الراكبون في قاطرة المسيء للإسلام

منذ 2012-03-02

..ولأنهم مغتربون عن حياتنا وقيمنا؛ فقد عجزوا عن أن يقدموا برهاناً واحداً يستقيم لفهم تحويلهم قضية جنائية إلى "بطولة صاحب رأي وتعبير"، لا من زاوية الشرع، ولا حتى بأبجديات الحرية التي لا يقبل أي شعب في العالم كله أن تكون منفلتة من كل عقال، شاردة عن كل قيمة.



أمير سعيد | 8/4/1433 هـ

لولا أن أنوفاً قد احمرت دفاعاً عن المسيء للإسلام، وانبرت له الأقلام والمنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية لما كان امتد الحديث عنه لفترة أطول مما يستحق؛ إذ صار الملف الخاص به قضائياً، وجنايته أصبحت موضع مساءلة وتحقيق ومحاكمة.. بيد أن اللعبة التي يقول الراكبون في قاطرة المسيء أنفسهم إن الصالحين يرصدونها جيداً، قد أضحت مكشوفة إلى حد بعيد، ليس لأن ترابط الحبات لا تخطئه عين الشمس فحسب، بل لأن هؤلاء يستنسخون بنزق واضح ألاعيب نفذت بالحرف الواحد في بلدان عربية أخرى من قبل، ويريدون تكرار فشل تيارهم البغيض هنا في بلاد الحرمين، مثلما أخفقوا في كل مكان.


ولذا، غدت وسائلهم محفوظة عن ظهر قلب قبل أن يباشروها، غير أنهم لا يبالون بذلك ظناً منهم أن استقواءهم بالخارج سيرجح كفتهم، وينجح في كسب معركة ضد مقدسات يعليها أهل هذه البلاد فوق رؤوسهم؛ فلقد أساء الفتى فسكتوا، ثم لما صدم المجتمع وانتفض العلماء عن بكرة أبيهم ضد هذه الهرطقات، ولاحقته السلطات، شرعوا في الكشف عن وجوههم الحقيقية، ودورهم المألوف ـ كما حصل في أكثر من بلد عربي من قبل ـ دفاعاً عن "حرية التعبير"، وتباكوا في أكثر من محفل خارجي تأليباً على سلطات بلادهم القضائية لاعتبار أن ما حصل من توقيف قانوني طبيعي ليس إلا مصادرة للحريات، وأن توقيف "زميلهم" ليس إلا إجراءً تعسفياً يطال "سجين رأي"، حيث جرت بسرعة عملية عولبة هذا الإجراء القانوني وتصديره على أنه موقف رسمي مدفوع بضغط من بعض "الشيوخ المتشددين"، وليس إجراءً قضائياً طبيعياً نفذ تأسيساً على نظام البلاد، واتساقاً مع فتاوى هيئة كبار العلماء وسائر علماء البلاد.


إن ما يدعو إلى تسليط الضوء مراراً على هذه القضية ليس لأن الحادثة فردية، وإن كانت عند الله لعظيمة، سواء أصدرت من شخص شارد، أو عديدين، وإنما لأن ما يرافق هذا الشذوذ الاعتقادي والفكري عن بلاد اشتهرت باسم "بلاد التوحيد"، هو من الفداحة بحيث يستأهل أن يطلق عليه المخلصون، المستمسكون بالثوابت التي قامت عليها هذا البلاد، وفرضت بعون الله وحدتها وتماسكها على مر العقود؛ فأفراخ الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم لم تخرج إلا من أوكار وأعشاش فكرية خبيثة، استنبتها الشيطان، وروتها فئة متغربة منفصلة عن تربة هذه الأمة، تردد أصواتاً نشازاً، تحارب الشرع وتعادي ثوابت البلاد وقيمها، وتستورد أفكار الضلال والأباطيل، ولأنهم كذلك؛ فقد تجنبوا البوح بمكنونات صدورهم في كثير من وسائل الإعلام المحلية برغم "ما تتمتع به من ليبرالية"، "سعة صدر" في هذا الخصوص، وآثروا أن يجيشوا الغرب عبر وسائله الإعلامية ومنظماته الحقوقية، بتواصلهم المباشر معهما، نظراً لشذوذ آرائهم في الداخل السعودي وصعوبة بث ما يقولونه للرأي العام المحلي..


ولأنهم كذلك؛ فقد تجاهلوا بيان هيئة كبار العلماء، وسعوا لعزل بعض العلماء المحتجين على هذا المجافاة الواضحة لثوابت الدين، وتلك المساندة "الليبرالية" الواضحة، لإظهارهم وحدهم في خانة المعارضين لها، المؤلبين عليها، وتحويل القضية إلى قضية شخصية تمس هذا العالم أو ذاك، أو هذا الفكر أو ذاك، فيما الجريمة الكبرى التي حصلت لا يختلف على بشاعتها كل من أوتي مسحة من علم، بل كل من درس مبادئ علم العقيدة في سني الدراسة الأولى، لا، بل حتى من ظل على فطرته السمحاء التي تلفظ كل باطل أو مجادل عنه.


وأفراخها الذين يسمون بعضهم بـ"النشطاء"، أو "أصدقاء" المسيء، يذهبون مع هذه الوسائل كل مذهب حتى يمرروا مثل هذه الخبائث من الأقوال والأباطيل، بقولهم إن صاحبها "لم يتعرض لأحد بالسب بل قال كلاما سريالياً، وقد أساء البعض فهمه"!، أو يقولون أن "هناك من لم يتوقع وجود من هم على استعداد للتضحية من أجل قضية حمزة التي باتت قضية حريات في المملكة."، ولذا؛ فإن هناك "ميل إلى تهدئة القضية"! أو صناديدها الذين يسمون بـ"المفكرين المبدعين"، ويقولون: "نحن نعيش في ظل ثقافة تحاصر الإبداع، ومجتمع يعادي العقل"، نشطوا لكي يغطوا الانسحاب التكتيكي لتلك الهجمة العاتية.


ولأنهم مغتربون عن حياتنا وقيمنا؛ فقد عجزوا عن أن يقدموا برهاناً واحداً يستقيم لفهم تحويلهم قضية جنائية إلى "بطولة صاحب رأي وتعبير"، لا من زاوية الشرع، ولا حتى بأبجديات الحرية التي لا يقبل أي شعب في العالم كله أن تكون منفلتة من كل عقال، شاردة عن كل قيمة.