هل الوهابية لا تُقر المدائح النبوية؟
منذ 2007-01-30
السؤال: ما رأي فضيلتكم في مُدّرس يدّرس مذهب أبي حنيفة رحمه الله، ويعلّم
تلاميذه الصوفية، والمدائح النبوية فاعترض عليه طالب من الطلبة فقيل:
إنه وهابيّ، والوهابية لا تُقر المدائح النبوية؟
الإجابة: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين، وبعد:
فإن هذا السؤال سؤال عظيم اشتمل على مسائل في أصول الدين، ومسائل تاريخية، ومسائل علمية.
أما المسائل العلمية: فإنه ذكر أنه يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة، ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله أحد المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة، ولكن ليعلم أن هذه المذاهب الأربعة لا ينحصر الحق فيها بل الحق قد يكون في غيرها، فإن إجماعهم على حكم مسألة من المسائل ليس إجماعاً للأمة، والأئمة أنفسهم رحمهم الله ما جعلهم الله أئمة لعباده إلا حيث كانوا أهلاً للإمامة حيث عرفوا قدر أنفسهم، وعلموا أنه لا طاعة لهم إلا فيما كان موافقاً لطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يحذرون عن تقليدهم إلا فيما وافق السنة، ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة ومذهب الإمام أحمد ومذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام مالك وغيرهم من أهل العلم أنها قابلة لأن تكون خطأ وصواباً، فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فإنه لا حرج عليه أن يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة، بشرط إذا تبين له الدليل بخلافه تبع الدليل وتركه، ووضح لطلبته أن هذا هو الحق وأن هذا هو الواجب عليهم.
أما فيما يتعلق بمسألة الصوفية وغنائهم ومديحهم وضربهم بالدفّ والتغبير التي يضربون الفراش ونحوه بالسوط فما كان أكثر غباراً فهو أشدّ صدقاً في الطلب وما أشبه ذلك مما يفعلونه، فإن هذا من البدع المحرمة التي يجب عليه أن يقلع عنها، وأن ينهى أصحابه عنها، وذلك لأن خير القرون وهم القرن الذين بُعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعبدوا لله بهذا التعبد، ولأن هذا التعبد لا يورث القلب إنابة إلى الله ولا انكساراً لديه، ولا خشوعاً لديه، وإنما يورث انفعالات نفسية يتأثر بها الإنسان من مثل هذا العمل، كالصراخ وعدم الانضباط والحركة الثائرة وما أشبه ذلك، وكل هذا يدل على أن هذا التعبد باطل وأنه ليس بنافع للعبد وهو دليل واقعي غير الدليل الأثري الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، فهذا التعبد من الضلال المبين الذي يجب على العبد أن يقلع عنه، وأن يتوب إلى الله، وأن يرجع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، فإن هديهم أكمل هدي وطريقهم أحسن طريق، قال الله تعالى: {ومن أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}.
ولا يكون العمل صالحاً إلا بأمرين:
الإخلاص لله، والموافقة لشريعته التي جاء بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما ذكره من مجادلة الطالب له، وقول بعضهم: إنه رجلٌ وهابي، وإن الوهابية لا يقرون المدائح النبوية وما إلى ذلك، فإننا نخبره وغيره بأن الوهابية ولله الحمد كانوا من أشد الناس تمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أشد الناس تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً لسنته، ويدلّك على هذا أنهم كانوا حريصين دائماً على اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والتقيد بها وإنكار ما خالفها من عقيدة، أو عمل قولي أو فعلي.
ويدلّك على هذا أيضاً أنهم جعلوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها فهل بعد هذا من شكٍّ في تعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وهم أيضاً إنما قالوا بأنها ركن من أركان الصلاة لأن ذلك هو مقتضى الدليل عندهم، فهم متبعون للدليل معظمون للرسول، لا يغلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في أمرٍ لم يشرعه الله ورسوله.
ثم إن حقيقة الأمر أن إنكارهم للمدائح النبوية المشتملة على الغلوّ في رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التعظيم الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سلوك الأدب مع الله ورسوله حيث لم يقدموا بين يدي الله ورسوله، فلم يغلوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " "، ونهى عليه الصلاة والسلام عن الغلو فيه كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم، قال صلى الله عليه وسلم: " "، والمهم أن طريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأتباعه وهو الإمام المجدد طريقه هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لمن تتبعه بعلم وإنصاف.
