ما قاله ابن تيمية في قوله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه}
منذ 2007-11-18
الإجابة: وللشّيخ رَحمَه الله :
فى قـوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]: هذا هو الصواب الذي عليه جمهور المفسرين؛ كابن عباس، وسعيد بن جُبيْر، وعِكْرمة، والنَّخعِى.
وأهل اللغة كالفَرَّاء، وابن قتيبة، والزجاج، وابن الأنبارى.
وعبارة الفراء: يخوفكم بأوليائه، كما قال: {لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ} [الكهف: 2]، ببأس شديد، وقوله:{لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} [غافر:15]، وعبارة الزجاج: يخوفكم من أوليائه.
قال ابن الأنبارى: والذي نختاره فى الآية: يخوفكم أولياءه. تقول العرب: أعطيت الأموال،أي: أعطيت القوم الأموال فيحذفون المفعول الأول ويقتصرون على ذكر الثاني؛ وهذا لأن الشيطان يخوف الناس أولياءه تخويفا مطلقا، ليس له فى تخويف ناس بناس ضرورة، فحذف الأول ليس مقصوداً، وهذا يسمى حذف اختصار، كما يقال: فلان يعطى الأموال والدراهم.
وقد قال بعض المفسرين: يخوف أولياءه المنافقين، ونقل هذا عن الحسن والسُّدِّى، وهذا له وجه سنذكره، لكن الأول أظهر؛ لأن الآية إنما نزلت بسبب تخويفهم من الكفار، كما قال قبلها: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} الآيات [آل عمران:173]، ثم قال: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين }فهي إنما نزلت فيمن خوف المؤمنين من الناس، وقد قال:{يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ}،، ثم قال: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ}،، والضمير عائد إلى أولياء الشيطان الذين قال فيهم: {َاخْشَوْهُمْ} قبلها.
وأما ذلك القول، فالذي قاله فسرها من جهة المعنى، وهو أن الشيطان إنما يخوف أولياءه بالمؤمنين؛ لأن سلطانه على أوليائه بخوف يدخل عليهم المخاوف دائما، فالمخاوف منصبة إليهم محيطة بقولهم، وإن كانوا ذوي هيئات وعَدَد وعُدَد فلا تخافوهم.
وأما المؤمنون فهم متوكلون على الله، لا يخوفهم الكفار، أو أنهم أرادوا المفعول الأول، أي يخوف المنافقين أولياءه، و إلا فهو يخوف الكفار، كما يخوف المنافقين، ولو أنه أريد أنه يخوف أولياءه، أي يجعلهم خائفين لم يكن للضمير ما يعود عليه، وهو قوله: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ} وأيضا، فهذا فيه نظر؛ فإن الشيطان يَعِد أولياءه ويُمَنِّيهم، كما قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} [الأنفال:48]، وقال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [النساء:120].
ولكن الكفار يلقى الله فى قلوبهم الرعب من المؤمنين والشيطان لا يختار ذلك، قال تعالى:{لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ الله} [الحشر:13]،وقال تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ} [الأنفال:12]، وقال:{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِالله}[آل عمران:151]، وفى حديث قرطبة أن جبريل قال .
فتخويف الكفار والمنافقين وإرعابهم هو من الله نصرة للمؤمنين.
ولكن الذين قالوا ذلك من السلف أرادوا: أن الشيطان يخوف الذين أظهروا الإسلام، فهم يوالون العدو، فصاروا بذلك منافقين، وإنما يخاف من الكفار المنافقون بتخويف الشيطان لهم، كما قال تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة:56]، وقال تعالى: {فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} الآيات، إلى قوله: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ} [الأحزاب:19-20]، فكلا القولين صحيح من حيث المعنى، لكن لفظ أوليائه هم الذين يجعلهم الشيطان مخوفين لا خائفين، كما دل عليه سياق الآية ولفظها، والله أعلم.
وإذا جعلهم الشيطان مخوفين، فإنما يخافهم من خوفه الشيطان منهم فجعله خائفاً.
فالآية دلت على أن الشيطان يجعل أولياءه مخوفين، ويجعل ناساً خائفين منهم، ودلت الآية على أن المؤمن لا يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان، ولا يخاف الناس، كما قال تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، بل يجب عليه أن يخاف الله، فخوف الله أمر به وخوف الشيطان وأوليائه نهى عنه.
وقال تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة:150]، فنهى عن خشية الظالم وأمر بخشيته، والذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله.
وقال: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل:51].
وبعض الناس يقول: يا رب، إني أخافك وأخاف من لا يخافك، وهذا كلام ساقط لا يجوز، بل على العبد أن يخاف الله وحده، ولا يخاف أحدًا، لا من يخاف الله ولا من لا يخاف الله؛ فإن من لا يخاف الله أخس وأذل أن يخاف؛ فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان، فالخوف منه قد نهى الله عنه، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الرابع عشر.
