كرة الثلج
تتربع على قمم الجبال الشاهقة طبقات وأطنان من الثلوج التي تراكمت عبر أزمنة طويلة، تزين الجبال ببياضها الناصع، حتى كأنها إكليل من الورود البيضاء على هامة الجبل، تزيده جمالاً وبهاءً.
تتربع على قمم الجبال الشاهقة طبقات وأطنان من الثلوج التي تراكمت عبر أزمنة طويلة، تزين الجبال ببياضها الناصع، حتى كأنها إكليل من الورود البيضاء على هامة الجبل، تزيده جمالاً وبهاءً.
مع جمالها تعتبر المخزون الاستراتيجي الذي تنبع منه الأنهار، فيحيي الله بها الأرض، ويسقي بها الزرع، فتزين بتدفقها المروج والأودية، لتبعث الحياة والبهجة في كل ما تمر به.
- هذه الصورة الجميلة التي تبهر الناظر إليها؛ لجمالها وروعتها، وعظيم إبداع الخالق سبحانه لها، لم تكن بهذا الجمال لولا ارتفاعها على قمم الجبال، وتلقيها الثلج النقي الطاهر من السماء بلا أي وسيط يتسبب بتلويثها، كما أنها لم تكن بهذا الإحكام لولا التراكم المستمر للثلوج خلال فترات زمنية متوالية، فكل طبقة من الثلوج تأتي لتمتين هذا البناء المحكم.
- هذه الظاهرة الكونية الجميلة تشبه في نقائها وإحكامها وتماسكها الهوية الثقافية التي تتوارثها الأجيال، حتى أصبحت عقيدة محكمة ينمو عليها الصغير، ويهرم عليها الكبير، لتبني منها صورة واحدة واضحة المعالم.
- هذه الصورة الجميلة، وهذه اللوحة الفنية الرائعة، وهذا البناء المحكم، يمر بأزمات تغير شيء من نظامه -كما هي سنن الله في الكون - كالتغيرات المناخية التي تتسبب بالانهيارات الثلجية، عندها يختل شيء من نظام هذا البناء المحكم، وتتزلزل طبقات الجليد، فتنهار أطرافها، لتنزل من ذلك البرج العاجي المرتفع
على شكل كرات الثلج.
- كرة الثلج تبدء صغيرة ثم تكبر مع كل دورة، فتنزل من محضن الولادة، ومحضن البناء والتلقي - بعد عقود من التراكم والبناء – إلى أودية العطاء، محملة بحمولتها الثقافية، لتمضي مسرعة تدفعها سنن الله في الكون، متناغمة مع الجاذبية والارتفاع والكتلة، فقد ظلت لعقود من الزمن في طبقات التلقي، وتراكم التربية والتزكية، لتكون خزيناً يتدفق من بين ثناياها الماء الزلال، لكن يشاء الله الحكيم الخبير أن تنزل بكليتها لتكون جزءً من العطاء، في منظر يظنه الظان شرّاً، وفي طياته الخير الكثير، ومن هذا الخير احتياج الأرض إلى كميات كبيرة، أكبر من الكميات التي كانت تنساب من قمم الجبال على استحياء.
- وهذا العطاء الضخم لا يخرجه على غير العادة إلا حرارة الفتن، ومطارق الابتلاء، لتحرك هذه الكتل الكبرى الغنية من مكانها، لتنزل مسرعة ملبية نداء السنن الكونية والشرعية معاً، فيعظم الأثر ويعم النفع.
- هذا النزول السريع المفاجئ بقدر ما فيه من البلاء إلا أنه كذلك مليء بالعطاء، ولا يخلو هذا العطاء من العقبات التي تتخطاها تلكم الكرات الثلجية المنحدرة، فتجعل من نزولها الحاد سبباً في نموها السريع، وتجعل من الصخور التي تعثر فيها، سبباً في تعددها وتكاثرها، فتتضخم مرة أخرى، لتسلك بعد ذلك دروباً متنوعة، تتبع فيها أثر جريان الأنهار السالفة، مهتدية مقتدية، حتى تصل في آخر المطاف إلى أودية العطاء، ومروج الانضاج، فتكسوها بياضاً يمكث في الأرض، ليسقي جذور أجيال جديدة من الإصلاح، وشرائح عطاء واسعة، لم تكن لتصل إليها حمولة الدعوة والإصلاح لولا رحلة الإحلال المفاجئة.
- يقول الله سبحانه : {.. لا تَحسَبوهُ شَرًّا لَكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَكُم ..} [النور: ١١].
- ويقول سبحانه : {وَتِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعقِلُها إِلَّا العالِمونَ} [العنكبوت: ٤٣]
_________________________________
الكاتب: سعد الشمري
- التصنيف: