الحزن

منذ 3 ساعات

"يا أصدقائي، كم من إنسان ظنَّ أنه يعيش بقلبٍ قوي، حتى جاء الحزن فهزَّ عموده الفقري، فعرف لأول مرة أين يقف، وعلى ماذا يستند.

"يا أصدقائي، كم من إنسان ظنَّ أنه يعيش بقلبٍ قوي، حتى جاء الحزن فهزَّ عموده الفقري، فعرف لأول مرة أين يقف، وعلى ماذا يستند. 
فالحزن هو الممحاة التي تُسقط كل الأوهام، وتترك الحقيقة عارية لا ترتدي إلا قسوتها.

وأخطر الحزن ليس ذاك الذي يبكيك، بل ذاك الذي يصمت في صدرك، ويجلس هناك كشيخ عجوز يراقب خطواتك. أنت لا تتحدث إليه، لكنه يفهمك، ولا تبكي أمامه، لكنه يرى كسر روحك كما يرى النحات شقوق الحجر قبل أن يضربه بمطرقته.

من أراد طريق القوة، فليدعُ الحزن إلى مائدته، لا ليُكرمه، بل ليتعلم منه. فالحزن يعلِّم الإنسان التواضع أمام قدره، والصبر أمام جروحه، والشجاعة أمام نفسه. كم من رجلٍ ظنَّ أنه شجاع لأنه يواجه العالم، غير أنه ارتجف كطفل عندما واجه جرحه القديم!

فهناك، في ذلك الظلام الداخلي، يبدأ الإنسان بالسؤال: من أنا؟ ولماذا أستمر؟ وما الذي يستحق أن أرفع رأسي من جديد لأجله؟

الحزن لا يريد أن يقتلك، بل يريد أن يختبر ثِقَل قلبك. يريد أن يراك وأنت تحاول أن تقف بعد أن سقطت، يريد أن يسمع صوتك وأنت تقول: ما زلتُ هنا.

ويا للعجب، عندما يفهم الإنسان حزنه، يبدأ شيئًا فشيئًا يفهم العالم. فالألم يفتح العين الثالثة في القلب، تلك التي ترى ما لا يُرى، وتسمع ما لا يُقال.

احملوا أحزانكم كما يحمل المتسلق صخوره؛ فالصخور لا تمنعه من الوصول، بل تمنحه عضلات أقوى، وروحًا أكثر صلابة.

واذكروا دائمًا: إن الحزن الذي يعلِّمكم معنى السقوط، هو نفسه الذي سيعلِّمكم كيف تخلقون أجنحتكم.
هكذا أقول لكم: لا تهربوا من حزنكم. فمن هرب من حزنه، هرب من نفسه، ومن هرب من نفسه ظلَّ تائهًا حتى النهاية". انتهى