فى قـوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]: هذا هو الصواب الذي عليه جمهور المفسرين؛ كابن عباس، وسعيد بن جُبيْر، وعِكْرمة، والنَّخعِى.
وأهل اللغة كالفَرَّاء، وابن قتيبة، والزجاج، وابن الأنبارى.
وعبارة الفراء: يخوفكم بأوليائه، كما قال: {لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ} [الكهف: 2]، ببأس شديد، وقوله:{لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} [غافر:15]، وعبارة الزجاج: يخوفكم من أوليائه.
قال ابن الأنبارى: والذي نختاره فى الآية: يخوفكم أولياءه. تقول العرب: أعطيت الأموال،أي: أعطيت القوم الأموال فيحذفون المفعول الأول ويقتصرون على ذكر الثاني؛ وهذا لأن الشيطان يخوف الناس أولياءه تخويفا مطلقا، ليس له فى تخويف ناس بناس ضرورة، فحذف الأول ليس مقصوداً، وهذا يسمى حذف اختصار، كما يقال: فلان يعطى الأموال والدراهم.
وقد قال بعض المفسرين: يخوف أولياءه المنافقين، ونقل هذا عن الحسن والسُّدِّى، وهذا له وجه سنذكره، لكن الأول أظهر؛ لأن الآية إنما نزلت بسبب تخويفهم من الكفار، كما قال قبلها: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} الآيات [آل عمران:173]، ثم قال: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين }فهي إنما نزلت فيمن خوف المؤمنين من الناس، وقد قال:{يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ}،، ثم قال: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ}،، والضمير عائد إلى أولياء الشيطان الذين قال فيهم: {َاخْشَوْهُمْ} قبلها.
وأما ذلك القول، فالذي قاله فسرها من جهة المعنى، وهو أن الشيطان إنما يخوف أولياءه بالمؤمنين؛ لأن سلطانه على أوليائه بخوف يدخل عليهم المخاوف دائما، فالمخاوف منصبة إليهم محيطة بقولهم، وإن كانوا ذوي هيئات وعَدَد وعُدَد فلا تخافوهم.
وأما المؤمنون فهم متوكلون على الله، لا يخوفهم الكفار، أو أنهم أرادوا المفعول الأول، أي يخوف المنافقين أولياءه، و إلا فهو يخوف الكفار، كما يخوف المنافقين، ولو أنه أريد أنه يخوف أولياءه، أي يجعلهم خائفين لم يكن للضمير ما يعود عليه، وهو قوله: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ} وأيضا، فهذا فيه نظر؛ فإن الشيطان يَعِد أولياءه ويُمَنِّيهم، كما قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} [الأنفال:48]، وقال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [النساء:120].
ولكن الكفار يلقى الله فى قلوبهم الرعب من المؤمنين والشيطان لا يختار ذلك، قال تعالى:{لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ الله} [الحشر:13]،وقال تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ} [الأنفال:12]، وقال:{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِالله}[آل عمران:151]، وفى حديث قرطبة أن جبريل قال .
فتخويف الكفار والمنافقين وإرعابهم هو من الله نصرة للمؤمنين.
ولكن الذين قالوا ذلك من السلف أرادوا: أن الشيطان يخوف الذين أظهروا الإسلام، فهم يوالون العدو، فصاروا بذلك منافقين، وإنما يخاف من الكفار المنافقون بتخويف الشيطان لهم، كما قال تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة:56]، وقال تعالى: {فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} الآيات، إلى قوله: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ} [الأحزاب:19-20]، فكلا القولين صحيح من حيث المعنى، لكن لفظ أوليائه هم الذين يجعلهم الشيطان مخوفين لا خائفين، كما دل عليه سياق الآية ولفظها، والله أعلم.
وإذا جعلهم الشيطان مخوفين، فإنما يخافهم من خوفه الشيطان منهم فجعله خائفاً.
فالآية دلت على أن الشيطان يجعل أولياءه مخوفين، ويجعل ناساً خائفين منهم، ودلت الآية على أن المؤمن لا يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان، ولا يخاف الناس، كما قال تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، بل يجب عليه أن يخاف الله، فخوف الله أمر به وخوف الشيطان وأوليائه نهى عنه.
وقال تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة:150]، فنهى عن خشية الظالم وأمر بخشيته، والذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله.
وقال: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل:51].
وبعض الناس يقول: يا رب، إني أخافك وأخاف من لا يخافك، وهذا كلام ساقط لا يجوز، بل على العبد أن يخاف الله وحده، ولا يخاف أحدًا، لا من يخاف الله ولا من لا يخاف الله؛ فإن من لا يخاف الله أخس وأذل أن يخاف؛ فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان، فالخوف منه قد نهى الله عنه، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الرابع عشر.
- التصنيف: