حكم مس المصحف لغير المتوضئ

منذ 2006-12-27
السؤال: ما حكم مس المصحف وتلاوة القرآن تعبداً وتعلماً لغير المتوضئ؟
الإجابة: إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، وقد اختلف أهل التفسير في تفسير هذه الآية، فذهب كثير منهم إلى أن المقصود بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ، وعلى هذا فالمقصود بقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أي إلا الملائكة.

وقالت طائفة أخرى: بل المقصود: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} فهو مختص بالمصحف الذي كُتب فيه القرآن، وأما اللوح المحفوظ فإنه كُتب فيه غير القرآن كذلك، فيكون هذا مختصاً بما كُتب فيه القرآن وحده وهو المصحف وحده، وعلى هذا: فالمطهرون اختلف في تفسيرها فقيل: معناها المطهرون بالإيمان، وهم المؤمنون، فيحرم مسه على الكفار ويحرم على المؤمنين تمكينهم من ذلك، ولهذا فإن أهل العلم اتفقوا على أنه لا يجوز السفر بالمصحف إلى دار الحرب لأن الإنسان لا يجزم بأنه يستطيع أن يحول بين الكفار وبين مسه إلا في حالات الضرورة أو إذا أمن أن يتصفحوا المصحف وأن يأخذوه منه، وهذا الذي سبق في تفسير هذه الآية يستوي فيه الجزء والمصحف الكامل.

وقالت طائفة أخرى: بل المقصود هنا المطهرون أي المتطهرون، وهذا يشمل الطهارة الكبرى والطهارة الصغرى، فالطهارة الكبرى هي الطهارة من الجنابة ومن الحيض والنفاس، والطهارة الصغرى هي الطهارة من الحدث الأصغر، وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فذهب جمهورهم إلى منع الجُنب من مس المصحف مطلقاً لأنه ذو مانعٍ رفعُه في يده، يستطيع أن يرفعه متى شاء، وهو بالغسل إن كان قادراً عليه وواجداً للماء، وبالتيمم إن كان عاجزاً عن استعمال الماء أو فاقداً له، فرفع جنابته في يده، وذهب جمهورهم أيضاً إلى أن الحائض لا تمس المصحف، وقد ذهب المالكية والحنابلة في رواية إلى أنها تمسه إن كان مجزءاً أي تمس الجزء منه، وعللوا ذلك بأن رفع مانعها ليس في يدها فليست مثل الجنب، لأن الجنب متى شاء اغتسل وإن كان عاجزاً تيمم، والحائض لا يجزئها التيمم لأنه لا يرفع مانعها ما دام مسترسلاً عليها، وليس نقاؤها من الدم بيدها حتى تفعله، ويخاف تفلت القرآن من صدرها، ولهذا رأى المالكية والحنابلة أنه يجوز لها أن تختم القرآن كاملاً من أوله إلى آخره حفظاً، ويجوز لها أن تختمه في الأجزاء بأن تأخذ جزءاً من المصحف تأخذ المصحف المجزء فتقرأ جزءاً، فإذا أكملته وضعته وأخذت جزءاً آخر حتى تكمله.

وأما المحدث أصغر فقد ذهب كثير من المتأخرين من المالكية إلى جواز مسه للمصحف، وهذا اختيار الشيخ محنض بابه في الميسر وقبله اختاره عبد الباقي الزرقاني في شرحه على مختصر خليل، ورأوا جواز مس المحدث حدثاً أصغر للمصحف الكامل واختاروا ذلك، وذهب آخرون إلى جواز مسه للجزء فقط إذا كان مُعلِّماً أو مُتعلماً، وهذا الذي مشى عليه خليل في المختصر.

وعموماً ليس في هذه المسألة نص من الوحي سوى هذه الآية، ولم يرد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بمس المصحف سوى ما ذكر.

والاحتياط أن لا يمسه الإنسان، لأن الأخذ بأثقل ما قيل احتياط في الدين، فلذلك إذا استطاع الإنسان أن لا يمس المصحف إلا وهو طاهر فذلك أولى، وقد جاء في ذلك عدد من الآثار أن لا يمس المصحف إلا طاهر، عن الصحابة والتابعين، وقد صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن ابنه كان يمسك له المصحف وهو يقرأ، فأدخل يده في إزاره فاحتك، فقال: لعلك مسست ذكرك؟ قال: نعم، قال: قم فتوضأ، فمنعه من مس المصحف حتى يتوضأ، وهذا قول لسعد بن أبي وقاص، وقول الصحابي ليس حجة على صحابي آخر، ولكنه عند كثير من أهل العلم حجة على من دونهم على من سواهم من الناس، وعموماً إذا كان بالإمكان أن يتوضأ الإنسان فالوضوء أفضل له.

والأفضل أن يكون الإنسان على طهارة دائماً مما يؤدي إلى الثبات عند الموت، الإنسان الذي يريد أن يموت وهو حاضر غير مغطى على عقله عليه أن يلازم الطهارة، إذا كان ملازماً للطهارة بإذن الله تعالى يموت وهو حاضر لموته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.

محمد الحسن الددو الشنقيطي

أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.