سأبقى وفيا لاستقرار وطني المغرب
سأبقى وفيا لاستقرار وطني، خائفا على مكتسباته، واقفا إلى جنب المظلوم، ناهيا بالحكمة عن منكر الظلمة والمترفين...
سأبقى وفيا لاستقرار وطني، خائفا على مكتسباته، واقفا إلى جنب المظلوم، ناهيا بالحكمة عن منكر الظلمة والمترفين...
في كل حي قطنته مع والداي ثم بعد ذلك مع أسرتي، إلا ولاعبت وأنا صغير أبناء البوليسي وأبناء المخزني وأبناء الدركي، وأبناء العسكري، ولنِعم الجورة كانت وما تزال، وقد صاحبت بعد ذلك، بعد أن اشتد العود أصدقاء من فصيل الشرطة والجندية والدرك، فلنِعم الأخوة كانت ولم تزل...لقد ضرني كثيرا وآلمني أكثر أن أرى أبناء الشعب الواحد ولربما بل الأكيد من ينتمون إلى نفس الطبقة الاجتماعية الواحدة ويعانون عين المشاكل المعيشية مع سياسة حكومية حائفة لا تنظر للمواطن البسيط بعين الرحمة، بل ما فتئت مشاريعها كلما رأت نوعهما وجنسهما جاعت فجشعت وباعت كل بقرة مصراة حلوب، ثم أوغلت يدها القذرة في قصعة أحلامنا البسيطة وآمالنا المعقولة المطالب.
قلت ضرني كثيرا أن تشهد وأن تكون شوارع وأزقة ومدن هذه المملكة الآمنة مسرحا وساحة ترفع فيها العصي والهراوات ويتبادل فيها الضرب والتراشق بالحجارة الدامغة من جمعهم حب الوطن والأخوة في تربته المعطاء وعروة الدين الوثقى، وأن يتربص الأخ المواطن الشرطي بأخيه المواطن من شباب الوطن، وأن ينقلب الوضع إلى خصومة ثم تصير الأوضاع إلى عداوة طافحة تنتهك فيها الحرمات وتنسف في زيغها المكتسبات وتزهق الأرواح البريئة، وأن يفقد من خرج مطالبا بتصحيح أوضاع الصحة ببلاده إلى معوق فاقد لشطر كبير من صحته الجسدية والنفسية...
إنني حينما أرفض العنف فليس ذلك موقف ضعف مني أو من غيري، بل أرى هذا الرفض في وجه الطرفين هو قمة القوة وعين الحكمة، فلا مستقبل لوطن يسود مكوِّنه البشري الاحتقان ويتصوّل الظلم في أروقة مخافره ومحاكمه ومؤسساته المتنفذة، وتتغوّل فيه العربدة والبلطجة صنفا من شباب الأمة المغربية، فلا مستقبل لوطن تستبدل فيه منقبة العدل وخفض جناح أذن الإنصات وبناء قواعد الثقة بين من هم يديرون الشأن العام وبقية الشعب والرعية، فمتى كان العنف وسيلة ناجعة لتدبير الخلافات من جهة الدولة، ونيل المطالب من جهة الشعوب، وقد أثْرَتْ التجربة في هذا الدرك رصيد التاريخ المعاصر وأشبعت صفحاته بمآسٍ وكوارث شابت من أنهار وسواقي دمائها نواصي ودوائب الصابرين المحتسبين، ثم جنت الشعوب المضطهدة المكلومة لهيب نار باغية جائرة أحرقت اليابس والأخضر، واستبدل بعد أيام نحسات السيء بالأسوأ والذي هو أشر بالذي هو أدنى.
إن هيبة الدولة يجب أن لا تنتهك فإن في انتهاكها ذهاب ريح العصمة وتلف بيضة الوحدة، كما أن على الدولة في المقابل أن تعيد النظر في مقاربتها العلاجية وفق ضوابط أخلاقية وعرفية، فلطالما كانت علاقة المغاربة بملوكهم من المتعاقبين على سدة حكم العرش العلوي علاقة أبوة وبنوة يسودها الاحترام وتتوثق عراها ببيعة شرعية أعظم من الرابطة المدنية أو العقد الاجتماعي، لأن المبايع في بيعته يرعى حق الله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم في كل من تولى حكم المسلمين أينما أناخوا رحل مواطنتهم.
وإن أنس فلن أنسى أن أنبِّه إلى خطر ذلك التراشق الموازي الذي تدور معركته الشرعية والفكرية بين من يرفعون سوط اللوم والتخوين ويجاوزون الحدود الأدبية في التعامل مع من أدلوا بدلو الرأي والفتوى من العلماء وطلبة العلم منعا وإيجازا لذلك الخروج السلمي، الذي ما فتئ أن تحوّل سريعا إلى فوضى واعتساف وعدوان متبادل بين أجهزة الدولة وشباب الحراك، فإن الخلاف في الوسائل وارد، وإنّما الفرقة والانقسام فتنة فاقعة السواد مصداقا لقوله تعالى: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، وعلى الجميع بدل الانغماس في هذا الجدل المقيت الذي قد يُجعل غطاء لتصفية حسابات أو خدمة قناعات غير شرعية، أن يكفكفوا وأن تتظافر جهودهم من أجل الخروج السريع من أتون ومزالق هذه الفتنة، ذلك أن الفتوى الحقيقية تؤخذ وتصدر لوجه الله لا للاستغلال، وأنه عندما تصدر الفتوى هاهنا من محالها تبقى دائرة بين الأجر والأجرين ما دام قصد المتدخلين هو نصرة دين العباد وحمى البلاد، سلّم الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل فتنة لا يوقر فيها كبير ولا يُرحم فيها صغير آمين.
محمد بوقنطار
محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.
- التصنيف: