مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مِثَلُ النَّخْلَةِ
لَمَّا كَانَ الْمُؤْمِنُ أَطْيَبَ الْخَلْقِ وَأَنْفَعَ الْخَلْقِ وَأَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى شَبَّهَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَطْيَبِ وَأَنْفَعِ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ..
الْعَنَاصِرُ الْأَسَاسِيَّةُ:
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: الرَّسُولُ يُشَبِّهُ الْمُؤْمِنَ الطَّيِّبَ بِأَطْيَبِ الْخَلْقِ.
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ النَّخْلَةِ.
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: بَابُ الشَّمَائِلِ يَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ تَرَاهُ.
الْمَوْضُوعُ:
لَمَّا كَانَ الْمُؤْمِنُ أَطْيَبَ الْخَلْقِ وَأَنْفَعَ الْخَلْقِ وَأَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى شَبَّهَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَطْيَبِ وَأَنْفَعِ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ..
شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ الْمُؤْمِنَ بِالنَّحْلَةِ فَقَالَ: «(مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ النَّحْلَةِ، لَا تَأْكُلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَلَا تَضَعُ إِلَّا طَيِّبًا)»
وَشَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ الْمُؤْمِنَ بِالتَّفَّاحَةِ، وَشَبَّهَهُ بِالتَّمْرَةِ فَقَالَ: «"مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأَتْرِجَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ.." »
وَشَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُ بِالزَّرْعِ فَقَالَ: «"مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ، لَا تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ، وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ"»
وَشَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ الْمُؤْمِنَ بِالسُّنْبُلَةِ فَقَالَ: « "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ السُّنْبُلَةِ؛ تَسْتَقِيمُ مَرَّةً وَتَخُرُّ مَرَّةً" وَفِي الْأَخِيرِ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنَ بِالنَّخْلَةِ فَقَالَ: 'مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ النَّخْلَةِ, مَا أَخَذْتَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ نَفَعَكَ"»
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ:
قَبْلَ اسْبُوعٍ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا كُنَّا نَتَكَلَّمُ عَنْ الْعَمَلِ وَعَنْ السَّعْيِ عَلَى الْمَعَاشِ وَالْحَرَكَةِ لِاكْتِسَابِ الرِّزْقِ وَأَنَّ هَذِهِ هِيَ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِ وَضرَبنَا لِذَلِكَ مِثَالًا بِأُمَّةِ النَّحْلِ الَّتِي لَا تَكل وَلَا تَمَلُّ مِنْ السَّعْيِ وَالْحَرَكَةِ وَالْعَمَلِ وَقَدْ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنَ بِالنَّحْلَةِ فَقَالَ:
«(مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّحْلَةِ، لَا تَأْكُلْ إِلَّا طَيِّبًا، وَلَا تَضَعُ إِلَّا طَيِّبًا)»
أَمَّا يَوْمُنَا هَذَا فَمَعَ مِثَالٍ آخَرَ شَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنَ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَبَّهَنَا بِالنَّخْلَةِ..
وَالسُّؤَالُ: لِمَاذَا النَّخْلَةُ؟
لِأَنَّ النَّخْلَةَ شَجَرَةٌ كَرِيمَةٌ، شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ، شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا النَّاسَ أَرْزَاقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{{وَآيَةٌ لَهُمْ الْأَرْضَ الْمَيِّتَةَ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حُبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ، وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ، لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ}} [سُورَةِ يَسٍ] .
النَّخْلَةُ شَجَرَةٌ نَافِعَةٌ أَطْيَبَ الثَّمَرِ ثَمَرُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّدِيقَةَ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ:
{{وَهَزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَاقِطَ عَلَيْكِ رُطْبًا جَنِّيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقُرِّي عَيْنًا ۖ}} [سُورَةُ مَرْيَمَ] .
النُّخْلَةُ لَا يَنْقَطِعُ خَيْرُهَا إِنْ كَانَتْ خَضْرَاءَ مُثْمِرَةً, أَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً يَابِسَةً، هَى مِنْ شَجَرِ الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَةِ النَّخْلَةُ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ }
مُعْظَمُ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَخْلٌ غُرِسَ لِلْمُؤْمِنِ غَرْسًا بِسَبَبِ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ؛ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ"
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُنَا عَنْ مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ حِينَ جَاءَهُ أَحَدُهُمْ بِجِمَارٍ، وَالْجَمَارُ قَلْبُ النَّخْلَةِ، وَهُوَ طَعَامٌ يُؤْكَلُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« " إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ". فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " هِيَ النَّخْلَةُ "» .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلِّمًا حَكِيمًا وَمُرَبِّيًا عَظِيمًا، بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ عَلَّمَ أَصْحَابَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَنِّفَهُمْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْهَرَهُمْ، بَسَطَ الْمَعْنَى، وَسَهَّلَ الْمَعْلُومَةَ، وَضَرَبَ لِلنَّاسِ الْأَمْثَالَ..
أَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْسُمَ لِلْمُسْلِمِ فِي أَذْهَانِ النَّاسِ صُورَةً حَسَنَةً طَيِّبَةً..
أُحِبُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَنْ بَرَكَةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي حَسُنَ إِسْلَامُهُ فَشَبَّهَهُ بِالنَّخْلَةِ فِي بَرَكَتِهَا أَحَبَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَنْ سَخَاءِ الْمُسْلِمِ وَكَرَمِهِ فَشَبَّهَهُ بِالنَّخْلَةِ لِأَنَّهَا شَجَرَةٌ كَرِيمَةٌ..
أُحِبَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْفَعُ النَّاسَ وَلَا يَضُرُّهُمْ فِي شَيْءٍ فَشَبَّهَهُ بِالنَّخْلَةِ لِأَنَّ النَّخْلَةَ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ.. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ "
وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَ النَّخْلَةِ لَوْ تَأَمَّلْتُمُوهُ كَبِيرٌ:
النَّخْلَةُ تَقُومُ عَلَى سِيقَانٍ وَعُرُوقٍ وَفُرُوعٍ وَأَوْرَاقٍ وَثِمَارٍ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ سِيقَانُهُ إِيمَانُهُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَعُرُوقُهُ أَخْلَاقُهُ، وَفُرُوعُهُ صَالِحُ أَعْمَالِهِ، وَثِمَارُهُ مَنَافِعُهُ الَّتِي تَصِلُ إِلَى النَّاسِ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالْمُعَامَلَةِ الْحَسَنَةِ..
ثُمَّ إِنَّ النَّخْلَةَ لَا تَنْبُتُ وَلَا تُثْمِرُ إِلَّا فِي أَرْضٍ طَيِّبَةٍ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا يَثْبُتُ إِيمَانُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ حَالُهُ إِلَّا فِي الْبِيئَةِ الطَّيِّبَةِ، الَّتِي تُعِينُهُ عَلَى فِعْلِ الصَّالِحَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ..
ثُمَّ إِنَّ النَّخْلَةَ لَا تَنْمُو وَلَا تُثْمِرُ وَلَا تَبْقَى خَضْرَاءَ طَرِيَّةً إِلَّا إِذَا سُقِيَتْ مَاءً عَذْبًا فُرَاتًا، وَإِلَّا يُبِسَتْ النَّخْلَةُ وَمَاتَتْ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ لَا يَتَجَدَّدُ إِيمَانُهُ وَلَا يَزْدَادُ وَلَا يَبْقَى الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ حَيًّا إِلَّا إِذَا سُقِيَ بِمَاءِ الْوَحْيِ السَّمَاوِيِّ، وَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ "
وُصِفَتْ النَّخْلَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِأَنَّهَا طَيِّبَةٌ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ..
وُصِفَتْ النَّخْلَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِأَنَّ أَصْلَهَا ثَابِتٌ وَفَرْعَهَا فِي السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِ الْمُسْلِمِ..
وُصِفَتْ النَّخْلَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِأَنَّهَا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يُعْطِي فِي حَيَاتِهِ وَقَدْ يَبْقَى عِلْمُهُ يُؤْتِي ثِمَارَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ.. وُصِفَتْ النَّخْلَةُ بِأَنَّكَ مَا أَخَذْتَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا نَفَعَكَ سِيقَانُهَا أَخْشَابُهَا ثِمَارُهَا بُذُورُهَا أَغْصَانُهَا أَوْرَاقُهَا لِيفُهَا..
مَا أَخَذْتَ مِنْ النَّخْلَةِ شَيْئًا إِلَّا نَفْعَكَ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ مَا سَمِعْتَ مِنْهُ وَمَا رَأَيْتَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا نَفْعَكَ..
ثُمَّ إِنَّ أَطْيَبَ مَا فِي النَّخْلَةِ قَلْبُهَا وَهُوَ الْجَمَارُ الَّذِي أَحَبَّهُ وَأَكَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ أَطْيَبُ مَا فِيهِ قَلْبُهُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا غُلَّ فِيهِ وَلَا حِقْدَ وَلَا حَسَدَ..
ثُمَّ إِنَّ ثِمَارَ النَّخْلِ تَتَفَاوَتُ:
مِنْهَا الْأَحْمَرُ وَمِنْهَا الْأَصْفَرُ، مِنْهَا الْكَبِيرُ وَمِنْهَا الصَّغِيرُ، مِنْهَا الْحُلْوُ وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِ الْمُسْلِمِ يَتَفَاوَتُ بَيْنَ الْقُوَّةِ وَبَيْنَ الضَّعْفِ مِنْ إِنْسَانٍ لِآخَرَ وَفِي التَّنْزِيلِ الْحَكِيمِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}
وَمِنْ أَقْوَى أَوْجُهِ الشَّبَهِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّخْلَةِ أَنَّ النَّخْلَةَ كُلَّمَا تَقَادَمَ زَمَانُهَا كُلَّمَا ازْدَادَتْ ثِمَارًا، وَازْدَادَتْ حَلَاوَةً، وَكَذَلِكَ أَنْتَ كُلَّمَا زَادَ عُمْرُكَ حَسُنَ عَمَلُكَ قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ"
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ انْ يُبَارِكْ فِي أَعْمَارِنَا وَأَعْمَالِنَا إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ..
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ: بَقِيَ لَنَا فِي خِتَامِ الْحَدِيثِ عَنْ هَذَا التَّشْبِيهِ الْكَرِيمِ الَّذِي شَبَّهَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ الْمُؤْمِنَ بِالنَّخْلَةِ فِي كَرَمِهِ وَسَخَاءَهُ وَقُوَّةِ إِيمَانِهِ وَنَفْعِهِ الَّذِي يَكُونُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، بَقِيَ لَنَا أَنْ نَقُولَ:
إِنَّ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بَابٌ يُعْرَفُ بِبَابِ الشَّمَائِلِ النَّبَوِيَّةِ..
اَلشَّمَائِلُ النَّبَوِيَّةُ بَابٌ مِنْ الْعِلْمِ يَجْعَلُنَا وَجْهٌ لِوَجْهٍ أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
الشَّمَائِلُ النَّبَوِيَّةُ هِيَ: الصِّفَاتُ الْخُلُقِيَّةُ وَالْأَخْلَاقِيَّةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
اَلشَّمَائِلُ النَّبَوِيَّةُ هِيَ: الْمَوَاقِفُ الْحَيَاتِيَّةُ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ وَبَيْنَ النَّاسِ. الشَّمَائِلُ النَّبَوِيَّةُ تُعْنَى بِأَدَقِّ التَّفَاصِيلِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ..
حَتَّى أَنَّ فِيهَا الْحَدِيثَ عَنْ صِفَةِ نَوْمِهِ، وَطَعَامِهِ، وَشَرَابِهِ، وَمَشْيَتِهِ، وَهَيْئَتِهِ، وَجَلْسَتِهِ، وَنَضَارَتِهِ، وَنَظَافَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.. كُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ حَيَاتُهُ الْخَاصَّةُ، كُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ مِسَاحَةٌ مِنْ الْخُصُوصِيَّةِ لَا يُسْمَحُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْهَا يَقُولُونَ هَذِهِ أَسْرَارٌ هَذِهِ خُصُوصِيَّاتٌ هَذِهِ مَسَائِلُ شَخْصِيَّةٌ..
كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا لَهُ مِسَاحَةٌ خَاصَّةٌ وَعِنْدَهُ فِي حَيَاتِهِ أَسْرَارٌ لَا يَسْمَحُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْهَا إِلَّا النَّبِيُّ الْخَاتَمُ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَنَا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَحَ لَنَا أَنْ نَعْرِفَ كُلَّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ عَنْ حَيَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.. لِمَاذَا؟
لِأَنَّهُ النَّبِيُّ الْخَاتَمُ فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قُدْوَةً حَسَنَةً لِأُمَّتِهِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا فِي (عِبَادَاتِهِ، فِي مُعَامَلَاتِهِ، فِي عَادَاتِهِ، قُدْوَةً فِيمَا يُحِبُّ لِأَنَّهُ لَا يُحِبُّ إِلَّا لِلَّهِ، وَقُدْوَةً فِيمَا يَكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يَكْرَهُ إِلَّا لِلَّهِ، قُدْوَةٌ فِي رِضَاهُ، قُدْوَةٌ فِي غَضَبِهِ، قُدْوَةٌ فِي صَبْرِهِ، قُدْوَةٌ فِي سَعَةِ صَدْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ)
وَلِأَنَّنَا الْيَوْمَ نَتَكَلَّمُ عَنْ النَّخْلَةِ كَمِثَالٍ كَرِيمٍ شَبَّهِ رَسُولُ اللَّهِ الْمُؤْمِنَ بِهَا فَقَدْ فَتَحَ الْحَدِيثُ عَنْ هَذَا الْمِثَالِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أُتِيَ بِجِمَارٍ.. وَالْجِمَارُ هُوَ قَلْبُ النَّخْلَةِ، وَهُوَ طَعَامٌ يُؤْكَلُ كَانَ يُحِبُّهُ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا كَانَ يُحِبُّ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ وَالتَّمْرَ وَاللَّحْمَ وَالْقَرْعَ وَالْقُثَّاءَ وَمَا عَابَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا قَطُّ، إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ..
هَذَا الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ مَا تَوَفَّرَ لِأَيِّ نَبِيٍّ إِلَّا لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ بَرَكَاتِ الشَّمَائِلِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الَّتِي اخْتَصَّ اللَّهُ بِهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَتْنَا نَعْرِفُ صِفَتَهُ وَنَعْتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّنَا نَرَاهُ رَأْيَ الْعَيْنِ.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
------------------------------------------------------------------------------
جمع وترتيب : الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد.
إمام وخطيب ومدرس أول .
إدارة أوقاف القناطر الخيرية.
مديرية أوقاف القليوبية . مصر
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: