تكفير المسلمين وخطره

منذ 2006-12-01
السؤال: بعض العلماء ينكرون على الدعاة ويكفرونهم -حسبنا الله ونعم الوكيل- فما جواب ذلك؟
الإجابة: تكفير المسلم خطره عظيم جداً، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"، وقال: "تكفير المسلم كقتله"، وقال: "إن قال الرجل لأخيه كافر فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه".

وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكفير تحذيراً بالغاً، ولذلك لا يحل تكفير المسلم، وعلى المسلم أن يتقي الله، وأن يعلم أنه إذا كفَّره وهو غير كافر في علم الله فقد رجعت عليه وحارت عليه، ويكون هو كافراً -نسأل الله السلامة والعافية-، ولهذا فالتكفير صعب جداً.

وتكفير المعين يشترط له سبعة شروط:

1 - أن لا يكون قال الكفر أو فعله مكرهاً عليه، لقوله تعالى: {من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.

2 - أن لا يكون جاهلاً، لقول الله تعالى: {وجازونا ببني إسرائيل البحر فاتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون}، ولم يقل: إنكم قوم تكفرون، وصح عن النبي صلى عليه وسلم أنه مر على شجرة كانت تدعى في الجاهلية ذات أنواط، فقالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: "الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفس محمد بيده ما قال أصحاب موسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}"، ولم يكفر أحداً منهم.

3 - أن لا يكون الإنسان مقلداً لما جرت عليه العادة في بلده، فإن وجد الناس على شيء لا ينكر ففعله ولو كان ذلك كفراً، فإنه لا يكفر به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحلفوا باللات ولا بالعزى فمن قال ذلك فليقل آمنت بالله"، وسمع عمر يحلف بأبيه فقال: "لا تحلفوا بآبائكم فمن حلف بغير الله فقد أشرك"، ومع ذلك لم يكفر أحداً بهذا الحلف.

4 - أن لا يكون مغطاً على عقله، مغلوباً عليه، فإن كان مغطاً على عقله مغلوباً عليه فإنه لا يكفر بذلك، لقصة الرجل التي قصَّ علينا النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً كان عاصياً فلما دنا أجله جمع أولاده، وأخذ عليهم العهود والمواثيق إذا هو مات أن يحرقوا جثته وأن يقسموا رماده نصفين فيذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، قال: فلئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين -يشك في قدرة الله- فلما مات فعلوا به ما أمر، فدعاه الله، فأمر البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه، فقام بشراً سوياً فقال: "أي عبدي ما حملك على ما صنعت؟" قال: خشيتك يا رب، فغفر له.
فهذا كان مغطاً على عقله بخشية الله وقت موته، فلذلك غفر له مع أن ما قاله كفر.

5 - أن لا يكون غالط اللسان، فإن غلط لسانه وقال الكفر من غير قصد فإنه لا يكفر بذلك، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أن آخر رجل يدخل الجنة يقول: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح، وكذلك في الحديث الذي في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من أحدكم تكون معه راحلته وعليها زاده ومتاعه في فلاة من الأرض فتنفلت منه فيتبعها حتى إذا أيس من نفسه، رأى شجرة فقال: لعلي أموت عندها، فبينما هو كذلك إذا راحلته عنده، فأمسك بخطامها وهو يقول: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من الفرح" فهذا لا يكفر به.

6 - أن يكون الإنسان قد أقيمت عليه الحجة، فإذا لم تقم عليه الحجة فلا يكفر لقول الله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}.

7 - أن يثبت ذلك عليه، لأن التكفير حكم قضائي يحتاج إلى إثبات، فالمتأول الذي لا يقصد الكفر وإنما اجتهد فأخطأ لا يكفر بذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران، وإذا اجتهد فأخطأ كان له أجر"، ثم إن على الإنسان أن يتهم نفسه في من يعاديه ويواليه، فالعداء والولاء أمران من أمور العقيدة، والله سبحانه وتعالى بين للمسلمين من يحق لهم أن يوالوه ومن يحق لهم أن يعادوه، فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، وبين لهم من يعادونه، فقال: {يأيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} إلى آخر السورة، وكذلك قال: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}، وقال: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض}، وقال: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً}، وقال: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}، فإذن الذي يواليه الإنسان ويعاديه معروفٌ محصور، وعلى هذا فلا يحل لإنسان أن يعادي إنساناً آخر على أساس أنه يدعو إلى خير مثلاً، بل هذا حقه الولاء عليه أن يواليه وإذا أخطأ نصح له، كما أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي رقية تميم ابن أوس الداري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة"، قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم" فلا بد من تناصح المسلمين فيما بينهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.

محمد الحسن الددو الشنقيطي

أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.