وأما من قال بجهل أو بظلم وجور فإنه لا يمكن أن يكون لأقواله منتهى، فإن الجائر أو الجاهل يقول كل ما يمكنه أن يقول من حق وباطل ولا انضباط لقوله، وإذا لم تستحِ فاصنع ما شئت، ومن أراد أن يعرف الحق في هذا فليقرأ ما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأحفاده، والعلماء من بعده حتى يتبين له الحق، إذا كان منصفاً ومريداً للحق.
ثم إن المدائح النبوية المشتملة على الغُلوّ لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى بها، بل إنما جاء بالنهي عنها والتحذير منها، فمن المدائح التي يحرصون عليها ويتغنون بها ما قاله الشاعر:
وأشباه ذلك مما هو معلوم، ومثل هذا بلا شك كفر بالرسول صلى الله عليه وسلم وإشراك بالله عزو جل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله عز وجل، والدنيا وضرتها وهي الآخرة ليست من جود رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي من خلق الله عز وجل فهو الذي خلق الدنيا والآخرة وهو الذي جاد فيهما بما جاد على عباده سبحانه وتعالى، وكذلك علم اللوح والقلم ليس من علوم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن علم اللوح والقلم إلى الله عز وجل ولا يعلم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما أطلعه الله عليه، هذا هو حقيقة الأمر، وهذا وأمثاله هي المدائح التي يتغنى بها هؤلاء الذين يدّعون أنهم معظمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن العجائب أن هؤلاء المغالين يدَّعون أنهم معظمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجدهم معظمين له كما زعموا في مثل هذه الأمور وهم في كثير من سننه فاترون معرضون والعياذ بالله.
فأنصح القائل وغيره بأن يعود إلى الله عز وجل وأن لا يطري رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أطرى النصارى عيسى ابن مريم، وأن يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يمتاز عن غيره بالوحي الذي أوحاه الله إليه، وما خصه الله به من المناقب الحميدة، والأخلاق العالية، ولكن ليس له من التصرف في الكون شيء، وإنما التصرف في الكون والذي يُدعى ويُرجى ويُؤلّه هو الله عز وجل وحده لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثالث - باب الولاء والبراء.
فإن هذا السؤال سؤال عظيم اشتمل على مسائل في أصول الدين، ومسائل تاريخية، ومسائل علمية.
أما المسائل العلمية: فإنه ذكر أنه يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة، ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله أحد المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة، ولكن ليعلم أن هذه المذاهب الأربعة لا ينحصر الحق فيها بل الحق قد يكون في غيرها، فإن إجماعهم على حكم مسألة من المسائل ليس إجماعاً للأمة، والأئمة أنفسهم رحمهم الله ما جعلهم الله أئمة لعباده إلا حيث كانوا أهلاً للإمامة حيث عرفوا قدر أنفسهم، وعلموا أنه لا طاعة لهم إلا فيما كان موافقاً لطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يحذرون عن تقليدهم إلا فيما وافق السنة، ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة ومذهب الإمام أحمد ومذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام مالك وغيرهم من أهل العلم أنها قابلة لأن تكون خطأ وصواباً، فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فإنه لا حرج عليه أن يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة، بشرط إذا تبين له الدليل بخلافه تبع الدليل وتركه، ووضح لطلبته أن هذا هو الحق وأن هذا هو الواجب عليهم.
أما فيما يتعلق بمسألة الصوفية وغنائهم ومديحهم وضربهم بالدفّ والتغبير التي يضربون الفراش ونحوه بالسوط فما كان أكثر غباراً فهو أشدّ صدقاً في الطلب وما أشبه ذلك مما يفعلونه، فإن هذا من البدع المحرمة التي يجب عليه أن يقلع عنها، وأن ينهى أصحابه عنها، وذلك لأن خير القرون وهم القرن الذين بُعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعبدوا لله بهذا التعبد، ولأن هذا التعبد لا يورث القلب إنابة إلى الله ولا انكساراً لديه، ولا خشوعاً لديه، وإنما يورث انفعالات نفسية يتأثر بها الإنسان من مثل هذا العمل، كالصراخ وعدم الانضباط والحركة الثائرة وما أشبه ذلك، وكل هذا يدل على أن هذا التعبد باطل وأنه ليس بنافع للعبد وهو دليل واقعي غير الدليل الأثري الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، فهذا التعبد من الضلال المبين الذي يجب على العبد أن يقلع عنه، وأن يتوب إلى الله، وأن يرجع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، فإن هديهم أكمل هدي وطريقهم أحسن طريق، قال الله تعالى: {ومن أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}.
