شبهة بلا عنوان
أخطر الفتن ليست تلك التي تُرعبك من بعيد، بل التي تضحك لك من قريب، وتبدو مألوفة، مغلّفةً بالرحمة والتفهم والانفتاح، لكنها في حقيقتها انزلاقٌ ناعمٌ نحو التيه.
الفتنة لا تطرق الباب بصوتٍ مريب، ولا تأتيك بوجهها الحقيقي، بل تمشي إليك متزيّنة، محمولة على أكتاف “الخيار الشخصي”، أو مبررة بـ”التنوع الثقافي”، أو ملفوفة بورق حرية الفكر، حتى تستقر في قلبك دون أن تنتبه لعلاماتها الأولى.
الشبهة لا تدخل العقل بعقلانيتها، بل تتسلل إليه بتكرارٍ ناعم، وتداخلٍ لغوي يُربك المعجم القيمي، فيتحوّل الحرام إلى المختلف فيه، والمنكر إلى اجتهاد، والذنب إلى حرية شخصية، وهكذا تُعاد هندسة الفطرة، لا بالجهر، بل بالتحايل على الألفاظ، حتى يفقد القلب مناعته، ويستبدل الإنكار بالتبرير، ويصير الصمت فضيلة، والإعجاب “تفهّمًا”.
وقد نبّه رسول الله ﷺ إلى طبيعة الفتنة التي لا يُدركها الحسّ، فقال عن أخطرها: “ «مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» (صحيح مسلم)، فكان الشاهد النبوي دقيقًا: لا يقرأها إلا مؤمن، لا ببصره، بل ببصيرته، فليست المشكلة في وضوح الفتنة، بل في ظلمة القلب الذي لا يراها.
ومن هنا كانت أخطر الفتن ليست تلك التي تُرعبك من بعيد، بل التي تضحك لك من قريب، وتبدو مألوفة، مغلّفةً بالرحمة والتفهم والانفتاح، لكنها في حقيقتها انزلاقٌ ناعمٌ نحو التيه.
- التصنيف: