موقف العامي وطالب العلم من المذاهب الفقهية
قال العلماء: العامي لا مذهب له ولو ادعى أنه على مذهب معين، بل مذهبه في كل مسألة هو مذهب من أفتاه فيها من أهل العلم، وإذا اختلف عليه أهل العلم أخذ برأي من يثق في علمه ودينه، ولا يجب عليه تلقيد شخص بعينه.
قال العلماء: العامي لا مذهب له ولو ادعى أنه على مذهب معين، بل مذهبه في كل مسألة هو مذهب من أفتاه فيها من أهل العلم، وإذا اختلف عليه أهل العلم أخذ برأي من يثق في علمه ودينه، ولا يجب عليه تلقيد شخص بعينه.
وللتوسع في هذه المسألة انظر: أدب الفتوى لابن الصلاح (ص: 138)، البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (8/ 373)، جمع الجوامع بحاشية البناني (2/401)، حاشية ابن عابدين (1/ 48)، إصلاح المساجد من البدع والعوائد للقاسمي (ص: 66)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (1/ 107).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (20/ 208): "إذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به، بل كل أحد من الناس يُؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ له، ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق، بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله، فيفعل المأمور ويترك المحظور".
وقد نقل ابن القيم الإجماع على عدم جواز التعصب لعالم بعينه، واتخاذ أقواله بمنزلة نصوص الشارع لا يلتفت إلى قول من سواه، بل ولا يلتفت إلى نصوص الشارع إلا إذا وافقت نصوص قوله، وذكر أن هذا التعصب لم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون الفاضلة. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم (2/ 166).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "من كان أهلا لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة ويقوى على ذلك ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام كان له ذلك؛ ليعمل به في نفسه، وليفصل به في الخصومات، وليفتي به من يستفتيه، ومن لم يكن أهلا لذلك فعليه أن يسأل الأمناء من أهل العلم في زمنه، أو يقرأ كتب العلماء الأمناء الموثوق بهم ليتعرف الحكم من كتبهم، ويعمل به، من غير أن يتقيد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم، وضبط كتبهم وانتشارها، وتيسرها لهم. ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقا فهو مخطئ جامد سيئ الظن بالمتعلمين عموما، وقد ضيق واسعا، ومن قال بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة فهو مخطئ أيضا، قد ضيق واسعا بغير دليل، ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة وغيرهم كالليث بن سعد والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء". فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (5/ 53 - 54).
وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية: "عند اختلاف العلماء على المسلم إن كان له نظر في الأدلة أن يتبع من أقوالهم ما كان أظهر صواباً وأرجح دليلاً، مع ترك التعصب للأئمة وتقديم أقوالهم على نصوص الشرع، مع إنزالهم منزلتهم اللائقة بهم، والاستفادة من اجتهاداتهم في فهم نصوص الشرع، مع الحذر من تتبع رخص الأقوال والترجيح بالتشهي بما يناسب هوى المستفتي بحجة أن في المسألة أقوالاً، فمجرد الخلاف ليس دليلاً. أما إن كان عامياً - أي غير متخصص في علوم الشريعة، ولا له نظر في الأدلة - فإنه لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من اتفق له ممن هو من أهل العلم والورع من غير ترخص. قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: (فإن قال قائل: فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عُقِّل أن يعقل، وإذا فُهِّم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم، فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقل يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده" انتهى. وقال النووي في روضة الطالبين: (وليس له التمذهب بمجرد التشهي، ولا بما وجد عليه أباه. والذي يقتضيه الدليل أن العامي لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من يشاء، أو من اتفق، لكن من غير تلقط للرخص)، والله أعلم". فتاوى الشبكة الإسلامية (18/ 386، بترقيم المكتبة الشاملة آليا).
محمد بن علي بن جميل المطري
دكتوراه في الدراسات الإسلامية وإمام وخطيب في صنعاء اليمن
- التصنيف: