» (رواه البخاري ومسلم).

 

والسَّرَر: قيل هو أول الشهر، وقيل وسطه وقيل آخره.

 

قال ابنُ حجر: (وفي الحديثِ: مشرُوعِيَّةُ قضاءِ التَّطَوُّعِ) انتهى.

 

عباد الله: ومن الأحكام المتعلِّقَةِ بشهرِ شوالٍ:استحباب قضاء الاعتكاف لِمَن تَرَكَهُ في رمضانَ لعُذْرٍ،قالتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: (كانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَعتكفُ في كُلِّ رمَضَانٍ، وإذا صلَّى الغَدَاةَ دخَلَ مكانهُ الذي اعتكَفَ فيهِ، قالَ: فاستَأْذنَتْهُ عائشةُ أنْ تَعتكِفَ، فأذِنَ لهَا، فضَرَبَتْ فيهِ قُبَّةً، فسَمِعَت بها حفصَةُ فضَرَبَت قُبَّةً، وسمعَت زينَبُ بها فضَرَبَت قُبَّةً أُخرَى، فلَمَّا انصَرَفَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من الغَدَاةِ أبصَرَ أربَعَ قِبَابٍ فقالَ: ما هذا؟ فأُخبرَ خبَرَهُنَّ فقالَ: ما حَمَلَهُنَّ على هذا؟ آلْبِرُّ؟ انزِعُوهَا فلا أرَاهَا، فنُزِعَت، فلَم يَعتَكِف في رمضانَ حتَّى اعتكَفَ في آخرِ العَشْرِ مِن شوَّالٍ) (رواه البخاري).

 

 

 

أمَّا بعدُ: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرُ الهُدَى هُدَى مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وشرُّ الأُمُورِ مُحدَثاتُها، وكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ.

 

عباد الله: مِن الأحكام المتعلقة بشهر شوال: استحباب الزواج فيه إذا ظهرت بدعة التشاؤم بالزواج فيه، قالت عائشة رضي الله عنها: (تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في شَوَّالٍ، وبَنَى بِي في شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ‌كَانَ ‌أَحْظَى ‌عِنْدَهُ ‌مِنِّي؟ قالَ: وكانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا في شَوَّالٍ) (رواه مسلم)، قال النووي: (وقصدَت عائشةُ بهذا الكلام: رَدَّ ما كانتِ الجاهليةُ عليهِ، وما يَتخيَّلُه بعضُ العَوَامِّ اليومَ من كراهةِ التزوُّجِ والتزويجِ والدُّخولِ في شوالٍ، وهذا باطلٌ لا أصلَ له، وهو من آثارِ الجاهليةِ، كانوا يتطيَّرون بذلك لِما في اسم شوالٍ من الإشالةِ والرفع) (انتهى).

 

ومن الأمور الْمُحْدَثةِ في شهرِ شوَّالٍ: ما يُسمَّى بعيد الأبرار، وهو اليوم الثامن من شوال، فبعدَ أن يُتمَّ بعضُ الناسِ صومَ رمضان، ويُفطروا اليوم الأول من شوال وهو يوم عيد الفطر يبدؤون في صيام الستِّ في اليوم الثاني من شوال، وفي اليوم الثامن يجعلونه عيدًا يُسمُّونه عيد الأبرار، ويكون الاحتفال بهذا العيد في أحد المساجد المشهورة فيختلط النساء بالرجال ويتصافحون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأمَّا ثامِنُ شوَّالٍ فلَيْسَ ‌عِيدًا ‌لا ‌للأَبْرارِ ولا للْفُجَّارِ، ولا يَجُوزُ لأَحَدٍ أنْ يَعْتَقِدَهُ عِيدًا، ولا يُحْدِثَ فيهِ شيئًا مِنْ شَعَائِرِ الأعيادِ) انتهى.

 

عباد الله: ولقد حَفَلَ شهرُ شوال بأحداثٍ عظامٍ في حياة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم: ففي شهر شوال من السنة الأولى من الهجرة النبوية: كانت سريَّة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب إلى بطن رابغ، وفيه وُلدَ أول مولود للمهاجرين في المدينة وهو عبد الله بن الزبير، وفيه: دخول نبيِّنا صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها، وفي شوال من السنة الثانية من الهجرة: كانت غزوة بني سُليم، وغزوة بني قينقاع، وفيه مؤامرة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم من عمير بن وهب وصفوان بن أمية، وفي شوال من السنة الثالثة من الهجرة: كانت غزوة أحد، وغزوة حمراء الأسد، وفي شوال من السنة الخامسة من الهجرة: كانت غزوة الخندق، وفي شوال من السنة الثامنة من الهجرة: كانت غزوة حُنين، وفي شوال من السنة العاشرة من الهجرة: تتابعت الوفود على الرسول صلى الله عليه وسلم مُعلنة إسلامها، إلى غير ذلك من الأحداث في هذا الشهر الْمُبارَكِ.

 

مَنَّ الله عَلَيَّ وعليكم بالخشية والمتاب، ولطفَ بنا عند الممات ويوم الحشر والحساب، آمين.

___________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري