البيان تصدر تقريرها الاستراتيجي التاسع تحت عنوان (الأمة واقع الإصلاح ومآلات التغيير)
بعد انتقال رياح الثورة من شعب لآخر؛ في الوقت الذي ظن فيه البعض أن الاستكانة والخضوع والرضا بالذل والدونية هي جزء أصيل في المكون الجمعي وثقافة هذه الشعوب؛ لتبدأ الأمة، وقلبها العربي، معركة جديدة تتعلق بمناهج التغيير والإصلاح..
أصدرت مجلة البيان بالتعاون مع المركز العربي للدراسات الإنسانية التقرير الارتيادي التاسع، والذي يحمل عنوان "الأمة واقع الإصلاح ومآلات التغيير"، وذلك بعد لحظة التغيير التي حانت في الدول العربية، وبعد انتقال رياح الثورة من شعب لآخر؛ في الوقت الذي ظن فيه البعض أن الاستكانة والخضوع والرضا بالذل والدونية هي جزء أصيل في المكون الجمعي وثقافة هذه الشعوب؛ لتبدأ الأمة، وقلبها العربي، معركة جديدة تتعلق بمناهج التغيير والإصلاح.
وقد جاء التقرير ليؤكد عبر صفحاته أن نجاح الثورات العربية الحالية هو بمثابة عودة الروح إلى قلب الأمة الإسلامية لتبدأ في استعادة عافيتها ومكانتها مرة أخرى، وليؤكد أيضا على أن هذه المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية تعتبر نقطة تحول رئيسة في تاريخها منذ سقوط الخلافة العثمانية، وسطو الاستعمار على معظم دوله، وحتى تسلط تلك الفئة من الطغاة الذين حكموا البلاد طيلة العقود الماضية.
ولقد جاء التقرير في ستة أبواب جمعها خيط ناظم واحد كمنظومة تشد كل دراسة منها أزر الأخرى لتنتظم في تقرير يرتاد للأمة خطاها في مرحلة حرجة تمر بها، ودروب جديدة تتوزع بها في سبل شتى.
الباب الأول: النظرية والفكر
ففي الباب الأول النظرية والفكر جاءت الدراسات الثلاث به لتطرح آفاقًا فكرية جديدة، بدأ الباب بدراسة (مشاريع الإصلاح.. رؤية تقويمية) جاءت لتؤكد أن الإصلاح مفردة قرآنية ذات دلالة عظيمة، وقد جاءت في القرآن والسنة بصيغ متعددة، والإصلاح مهمة ووظيفة الأنبياء عليهم السلام، وعندما تغيب المرجعية الربانية عن الإصلاح يصبح شعارًا أجوف لا قيمة له، فلا يسمى العمل إصلاحًا إلا بمرجعية الشريعة القائمة على السنة والإتباع؛ لأن البدع والأهواء ليست إسلامًا حتى لو صدرت من المسلمين.
ومن النتاج الفكري السياسي تأتي دراسة (قواعد الممارسة السياسية) لتؤطر لرؤية تأصيلية لمسيرة العمل السياسي، في ثمان قواعد تؤصل للممارسة السياسية، وهي: السياسة هي حرب بلغة أخرى، والممارسة السياسية هي إدارة الأوضاع المعقدة، وضبط الأهداف دقة وتركيزاً وترتيباً، وواقعية الرؤية للخريطة السياسية، وفهم المواقف والممارسات في سياقاتها المنطقية، وممارسة فن الممكن هو الطريق إلى غير الممكن. والمكتسبات وعقدة الصراع، وأخيرا تنوع الخطاب السياسي بحسب المرحلة والمخاطب.
وتأتي فكرة العدالة كفكرة إسلامية المنشأ، لتتدثر خلفها الأحزاب الإسلامية، من منطلق أن أكثر من عايش واقع الظلم هم الإسلاميون، وأن فكرة العدالة وممارستها هي أكبر ضمانة للاستمرار والاستقرار: لذلك لم يكن عجيبًا أن تنتشر أحزاب العدالة الإسلامية من تركيا إلى مصر، ومن المغرب إلى ماليزيا وإندونيسيا، لتصل دراسة (الثورات العربية وأحزاب العدالة الإسلامية) إلى عدد من النتائج الهامة وهي: ضرورة المزج المرن بين الدعوي والسياسي، وضرورة إدارة العمل الدعوي في شكل مؤسسي لا يرتبط بالأشخاص، وربط برامج التنمية التي تتبناها الأحزاب بالقواعد الإسلامية، وضرورة ممارسة العمل السياسي بشكل احترافي؛ يعتمد على مراكز الدراسات وخبرات السياسيين القدامى والمعاصرين، مع تقييم مرحلي علمي للأداء الحزبي، والتنبه إلى الحذر من الوقوع في فخ علمنة الإسلام، وطرح النموذج السياسي الإسلامي في إطار أوسع منه، وأكثر عمومية -المرجعية الحضارية- بقصد إبعاده عن الدعوة للشريعة، وإبعاده عن اتخاذ الخطوات الإيجابية لتطبيقها.
