سِعة الآخرة

منذ ساعتين

من المعاني التي يحرص القرآن على غرسها في نفس المؤمن "سِعة الآخرة"

من المعاني التي يحرص القرآن على غرسها في نفس المؤمن "سِعة الآخرة".. في كل سورة تقريبًا يتحدث القرآن عن أبواب ضخمة وأنهار كبيرة وحدائق غنية وقصور فخمة ولذّات غير متناهية لا في الكم ولا في النوع ولا في اللّذّة، عن سكينة لا يضطرب معها قلب وخلود لا يعتريه شيب وانبهار لا ينقضي!

مرةً من خلال القَصص القرآني والكشف عن مصائر الصالحين، ومرةً عبر المقارنة والتضاد بين طبيعة الدنيا والآخرة ولذّات الدنيا والآخرة، ومرةً عبر الأسئلة البلاغية والحوار الجدلي لإيقاظ العقل واستجاشة المشاعر...

فهذا التكرار المستمر لهذه المعاني بأساليب مختلفة وألفاظ متنوعة؛ ليس للترف الخيالي، بل خطاب حكيم، غرضه:
إخراج المؤمن من ضيق الدنيا إلى سِعة الآخرة.
حتى أن خيال الإنسان يتقاصر عن أن يتصور هذه السِعة، وكلما تقاصر عن أن يتصورها؛ تضاءلت في نفسه الدنيا بما فيها من ملذّات وآلام.. وكان الشيخ الشعراوي في تفسير قول الله تعالى: «فما مَتَاعُ الحياة الدنيا في الآخرةِ إلا قَليلٌ»، يقول: "ذلك أن الإنسان بفطرته يُحب كثرة النعم".

إن استشعار سعة الجنة، ليس هروبًا من واقع الدنيا، بل ضرورة لاستعادة التوازن.. فحين ينتبه المؤمن لهذا المقصد القرآني ويستولي على قلبه؛ ينعتق من أسر الضيق الدنيوي، فلا الفقر يُحطم آماله، ولا الظلم يكسر نفسه، ولا صولة الباطل توهن عزمه، ولا التعب يستنزف صبره، إذ كل بلاء في الدنيا مؤقت، وكل نعيم فيها زائل.

___________________________________
الكاتب: محمد وفيق زين العابدين