لكنَّ الشَّام لا بواكي له

منذ 2012-03-11

إنَّ الشَّام هي البوابة والحصن الحصين، لأهل السُّنة والجماعة، ولو كسرت هذه البوَّابة، وهدم الحصن، أقسم بالذي رفع السَّماء، وبسط الأرض، وفلق الحبَّة، وبرأ النَّسمة، سيصل المجوس الصَّفويون الرَّافضيون الحاقدون المارقون إلى قلب الجزيرة، وإلى مكة والمدينة -لا قدر الله-...


لقَد تاه أَهلُ الشَّام في أَرضهِم أربعةَ عقود، بين القوميَّة، والبعثيَّة، والوطنيَّة، والاشتراكيَّة، تجلِدُ ظهورَهم سِيَاطُ النُصَيرِيَّةِ الباطنيَّةِ، تلكَ الشِّرذِمَةُ القليلةُ من أهلِ الكُفرِ والضَّلال، الذينَ رَكبُوا ظُهُورَ أَهلِ الشَّام في وقت غفلَة، ومَا زالُوا إلى اليومِ يسُومُونَ أهلَ السُّنَّة العذَابَ، يُقتِّلونَ رجالَهُم، ويزُجُّون بهم في السُّجون، ويعيثُونَ فسادًا في أَرضِهم، ويستضعفُونَ نساءَهُم.

هبَّ الأحرار الشُّرفاء، في سوريا المجد والإباء، ينادون ويهتفون بكلِّ سلميَّة ووطنيَّة، نابذين الطَّائفية والعنصريَّة وراء ظهورهم، يقولون: واحد.. واحد.. واحد..الشَّعب السُّوري واحد.

إنَّ الثَّورة السُّورية إسلاميَّة بامتياز، وهذا واضح جلي لكلِّ متابع لمراحل وأطوار هذه الثَّورة المباركة، فهي ثورة انطلقت من المساجد، من بيوت الله عزَّ وجلَّ، وتكون المظاهرات على أشدِّها في يوم عيد المسلمين الأسبوعي، بل سمِّيت كلُّ جمعة باسم معيَّن، لتستثار الهمم والعزائم، ويلاحظ المتابع المهتمُّ، أنَّ الثُّوار إذا حان وقت الصَّلاة، أذَّنوا ثمَّ أقاموا الصَّلاة، وصلُّوا جماعة في أماكنهم، في الشَّوارع والميادين والسَّاحات العامَّة، كما تلاحظ إسلاميَّة الثَّورة السُّورية، من خلال اللافتات والهتافات، فقد رفعوا علم الاستقلال، ورفع علم الاستقلال له معاني عميقة، يدركها ثوَّار سوريَّة ويعُونها، فكلُّ لون في هذا العلم يرمز لقضيَّة عظيمة كبرى، فاللَّون الأخضر فيه، يرمز للعهد النبويِّ الشَّريف والخلفاء الرَّاشدين، واللَّون الأبيض يرمز للخلافة الأمويَّة، واللَّون الأسود يرمز للخلافة العباسيَّة، وأمَّا النُّجوم الحمراء فترمز إلى دماء الشُّهداء الزكية، التي سفكت نتيجة قيام دولة الخلافة في كلِّ مرَّة. كما أنَّك تلاحظ إسلاميَّة الثَّورة من هتافاتها، فأوَّل هُتاف نطق به الثُّوار هو لفظ الجلالة:"الله".. سورية.. حريَّة وبس، وعندما أَكرَهَ الطَّاغية الثُّوار للسُّجود لصوره، أتى هُتاف الثُّوار يهدر: "لن نركع إلا لله"، وعندما أراد النِّظام الأسديُّ العفن، أن يشوِّه هدف الثَّورة والثُّوار، واتهمهم بأنَّهم يريدون المناصب والسُّلطة والجاه، أتى هُتاف الثُّوار يصرخ بصوت عالٍ: "هي لله..هي لله.. لا للسُّلطة ولا للجاه"، وعندما تخلَّى عن نصرتهم القريب والبعيد، لجأ الثُّوار -من قبل ومن بعد- إلى القويِّ العزيز قائلين: "يا الله!!.. ما لنا غيرك.. يا الله!!"، وعندما استشعروا أنَّ الله يهيئهم لأمر عظيم، وهو قيام الخلافة على منهاج النُّبوة، رفعوا أصواتهم ملبِّين: "لبيك يا ألله لبيك".