ملف التقرير: واقع ومستقبل الثورات العربية
ويتناول ملف العدد التاسع من التقرير أربع دراسات أولها يدرس أسباب الثورات العربية ودوافعها ثم تناولت دراستان البعدين الطائفي والقبلي في الثورات العربية ثم تناولنا مستقبل الوحدة والتكامل بين الدول العربية.
ليصل هذا الباب إلى عدد من النتائج الهامة:
فقد توصلت دراسة (الثورات العربية الأسباب والدوافع والمآلات) إلى أنه من غير المحتمل، على المدى القريب، أن تسقط الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي جميعًا بسرعة كما حدث في أوروبا الشرقية، فعلى الرغم من وحدة دول العالم العربي في اللغة والتاريخ والثقافة والدين، فإنها تختلف في طبيعة نظمها السياسية، وهذا الاختلاف من شأنه التأثير على مسارات ومآلات الثورات وآليات التغيير المختلفة، حيث سيأخذ هذا التغيير عدة أشكال، وبتعدد الأشكال، ستتعدد أنماط استجابة النظم السياسية، بما يحول دون وجود نمط واحد سواء في التغيير أو في الاستجابة.
في حين خلصت الدراسة الثاني: (الطائفية والزخم الثوري في العراق والبحرين) إلى أن هذه الثورات ليست في مسار واحد؛ نتيجة اختلاف الأهداف والغايات، وتداخل العناصر الداخلية وامتزاجها مع العناصر الخارجية، فالثورات الشعبية الكبرى التي حصلت في مصر وتونس لاشك أنها تسهم في قوة الأمة لاسيما أنها حصلت في دول محورية كمصر على سبيل المثال، أما الثورات التي تختلط فيها روائح البترول والطائفية والتي يتغلب فيها العامل الخارجي على استحقاقات العامل الداخلي، فإن نتائج مثل هذه الثورات إن صح التعبير قد تصب في غير صالح الأمة، وتعمق وتزيد من حدة محاور الصراع الطائفي في المنطقة وزيادة النفوذ الأجنبي فيها.
وأشارت دراسة (الدول الثورية.. سيناريوهات الوحدة والتكامل) إلى أن الواقع العربي الحالي لا يساعد على تحقيق التوحد، فإن صيغة التكامل الوظيفي التي تحفظ لكل دولة سيادتها واستقلالها، والتي تقوم على فكرة استغلال الواقع بكل تبايناته، على اعتبار أنها ليست إلا شكلاً من أشكال التنوع الذي يسمح بتوزيع الأدوار والاستفادة المتبادلة من المزايا النسبية لكل دولة من الدول المنخرطة في عملية التكامل، هذا التكامل يتمثل في: تعاون اقتصادي، وتضامن سياسي، وتحالف عسكري، وتنسيق أمني، وتفاعل ثقافي، وتكافل اجتماعي؛ وفيه ينبغي التفكير.
وانتهت دراسة (القبلية والثورات العربية.. نموذجا اليمن وليبيا) إلى عدد من التوصيات منها: أن من الضروري بعد تغيير أي نظام سياسي، أو حتى إصلاحه أن يتبع ذلك تغييرات مجتمعية وهيكلية متنوعة في جميع مجالات الحياة الرئيسة التي تمس أركان الدولة وبنية المجتمع، لاسيما الأولية منها كالقبيلة والجهوية والطائفية.
الباب الثالث: قضايا العالم الإسلامي
أما الباب الثالث الذي يتناول قضايا العالم الإسلامي فقد احتوى على ست دراسات، خلص من خلالهم إلى عدد من النتائج والتوصيات التي تخص قضايا ومشكلات العالم الإسلامي، فعلى سبيل المثال ركزت الدراسة الأولى (مرتكزات نظام الحكم السوري وأثرها في بناء الثورة) على عدد من الإشكاليات نتيجة ممارسة النظام السوري الغاشم حتى بفرضية نجاح الثورة أهمها: غياب البدائل السياسية الناضجة، إشكالية التجانس الإقليمي والمجتمعي، تصحيح علاقة الجيش بالسلطة والمجتمع.
وأشارت دراسة (الثورة الليبية.. قراءة في آليات إسقاط نظم الحكم الفردي) إلى أن أمام الثورة الليبية تحديات جسيمة علي المستويين الوطني والدولي، فوطنيًّا يبدو مسار إعادة البناء مرتبطًا بواجب تجاوز التشققات التي تركتها عملية التخلص من القذافي في مجتمع قبلي صرف، كثيرًا ما تنظر أطراف منه إلى الثورة في نظرتها التجزيئية كانتصار فصيل قبلي على آخر. وهو ما يتطلب إدارة فاعلة وموزونة دقيقة لا تسكت على الجرائم بل لا تنكأ الجراح تشرف عليها شخصيات مدنية قادرة على إدارة المرحلة، بعيدًا عن منطق المحاصصة والاستقطاب السياسي ما بعد الثورة ومؤهلة لتسيير مفهوم غنيمة النصر بروح وطنية تفهم إزاحة القذافي كتحد أو مكسب جزئي ؛ تنفتح بعده مرحلة مجابهة التحديات الكبرى ومرحلة إعادة تأسيس الدولة الوطنية.
وتستنتج دراسة (معوقات التغيير في الجزائر تحت ظلال أزمة التسعينيات) أنّ الجزائر ستخسر أكثر مما تستفيد منه إذا دخلت في ثورة على شاكلة ما حدث في تونس ومصر، كون الجزائر تمتلك ثروةً بترولية ومنجمية وقوة قمعية تذكرنا بما عاشته الجزائر في التسعينيات من دمار معنوي وخراب مؤسساتي لحرب العصابات التي شنتها الجماعات المسلحة على كل الأصعدة، والحرب المضادة التي خاضها الأمن، فالمواطن الجزائري اليوم يخاف من بطش السلطة أو من التغيير، فهو يسعى جاهدًا إلى تجنّب العنف، وهنا نطرح حتمية أن يكون التغيير استباقيًّا من داخل النظام يحول دون انفلات الأوضاع أو انفتاحها على المجهول.
وسلطت دراسة (نتائج الثورة اليمنية.. تكريس للوحدة أم تحفيز للانفصال) الضوء على أن هناك غموضًا يكتنف نتائج الثورة اليمنية، والتي أرجأت حلول كل تعقيدات الحياة السياسية اليمنية إلى ما بعد الثورة، وهذا يفتح عليها مجموعة من التحديات التي قد تلزم بها في حال خروجها عن سيطرة الدولة الحديثة؛ لذا يتوجب على الدولة الحديثة مراعاة التوعية في مدى قدرتها على تحقيق أهداف الثورة والصعوبات التي تكتنف ذلك، بمعنى إيجاد خارطة طريق لذلك.
وتصل دراسة (الأردن.. آفاق ومعوقات التغيير) إلى خلاصة مفادها أن مآلات الثورات الشعبية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وما رافقها من فوضى من الناحية الأمنية والاقتصادية، جعل مسألة التغيير في النظم الملكية غير ممكنًا؛ ومن المستبعد قيام ثورة للإطاحة بها على المدى المنظور، وربما يكون من المرجح سيرها نحو التحول إلى الملكية الدستورية بدرجات متفاوتة.
أما الدراسة الأخيرة (تركيا .. مهمة ثقافية صعبة، ولكن) فتخلص إلى أن تركيا فتحت حدودها السياسية مع المنطقة العربية في العقد الأخير، وهي خطوة جريئة تدفع عجلة الرتق الاجتماعي الإقليمي إلى الدوران، وتقود إلى تداخل أسباب كسب العيش على طرفي الحدود. الخطوة الجريئة الأخرى التي لم تأتِ بعد هي مصارحة الذات من أن تسعة عقود من الانفصال أوجدت موانع فكرية معرقلة للتكامل الإقليمي المنشود ينبغي أن تزول.
الباب الرابع: الأبعاد الدولية والإقليمية
وقد وقف الباب الرابع (القضايا الدولية) من التقرير على مواقف أهم القوى الإقليمية والدولية من ثورات الربيع العربي ابتداءً بروسيا، مرورًا بأمريكا وإسرائيل وإيران، وانتهاء بأوروبا.
ويمكنك –عزيزي القارئ- أن تخرج من هذا الباب بعدة نتائج؛ أهما: أن جميع القوى الدولية سواء أمريكا وأوروبا أو روسيا والصين أو الإقليمية ممثلة في تركيا وإيران وإسرائيل، قد حسم خيارته في دعم الثورات أو الوقوف موقف الضد منها على ضوء رؤيته لمصالحه الوطنية والأولويات فيما بينها؛ وإن كانت معظم القوى الدولية والإقليمية تضررت بصورة أو بأخرى من ثورات الربيع العربي؛ ذلك أن أي صعود عربي هو خصم حقيقي من نفوذ ومصالح تلك القوى.
فترى دراسة (المشروع الإيراني في المنطقة واقع ومستقبل ما بعد الثورات العربي) على سبيل المثال أنه من المنتظر أن تعاني إيران على المديين: المتوسط والبعيد من خسائر فادحة جراء ثورات الربيع العربي قد تكون الأكثر كلفة على الإطلاق منذ الثورة الإيرانية عام 1979م، خاصة إذا ما أدّت الثورات إلى سقوط النظام السوري، وهو ما سيتبعه تراجع دراماتيكي للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية، بدءًا من فلسطين (وهو الأمر الذي أخذ يتحقق)، ومرورًا بلبنان والعراق والخليج، وانتهاءً بإيران نفسها؛ حيث يترقب العديد من الشرائح المعارضة للنظام الإيراني مصير النظام السوري كمؤشر على وضع النظام في طهران. وحتى لو نجا النظام الإيراني، فمن المرجح أن يصبح معزولاً، وألا يلقى نموذجه الثيوقراطي أية جاذبية تُذكَر، خاصة بعدما حصل عام 2009م، دون أن يعني ذلك أن ليس لهذا النموذج أنصار داخل البيئة العربية.
وعلى نفس المنوال، فإن واقع التطورات العربية، وأثرها على إسرائيل، يتعلق بأخذ «كرة الثلج» هذه، ورؤيتها تتعاظم رويدًا رويدًا، بحيث إذا ما تغيرت الأنظمة العربية المقربة من الغرب، وبالضرورة إسرائيل، فإن الموقف - وفقًا لما تقدره محافل إسرائيلية مطلعة- سيتغير نحو جذري، ولن يكون بوسع تلك الأنظمة تجاهل مشاعر جماهيرها فيما يتصل بالعلاقة مع تل أبيب، وحتى الدول التي قد لا تتغير أنظمتها بالكامل؛ لاعتبارات معينة، فإنها ستضطر لتغيير موقفها إيجابيًّا من القضية الفلسطينية، والصراع العربي "الإسرائيلي".
وقد قدَّمت بعض المحافل القريبة من دوائر صنع القرار الإسرائيلي، أن هناك سيناريوهات يمكن اللجوء إليهما للتعامل مع التبعات المتوقعة؛ نتيجة التطورات العربية، في ضوء طرح جهات بحثية عدة أسباب وعوامل تجعل التطورات العربية ليست إيجابية لإسرائيل وفق ما خلصت إليه دراسة («إسرائيل» والتغيير في المنطقة العربية).
أما على الصعيد الدولي فسواء ساهمت أمريكا والغرب في دعم الثورات أو لا، فإن الحقيقة التي لا تقبل جدلاً ـ على فرضية دعم الغرب لتلك الثورات ـ أن منطلقات تلك القوى جميعها هي أن الاستمرار في دعم تلك الأنظمة البالية لن يفيدها في المستقبل، وأن وجود تلك الأنظمة صار عبئًا على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة.
الباب الخامس: قضايا العمل الإسلامي
وسلط الباب الخامس من التقرير التاسع الضوء على أهم ثلاث قضايا تشغل ساحة العمل الإسلامي في الآونة الأخيرة وهي موقف الإسلاميين من النموذج التركي، وكيف يتعامل الإسلاميون مع الإعلام، وموقع التيار السلفي من المشهد السياسي الحالي في مصر.
فجاءت الدراسة الأولى (النموذج التركي وإسلاميو الربيع العربي) لتشير لعدد من المحاذير من احتذاء الإسلاميين للنموذج التركي منها: زرع البلبلة والخلط في عقول الناس في المجتمعات الإسلامية بادعاء توافق الاتجاه العلماني مع الإسلام، وإسباغ الشرعية على الأحزاب العلمانية القائمة، ومنحها التبرير لممارساتها الاستبدادية ضد الإسلاميين المنادين بتطبيق الشريعة، والترويج للأحزاب التي تدعي الإسلامية، وتعلن أن هويتها الإسلام الليبرالي المعتدل، وتعرض العقيدة الإسلامية ذاتها للخطر الجسيم نتيجة إسباغ الشرعية على الدراسات والكليات الإلهية في تركيا، وأمثالها في الدولة الإسلامية التي تعمل على تأويل العقائد الإسلامية إلى تأويلات علمانية ملحدة، مثل تأويلات حسن حنفي التي تدرَّس في الكليات الإلهية التركية.
كما أوصت دراسة (الإسلاميون وفقه الحضور الإعلامي) بعدد من الآليات لحضورٍ إعلامي نافذ للإسلاميين تتمثل في: انتهاج أسلوب التدرج في الإصلاح في ضوء معرفتنا أنَّ كثيرًا من المفاسد والانحرافات التي تحيط بوسائل الإعلام قد استغرق نشرُها وتكريسها زمنًا ممتدًا، وإصلاحها أو تخليصُ الإعلام منها يحتاج إلى زمن ممتدّ أيضًا، والمصالحة بين المؤسسة الدينية التقليدية وبين المبدعين الإعلاميين؛ إذ إن انشغال المؤسسة الدينية بالقضايا التاريخية، وتخوفها من أطروحات التجديد، دفعها للعمل على تحجيم تيارات التجديد في المجتمع، وأن نجاح العملية الإعلامية يعتمد اعتمادًا كبيرًا على مدى إدراك القائمين عليها للإطار العلمي النظري الذي يعملون في ضوئه؛ حيث يتخذ البعد النظري أهميته من خلال دوره الفعّال في تحديد الأسس التي تنطلق منها الرسالة الإعلامية من ناحية، ومن ناحية ثانية في طبيعة التعامل مع تلك الأسس، وأن توافر الإرادة الحقيقية والجادة والمقدرات المادية والبشرية والتقنية الضرورية لتنفيذ الإستراتيجية، والواقع أن ذلك يشكل عقبة كبيرة، ولعلها الكبرى، وقد يفيد في التغلب على تلك العقبة تكوين هيئة إدارية، تنفيذية تتولى بلورة وتعزيز الإرادة الجادة، والتي إذا ما توافرت فإنها ستنجح في توفير المقدرات المادية والبشرية والتقنية اللازمة لتنفيذ الإستراتيجية.
أما الدراسة الثالثة في هذا الباب فهي المشهد السياسي السلفي: دراسة حالة مصر، فتشير إلى أربعة سيناريوهات تنتظر مصير التجربة السياسية للتيار السلفي وهي: إلغاء الانتخابات: البجعة السوداء للثورة المصرية، والقوى السلفية في دوائر صنع القرار، والقوى السلفية في البرلمان: وجود بلا فائدة ، والقوى السلفية: العودة للثكنات الدعوية، وكل منها له محدداته وآلياته، والتجربة وحدها هي التي ستشهد أي تلك السيناريوهات أقرب للتحقيق.
الباب السادس: القضايا الاقتصادية
أما الباب الأخير وهو الذي يتعلق بالقضايا الاقتصادية فتأتي دراسة (إدارة مشكلات الاقتصاد القومي في نُظم ما بعد الثورة) لتضع آلية بيد حكومات بلدان الثورات العربية، وهي أن تتجه إلى دوائر انتماءاتها العربية والإسلامية، وبخاصة في ظل تنامي هذا الشعور، بعد التوجه التركي، الذي يوسع من علاقاته العربية والإسلامية، ويحاول أن يجعل من هذا الانتماء ورقة ضغط على الغرب، وبخاصة في أجندة القضايا الإسلامية، وعلى رأسها قضية فلسطين. ويشارك تركيا في هذا التوجه بلدان أخرى تمثل قوة اقتصادية يعتد بها، وهي ماليزيا.
وقد جاء هذا الإصدار من التقرير التاسع لمجلة البيان مجليا بحق لجميع المفاعيل الداخلية سواء القبلية منها أو الطائفية والخارجية سواء منها الدولية أو الإقليمية في واقع ومستقبل رياح التغيير التي تهب على المنطقة العربية، واضعا الأطر الفكرية والتنظيرية لعدد من القضايا الفكرية التي ترتاد للأمة واقعًا جديدًا وتؤصل للمرحلة الجديدة التي تعيشها الأمة، مناقشا بالوصف والتحليل أهم قضايا العالم الإسلامي، مساهمين بعدد من الإسهامات في دعم مسيرة العمل الإسلامي.
جلال الشايب - 20/3/1433 هـ
- التصنيف:
- المصدر: