السؤال نصف العلم

منذ 3 ساعات

العناصر الأساسية:  العنصر الأول: من مواطن العظمة في الإسلام أنه بلا أسرار.  العنصر الثاني: مشروعية السؤال في الإسلام..  العنصر الثالث: شفاء العِيِّ السؤال.  العنصر الرابع: سل لتعبد ربك على علم.


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أيها الإخوة الكرام:  قبل أسبوع من يومنا هذا كنا نتحدث عن موطن من مواطن العظمة في الإسلام وهو أنه دين عدل وإنصاف للكبير الذي اشتعلت رأسه شيباً على الإسلام،  أوجب الإسلام علينا أن نحترم هذا الكبير ونوقره ونحترمه وإلا كنا أبعد ما نكون من سنة الحبيب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم.. 
أما يومنا هذا: فالحديث عن موطن آخر من مواطن العظمة في الإسلام وهو: أن الإسلام دين واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ليس في الإسلام خبايا، ليس في الإسلام خفايا، ليس في الإسلام أسرار.. 

من هنا أذن الله تعالى للمسلم أن يسأل في الإسلام عن كل شيء،  وأن يسأل عن أي شيء، ففي الإسلام كما أسلفت لا خبايا ولا خفايا ولا أسرار..

 أعمل عقلك وتفكر وتدبر في كتاب الله، في سنة رسول، تدبر في ملكوت الله،  تفكر في خلق الله،  كما شئت، أعمل هذا العقل على أن تُحكم العقل والفكر بميزان الشرع،  وبنور الذي أُنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلّم.. 

ساعتها يُكرمك الله تعالى بالعلم النافع لك ولغيرك في دنياكم وفي أخراكم.. 

قال رجل لحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: بِمَ أصبتَ هذا العلم؟ قال: أصبته بلسان سؤول، وقلب عقول..

وقال رضي الله عنه : ما رأيتُ قومًا كانوا خيرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم... ما كانوا يسألون إلَّا عمَّا ينفعهم.. 

الجهل عمى والعياذ بالله، الجهل عدو صاحبه،  والعلم نور، والعلم مغيث صاحبه.. 

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : «خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ..  فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ : هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ ؟ فَقَالُوا : مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ..  قال جابر : فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ : " قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا ؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ»

أما (الْعِيِّ) فهو الجهل،  وأما شفاء الجهل فهو السؤال قال: " قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا ؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ "

السؤال عما لا يُعلم ليُعلم منهج شرعي نص عليه القرآن الكريم وسنة الحبيب النبي صلى الله عليه وسلّم 
قال الله تعالى: {{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}}
وقال عز من قائل: {{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۖ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}}

فتح الله للناس باب السؤال عن دينهم على مصرعيه ( ليتفقهوا،  وليتعلموا) لذلك سأل الصحابة رسول الله في الإسلام عن كل شيء،  وعن أي شيء، وما سأل الناس رسول الله سؤالاً إلا حضر الجواب عليه،  لأنه لا خفايا ولا خبايا ولا أسرار في الإسلام.. 

سأل الصحابة رسول الله عن الحلال، سألوه عن الحرام، سألوه عن الخير، سألوه عن الشر، سألوه أي الناس خير، سألوه عن الشر 

أكثر الصحابة سؤالاً أبو ذر رضي الله عنه.. وأعجب الصحابة سؤالاً حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.. 

قال حذيفة " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي "

سألوا رسول الله عن الله تعالى فقالوا هل نرى ربنا يوموالقيامة؟ 
قال: هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله..
 قال: هل تضامون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا؛ يا رسول الله.. 
قال: فإنكم ترونه كذلك.
سألوه عن ليلة الإسراء والمعراج فقالوا:  هل رأيت ربك؟ 
قال:  نور أنى أراه.. 
سألوه: هل على المرأة غسل إذا احتلمت قال نعم إذا رأت الماء. 
سألوه:  متى الساعة؟ قال:  إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة. 
سألوه عن ذي القرنين:  فجاء الجواب {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا} 
سألوه: عن سيدنا يوسف..  فجاء الجواب {{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ}
سألوه: فقال أحدهم إن أمي ماتت فأي الصدقة أفضل؟  قال:  الماء. 
سألوه:  أيكون المؤمن جباناً؟ قال نعم..  قالوا أيكون المؤمن بخيلاً؟  قال نعم...  أيكون المؤمن كذاباً قال لا.. 

عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ  رضي الله عنه، قَالَ : « أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ، وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ..  وَإِذَا عِنْدَهُ جَمْعٌ فَذَهَبْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالُوا : إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ..  فَقُلْتُ : أَنَا وَابِصَةُ، دَعُونِي أَدْنُو مِن رسول الله ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ..  فَقَالَ لِي رسول الله : " ادْنُ يَا وَابِصَةُ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ "..  قال: فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ. فَقَالَ : " يَا وَابِصَةُ، أُخْبِرُكَ مَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ، أَوْ تَسْأَلُنِي ؟ "  فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخْبِرْنِي أنت..  قَالَ عليه الصلاة والسلام: " جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ، وَالْإِثْمِ ". قُلْتُ : نَعَمْ..  قال: فَجَمَعَ رسول الله أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي، وَيَقُولُ : " يَا وَابِصَةُ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ، وَأَفْتَوْكَ "» .
أيها الإخوة الكرام: إن هذا العلم خزائن،  وما من خزانة إلا ولها مفتاح، ومفتاح العلم السؤال.. 

 قال أبو عَمرِو بنَ العَلاءِ : (أوَّلُ العِلمِ: الصَّمتُ، والثَّاني: حُسنُ الاستِماعِ، والثَّالثُ: حُسنُ السُّؤالِ، والرَّابعُ: حُسنُ الحِفظِ، والخامِسُ: نَشرُه عِندَ أهلِه).. 

السؤال عن العلم: طريق العلم وطريق الطمأنينة وطريق الفقه،والفهم عن الله وعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم..

 ومن القواعد المقررة شرعاً أنه لا حياء في السؤال عن العلم النافع .. 

 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَسْمَاءَ بنت يزيد سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ :
« " تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا، فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً ، فَتَطَهَّرُ بِهَا ". فَقَالَتْ أَسْمَاءُ : وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا ؟  فَقَالَ : " سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِينَ بِهَا "» .. 
«فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ : تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ : " تَأْخُذُ مَاءً، فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ "» ..
« فَقَالَتْ عَائِشَةُ : نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ» . 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا العلم النافع والعمل الخالص إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير. 

الخطبة الثانية.. 
بقي لنا في ختام الحديث عن موطن من مواطن العظمة في الإسلام وهو أنه دين واضح ليس فيه خفايا،  ليس فيه خبايا،  ليس فيه أسرار.. 
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول: 
إن الناس على عهد النبي عليه الصلاة والسلام نهوا عن كثرة الدخول والخروج من عند رسول الله، ونهوا عن كثرة السؤال في وقت من الأوقات.. لماذا؟ 
لأنهم سألوا في ذلك الوقت عما يضرهم ولا ينفعهم، لأنهم جعلوا يسألون رسول الله لمجرد السؤال ولمجرد الكلام مع النبي عليه الصلاة والسلام..

«قال أحدهم: يا رسول الله أين ناقتي؟  وقال غيره: أين أبي؟  وقال الآخر : من أنا؟  فلما سألوه عن مثل هذا،  ولما تكلموا في مثل هذه التفاهات أنزل الله تعالى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيم}»  

 ثم إنه خشية أن يفرض على الناس بسبب كثرة سؤالهم فرائض جديدة يعجزون عن الإتيان بها نهاهم رسول الله عن كثرة الدخول والخروج من عنده، ونهاهم عن كثرة السؤال.. 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : « خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ :  " أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا ".  فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ قُلْتُ نَعَمْ ؛ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ".  ثُمَّ قَالَ : " ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا أهَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ ؛ فَدَعُوهُ "» .

أما اليوم وقد توفي رسول الله،  أما الآن وقد انقطع الوحي،  أما الآن ولا تشريع جديد فسل عما بدا لك.. 

تفقه، فمن يرد الله به خيراً يفقه في الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. 

سل عما بدا لك، سل لتعرف دينك، سل لتعبد ربك على علم فمن كان بالله أعرف كان لله أخوف { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 

سل كما شئت فلا تشريع جديد فقد انقطع الوحي بوفاة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلّم.. 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 

----------------------------------------------------------
جمع وترتيب : الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد.
إمام وخطيب ومدرس أول .
إدارة أوقاف القناطر الخيرية.
مديرية أوقاف القليوبية . مصر

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.