عندما رأى النِّظام الأسديُّ العلمانيُّ الكافر الفاجر إسلاميَّة الثَّورة، ورجوع النَّاس من جديد لدينهم وعقيدتهم، بعد فترة تغييبه لهم عن إسلامهم، جنَّ جنونه، وفقد عقله ووعيه، وردَّ بكلِّ صَلَف وظلم وجور، ردَّ بكلِّ ما أوتي من قوة وعتاد وعدَّة، فقتَّل ومثَّل وسجن وشرَّد الكثير الكثير، بل اعتدى على الشَّعائر الدِّينية، فهدَّم المآذن، وسحق المساجد، وسالت دماء المصلين في المساجد أنهارًاً...

دمُ المصلينَ في المحرابِ ينهمـــرُ *** والمستغيثونَ لا رجعٌ ولا أثــــــرُ
والشَّام في قيدِها حسناءُ قد سُلبت *** عيونُها في عذابِ الصَّمت تنتظــــــرُ
هل جُهِّزت في حياضِ النِّيــل ألويةٌ؟ *** هل في الحجازِ ونجدٍ جلجل الغبر
هل أجهشتْ في بيوتِ اللهِ عاكفــةً *** كلُّ القبائلِ والأحياءِ والأســـــــرُ
سلوا الملايين من أبناء أمتنــــا *** كم ذُبحوا وبأيدي خائنٍ نُحــــــروا
سلوا حمصَ سلوا حماةَ ما برحــتْ *** دماؤنا في ثَراها بعد تستعــِــــــرُ
يا أمَّة الحقِّ ماذا بعد؟ هل قُتلــــت *** فينا المروءاتُ واستشرى بنا الخـور
أما لنا بعد هذا الذُّلِّ معتصـــــمٌ *** يجيبُ صرخةَ مظلومٍ وينتصـــــــرُ
أما لنا من صلاحِ الدِّين يُعتقنــــا *** فقد تكالب في استعبادنا الغجـــــــر
يا أمَّة الحقِّ إنَّا رغم محنتنـــــا *** إيماننا ثابتٌ بالله نصطبــــــــــر


بلاد الشَّام بلاد باركها الله، وقد ورد في القرآن الكريم ذكر بركتها، فمن ذلك:
1- أنَّها مسرى النَّبيِّ محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومعراجه، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء: 1].

2- أنها مهجر إبراهيم الخليل -عليه الصَّلاة والسَّلام-، قال الله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71].

3- وفي بلاد الشَّام المباركة، كانت مملكة سليمان -عليه الصَّلاة والسَّلام-، قال الله –تعالى-: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81].

4- ولفضل بلاد الشَّام وبركتها وعظمتها، أقسم الله بها بقوله: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: 1-3]. التِّين: دمشق وجامعها، والزيتون: مدينة القدس وبيت المقدس، قاله كعب الأحبار، وابن زيد. وطور سينين: الجبل الذي كلَّم الله تعالى عليه موسى -عليه السَّلام-، قاله كعب الأحبار. البلد الأمين: مكة وحرمها. وسينين: الحسن بلغة الحبشة.

لقد ألَّف شيخنا الإمام محمَّد ناصر الدِّين الألباني -رحمه الله- كتابًا كاملاً، أورد فيه ما يقرب من ثلاثين حديثًا، في فضل الشَّام وأهله، وإليك طرفاً من ذلك:

1- قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إذا وقعت الملاحِمُ، بعث الله من دمشقَ بعثًا من الموالي، أكرمَ العرب فرسًا، وأجودهم سلاحًا، يؤيِّدُ الله بهم الدِّين» (حسَّنه الألباني).

2- وقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «يومُ الملحمةِ الكبرى، فُسطاطُ المسلمين بأرضٍ يقالُ لها: "الغوطة" ، فيها مدينةٌ يقالُ لها: "دمشق" خير منازِل المسلمين يومئذٍ» (صحَّحه الألباني).

3- وقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنِّي رأيتُ الملائكة في المنامِ، أخذوا عمود الكتاب، فعمدوا به إلى الشَّام، فإذا وقعت الفتنُ، فإنَّ الإيمان بالشَّام» (صحَّحه الألباني).

4- وقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ستنجدون أجنادًا، جُنْدًا بالشَّام، وجُنْدًا بالعراق، وجندًا باليَمَن» قال عبد الله: فقمت، قلت: خِرْ لي يا رسول الله!. فقال: « وعليكم بالشَّام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق من غُدُرِه، فإنَّ الله -عزَّ وجل- قد تكفَّل لي بالشَّام وأهله». قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث، يقول: ومن تكفَّل الله به، فلا ضيعة عليه. (صحَّحه الألباني).

5- وقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «يا طوبَى للشَّام، يا طوبَى للشَّام، يا طوبَى للشَّام» قالوا: يا رسول الله! وبِمَ ذلك؟. قال: «تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشَّام» (صحَّحه الألباني).

6- وقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إذا فسدَ أهلُ الشَّامِ فلا خيرَ فيكم، لا تزالُ طائفةٌ من أُمتي منصورين، لا يضرُّهم من خَذَلَهم حتى تقومَ السَّاعة» هم في الشَّام. (صحَّحه الألباني).

إنَّ ما تشاهدونه وتسمعونه عبر الأقنية الفضائيَّة، من جرائم النِّظام الأسديِّ المجرم، لا يمثِّل إلا اليسير من الواقع المؤلم الذي يعيشه أهلنا في سوريا، إذا أردَّت أن تتعرَّف على ما يجري حقيقة، عليك أن تضرب ما تشاهده وتسمعه بعشرة أمثاله. تصوَّر أخي المسلم عائلة كاملة تسكن في شقَّة، فيها الأب الكبير السِّن، والأمُّ المريضة المنهكة، والأولاد والأطفال، يطلق طاغوت الشَّام فشَّار الجزَّار صاروخًاً، على هذه الأسرة فتموت عن بكرة أبيها، وتبقى أشلاؤهم في زوايا بيتهم أيامًا، ولا يستطع أحد أن يدخل البيت، فمن دخل البيت مسعِفًا أو منقِذًا قنصوه. وتصوَّر أخي المسلم شابَّان لم يتمَّا السَّابعة عشرة من العمر، وهما توأمان، ولدا في يوم واحد، واستشهدا في يوم واحد، في جمعة العشائر، ينطلق مهند يهتف بإسقاط النِّظام، يقوم بقنصه شبِّيح فاجر، فينطلق كالبرق شقيقه عبد الحميد ليسعفه، فيقنصه الشَّبيح ليرديه شهيدًا فوق صدر شقيقه وتوأمه. وتصوِّر أخي المسلم الشَّهيد: محمد عبد الله الدبيبي، مات أبوه وهو جنين في بطن أمه، ثم ولد يتيمًاً، وعاش في رعاية أمِّه، وقاسى حياة اليتم والقلَّة، وهو الوحيد لأمِّه، وأصبح العائل لأمِّه ولخالتيه ولأسرته المكونة من ثمانية أولاد، وكان من أوَّل المشاركين في الثَّورة، وعندما شُكِّل الجيش الحرُّ في معرَّة النُّعمان، كان من أوائل المنضمين له، فهو حرٌّ شريفٌ وملتزمٌ بدينه، ومدافع عن الدِّين والعرض والشَّرف، قنصه قنَّاص النِّظام في إحدى تنقُّلاته. وتصوَّر أخي المسلم: 65 شهيدًاً في حمص، ذبحوا ذبح النِّعاج والخراف، بعد أن وضعوا القيود بأيدهم، وأغمضوا عيونهم، ورموهم على قارعة الطَّريق، هذا ما حدث قبل أربعة أيام.

لقد اجتمع على إخوانكم في سوريا، أجنحة المكر الثَّلاثة، وأطراف الحقد الأسود، هذا الثَّالوث الخطر: أمريكا الصَّليبية، وإسرائيل الصُّهيونيَّة، وإيران المجوسيَّة الصفويَّة، اجتمع هذا الثَّالوث على طالبان أفغانستان، وبمساندة ودعم لوجستي من المجوس الرافضة في إيران، تمَّ إسقاط طالبان السنيَّة، ولذلك كافأت أمريكا إيران بتسليمها العراق، تفعل به ما تشاء، وها هو الثَّالوث يتآمر على سوريَّة اليوم، حتَّى يكتمل الهلال الشِّيعيُّ الصَّفويُّ المجوسيُّ عميل إسرائيل والأمريكان، يبدأ الهلال من العراق مرورًا بسوريَّة وانتهاء بلبنان، وها هم يحركون أذنابهم الحوثيين في اليمن، والرَّافضة في البحرين والكويت والسُّعودية، حتَّى يحكموا الطَّوق على أهل السُّنة والجماعة، من أجل أن يسيطروا على بلاد أهل السُّنة، والعجب العجيب العجاب أن تعداد المسلمين في العالم، مليار وثلاثمائة مليون، نسبة الشِّيعة بكلِّ فرقها وطوائفها ومذاهبها لا تمثل إلا 9% أي حوالي 200مليون، فهم الطَّائفة ونحن الأمَّة، وعلى الطَّائفة أن تعرف قدرها، وتكون حريصة على التَّعايش السِّلمي مع الأمَّة الأكثر، لا أن تخلق العداوات، وتبثُّ الفتن كما يفعل نظام الطَّاغية في الشَّام.

إنَّ الثورة السُّورية المجيدة، بعد أسبوعين من الآن، تكون قد أمضت عامًا كاملاً، من الصُّمود والنِّضال والجهاد، وأبشركم أنَّ الثَّورة قد حقَّقت إنجازات عظيمة على الرَّغم من الخسائر، وقلَّة النَّاصر والمعين من البشر، وأهمُّ هذه الإنجازات:

1- تشكيل وتأسيس الجيش الحرِّ، وانتشاره بشكل سريع في أنحاء سوريَّة كلها.
2- كثرة الانشقاقات العسكريَّة، سواء من حيث العدد، أو النَّوع، أي: الرُّتب الكبيرة.
3- العمليَّات العسكريَّة النَّوعيَّة التي قام بها الجيش الحرُّ، والتي حرَّرت بعض المناطق من يد المحتل.
4- تعرية وفضح النِّظامِ الأسديِّ وحزب الشَّيطان عن المتاجرة بالقضيَّة الفلسطينيَّة، فهما حاميان أمينان ومخلصان لليهود وحدودهم، من سوريا إلى لبنان.
5- إصرار الشَّعب السُّوريِّ البطل على طرد المجرمين أذناب اليهود، وتحرير الشَّام منهم، فتعدى الأمر من الحريَّة إلى تحرير البلاد من هذا الاحتلال الصهيونيِّ، وهذا الإجرام.

إنَّ المرحلة السَّابقة كانت فيها الخسائر عظيمة، بسبب عدم تعادل الأطراف، وبسبب الدَّعم الخارجيِّ من إيران وحزب اللات ومقتدى الصَّدر. أمَّا مرحلتنا القادمة فإنَّ ملامحها ستتغير، ستؤدِّي كثرة الانشقاقات إلى التَّعادل، وبعدها إلى التَّفوُّق والنَّصر، ولذلك نطالب بالدَّعم اللُّوجستي والمادي لجيشنا الحرِّ الأبي.

إنَّ الشَّام هي البوابة والحصن الحصين، لأهل السُّنة والجماعة، ولو كسرت هذه البوَّابة، وهدم الحصن، أقسم بالذي رفع السَّماء، وبسط الأرض، وفلق الحبَّة، وبرأ النَّسمة، سيصل المجوس الصَّفويون الرَّافضيون الحاقدون المارقون إلى قلب الجزيرة، وإلى مكة والمدينة -لا قدر الله-، فمتى يستيقظ أهل السُّنة لمدلهمات الأمور، وأن يبادر السُّنة في العالم حكامًاً ومحكومين لنصرة إخوانهم الذين في خطِّ الدِّفاع الأوَّل، في بلاد الشَّام المؤمنة الصَّابرة الأبيَّة.
 



سعد العثمان - 11/4/1433 هـ