ولا يكون العمل صالحاً إلا بأمرين:
الإخلاص لله، والموافقة لشريعته التي جاء بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما ذكره من مجادلة الطالب له، وقول بعضهم: إنه رجلٌ وهابي، وإن الوهابية لا يقرون المدائح النبوية وما إلى ذلك، فإننا نخبره وغيره بأن الوهابية ولله الحمد كانوا من أشد الناس تمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أشد الناس تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً لسنته، ويدلّك على هذا أنهم كانوا حريصين دائماً على اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والتقيد بها وإنكار ما خالفها من عقيدة، أو عمل قولي أو فعلي.
ويدلّك على هذا أيضاً أنهم جعلوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها فهل بعد هذا من شكٍّ في تعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وهم أيضاً إنما قالوا بأنها ركن من أركان الصلاة لأن ذلك هو مقتضى الدليل عندهم، فهم متبعون للدليل معظمون للرسول، لا يغلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في أمرٍ لم يشرعه الله ورسوله.
ثم إن حقيقة الأمر أن إنكارهم للمدائح النبوية المشتملة على الغلوّ في رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التعظيم الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سلوك الأدب مع الله ورسوله حيث لم يقدموا بين يدي الله ورسوله، فلم يغلوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " "، ونهى عليه الصلاة والسلام عن الغلو فيه كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم، قال صلى الله عليه وسلم: " "، والمهم أن طريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأتباعه وهو الإمام المجدد طريقه هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لمن تتبعه بعلم وإنصاف.
وأما من قال بجهل أو بظلم وجور فإنه لا يمكن أن يكون لأقواله منتهى، فإن الجائر أو الجاهل يقول كل ما يمكنه أن يقول من حق وباطل ولا انضباط لقوله، وإذا لم تستحِ فاصنع ما شئت، ومن أراد أن يعرف الحق في هذا فليقرأ ما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأحفاده، والعلماء من بعده حتى يتبين له الحق، إذا كان منصفاً ومريداً للحق.
ثم إن المدائح النبوية المشتملة على الغُلوّ لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى بها، بل إنما جاء بالنهي عنها والتحذير منها، فمن المدائح التي يحرصون عليها ويتغنون بها ما قاله الشاعر:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ***
سواك عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن
علومك عِلْمُ اللّوح والقلـم
وأشباه ذلك مما هو معلوم، ومثل هذا بلا شك كفر بالرسول صلى الله عليه وسلم وإشراك بالله عزو جل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله عز وجل، والدنيا وضرتها وهي الآخرة ليست من جود رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي من خلق الله عز وجل فهو الذي خلق الدنيا والآخرة وهو الذي جاد فيهما بما جاد على عباده سبحانه وتعالى، وكذلك علم اللوح والقلم ليس من علوم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن علم اللوح والقلم إلى الله عز وجل ولا يعلم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما أطلعه الله عليه، هذا هو حقيقة الأمر، وهذا وأمثاله هي المدائح التي يتغنى بها هؤلاء الذين يدّعون أنهم معظمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن العجائب أن هؤلاء المغالين يدَّعون أنهم معظمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجدهم معظمين له كما زعموا في مثل هذه الأمور وهم في كثير من سننه فاترون معرضون والعياذ بالله.
فأنصح القائل وغيره بأن يعود إلى الله عز وجل وأن لا يطري رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أطرى النصارى عيسى ابن مريم، وأن يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يمتاز عن غيره بالوحي الذي أوحاه الله إليه، وما خصه الله به من المناقب الحميدة، والأخلاق العالية، ولكن ليس له من التصرف في الكون شيء، وإنما التصرف في الكون والذي يُدعى ويُرجى ويُؤلّه هو الله عز وجل وحده لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثالث - باب الولاء والبراء.
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف: